بعد أن كان حيا منسيا لا يتذكره النخبة إلا خلال الحملات الانتخابية ما جعله يصنف وبامتياز ضمن ما يصطلح عليه في البلاد بالمغرب غير النافع ،أصبح مباشرة بعد أحداث الجمعة الدامية بمدينة الدار البيضاء من أشهر الأحياء في العالم . وفود وسائل الإعلام العالمية تتسابق اليه بعد ان اتضح انه كان المعقل الرئيس الذي عشعشت فيه وخرجت منه (كتيبة الموت) التي حولت اجزاء من وسط مدينة الدار البيضاء الاسبوع الماضي إلى خراب أتى على العديد من المنشآت ومقتل اكثر من 46 شخصا، كان ذنبهم الوحيد وجودهم في مكان اختاره الظلاميون مكانا لارتكاب جريمتهم في المملكة المغربية التي ظلت نائية وإلى حدود ليلة الجمعة 15 مايو عن رياح الإرهاب. يوجد حي سيدي مومن القديم الذي كان حتى بداية عقد الثمانينيات منطقة فلاحية خصبة على الجانب الشرقي من الطريق السريع الذي يعبر الدار البيضاء ويمتد على مساحة واسعة جعلت منه أحد أكبر الأحياء والمستعمرات الحضرية في مدينة الدار البيضاء بل والمغرب عموما وسمي هذا الحي ب(الصفيحي) نسبة إلى رجل صالح عرف باسم سيدي مومن وله ضريح في أعلى هضبة ترابية من المنطقة تلتف حوله آلاف القبور التي تجمعت على امتداد العقود الثلاثة الماضية. الحي الذي بدأت تغزو جوانبه ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي البيوت العصرية المزودة بالمياه الصالحة للشرب والكهرباء والخيوط الهاتفية وأنابيب الصرف الصحي أصبح بسبب ذلك مقسما إلى شطرين سيدي مومن الجديد وسيدي مومن القديم ، بل إن الطريقة التي أقيمت بها هذه الأحياء الحديثة كانت أشبه إلى أحزمة أسمنتية تخفي وراءها صور الحرمان والفقر والتخلف الذي يصدم المرء من وجوده في مغرب القرن 21 ، بل ويخالها تنتمي إلى بلدان جنوب الصحراء ، ومن خلف هذه الأحزمة الأسمنتية انطلقت الجماعة الإرهابية المنتمية لجماعة الصراط المستقيم التي ضربت وسط الدار البيضاء. يتكون الشطر القديم من حي سيدي مومن من العديد من الحارات الشعبية التي تشترك في شيء واحد الفقر الذي تبدو ملامحه أينما ولى القادم إليه وجهه، أبرزها كفرين دوارين: الأول : هو دوار كفر الرحامنة الذي سمي بهذا الاسم نسبة لقاطنيه الأولين الذين سكنوا هذه المنطقة خلال سنوات الثمانينيات إثر نزوحهم من منطقة الرحامنة بضواحي مدينة مراكش المغربية إثر الجفاف الذي ضرب هذه المنطقة . الثاني : هو دوار كفر طوما الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى معمر فرنسي كان يملك تلك الأراضي خلال فترة حكم الحماية الفرنسية ويدعى بطوماس ، ويجثم هذا الحي خلافا لكفر الرحامنة على مساحة كبيرة تنتشر القمامات في مختلف أنحائها أصبح معه الحي مرتعا لظاهرتين متناقضتين حسبما قال أحد شباب المنطقة الذين التقت بهم "اليوم". يتعلق الأمر بظاهرة انتشار المخدرات وما تخلفه من تداعيات أبرزها الإجرام ، ثم ظاهرة التطرف الديني الذي تحمل لواءه جماعتا السلفية الجهادية والصراط المستقيم. وشاءت الصدف أن يجاور هذا الحي القصديري معمل لصنع البارود يدعى دار البارود وهو قريب من هذا الحي، وحسب مسؤولين أمنيين فإنه لا يعرف حتى الآن ما إذا كان الإرهابيون قد سرقوا البارود من هذا المعمل. الدخول الى الحي مغامرة ومجازفة بكافة المقاييس ،حيث يعيش سكانه في شبه استقلال عن السلطات الإدارية والأمنية لولاية الدار البيضاء الكبرى المكونة من ست محافظات ، حتى أن قوات الأمن لا يمكنها القيام بحملات منتظمة إلا إذا كان يتعلق الأمر بتمشيط أمني على غرار ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية خلال اعتقال المشتبه فيهم وتفتيش منازل منفذي الهجمات الإرهابية. أو كما كان يحصل في السابق خلال تعقب بائعي المخدرات. وحسبما قاله بعض سكان الحي