قد لا تحقق خارطة الطريق الامل لمن يريد تحرير كامل التراب الفلسطيني بعد طرد اليهود او القائهم في البحر، لكنها تعتبر الآلية الوحيدة التي تتعهد بها الولاياتالمتحدة بقيام دولة فلسطينية وفقا لقرارات مجلس الامن التي ارتضتها الغالبية الكبيرة من الفلسطينيين وتلتقي في الوقت نفسه مع مبادرة عربية طرحها الامير عبدالله بن عبدالعزيز ووافقت عليها كل الدول العربية. هذه الورقة تعطينا وللمرة الاولى تعهدا من اول رئيس امريكي بقيام الدولة الفلسطينية، وهو تقدم على ارض الواقع يحتاج لكافة السبل لتعزيزه وتوظيفه توظيفا جيدا. لقد بدأت الاوضاع تتحسن والمواقف تتزحزح داخل اروقة القرار الامريكي فبعد ان كانت الدائرة الصقورية اليمينية الضيقة تنفرد وحدها بنصائح للرئيس بوش وتدفع باتجاه عدم الزام اسرائيل بأية تعهدات لان في ذلك (ظلما) في حق اسرائيل وقع اكثر من 44 عضوا من الكونجرس على موافقتهم على تنفيذ الخارطة مما يعني ضغطا متوازيا على الجانب الآخر، قد يساعد الرئيس بوش في الضغط على الجانب الاسرائيلي. اما المؤشر الآخر فتستطيع تلمسه من تغير لهجة الصحافة والاعلام وملاحظة وجود تفهم للمعاناة الفلسطينية لم يكن موجودا في السابق، رغم ان الاتجاه العام الاعلامي مازال ينظر للصراع من الوجهة الاسرائيلية التي حصرت القصة في (امن الاسرائيليين) انما تستطيع ان تتلمس ذلك الدفع باتجاه ماهو مطلوب من الجانبين بعد ان كان المطلوب يتركز فقط على جانب واحد وهو