فمنذ أن أشيع خبر إلقاء القبض على عدد من المتطرفين منذ صبيحة يوم السبت الماضي ، سارع آخرون الى مغادرة أوكارهم المعروفة في اتجاه المجهول، إلا أن عمليات التفتيش ظلت مستمرة. فقد قيل لنا ان عددا من المتطرفين توجهوا بعد التفجيرات إلى منطقة فارغة تسمى بالشابو وهي عبارة عن مقلع للأحجار الضخمة ومكب للأتربة والرمال من مخلفات البناء من مختلف أنحاء وجهات مدينة الدار البيضاء حتى أنه بدا وكارا لتجمع الخارجين عن القانون من المجرمين . ولإنشاء معسكرات للمنتمين للجماعات المتطرفة. فهو صالح لإجراء مناورات تدريبية لوجوده خارج السيطرة الأمنية ولانعدام سبل الحياة فيه ولأي أنشطة، ولانعدام الطرق الممهدة الموصلة اليه، بل إن قوات من الجيش المغربي كانت تستخدم منطقة الشابو هذه لبعض مناوراتها العسكرية خلال الثمانينات كما يتذكر ساكنة الأحياء المجاورة. من هنا فإن السلطات المغربية إذا أرادت اجتثات هذا الورم الخبيث من المنطقة ، فإنها في حاجة فيما يبدو إلى عمليات تمشيطية واسعة بالأسلحة الثقيلة وطائرات الهيلوكبتر وأعداد ضخمة من قوات الأمن. ما إن وطئت قدمنا الحي من جهة المسجد الضخم الوحيد حتى بدأت تتراءى أمامنا مظاهر البؤس الشديد فمجاري الوادي الحار مكشوفة مخلفة وراءها روائح كريهة تزكم الأنوف وأسراب من الذباب ، فيما توزع شباب وأطفال الحي في مساحات متناثرة لممارسة كرة القدم ووقفت عربات بيع الفواكه والخضر عند مداخل الأزقة. وحسب بائع للخضر فإن الحالة المادية لغالبية سكان الحي مزرية، فالفقر ضارب بجذوره في مختلف البيوت القصديرية ، أما شبان المنطقة فالنسبة الأكبر منهم عاطلون عن العمل. سواء كانوا من حاملي الشهادات العليا في غالبيتها من الجامعات والمعاهد الحكومية أو الذين لم ييسر لهم لسبب من الأسباب تكملة تحصيلهم العلمي. فمثلا حي طوما أكبر أحياء جماعة سيدي مومن يفتقر إلى مختلف مظاهر البنية التحتية الضرورية أو حتى الترفيهية باستثناء دار يتيمة للشباب تبعد عن أقرب الأحياء السكنية بكيلومترين على الأقل ، بدأ ومنذ مدة يشتهر بظاهرة بيع الكتب الدينية والأشرطة الدعوية المسموعة والمرئية، بالإضافة إلى بيع مشروبات مقوية جنسيا تسمى ب" أخو دنجال" على عربات بدائية يقف وراءها شباب عاطل ملتح بلباس تقليدي أفغاني غريب عن المجتمع المغربي. تورط البعض منهم في تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية. نقيض ذلك توجد فئات اتخذت طريقا آخر في حياتها وهو إدمان المخدرات وشرب الخمر والمتاجرة فيهما ، وبين الفئتين توجد فئة ثالثة يمكن أن نقول انها معتدلة سواء من حيث التفكير أو اللباس العصري الذي ترتديه ، إلا أنها هي الأخرى تعاني أم المشاكل في المغرب وهي البطالة. وإذا كان هذا هو حظ الشباب الذكور فإن الإناث حظهن عكس ذلك ، حتى أن الزائر للمنطقة خلال ساعات العمل قد يعتقد أن فتياتها محجبات أو غير موجودات أصلا ، فخلافا لبعض الطالبات اللاتي يرتدي بعضهن الحجاب فإن أغلبيتهن أكثر حظا من شقائقهن من الرجال حيث يشتغلن في معامل النسيج المتناثرة في الضواحي والجوار، بل الكثيرات منهن يعلن أسرهن. ووفقا للمحجوب ،وهو شاب يستعد لأن يدخل عتبة عقده الثالث بدون أن يجد عملا، فإن سبب التمييز الذي يعانيه الذكور فيما يخص العمل يرجع في الأساس إلى تفضيل اصحاب العمل الفتيات لرخص الأجور التي تمنح لهن إذا ما قورنت بالذكور. ونحن في طريق العودة من هذه المنطقة التي لم نكن نتصور أن بالمغرب مثيلا لها، خرجنا بنتيجة واحدة فحواها أن الفقر هو السبب الرئيس الذي دفع شبابا في سنوات الزهور إلى الدفع بأنفسهم إلى هذه الجماعات والتهلكة ، فخسروا الدار الآخرة ، بعد أن كانوا متيقنين من أنهم خسروا الدار الدنيا بعيشهم في مثل هذا المناخ.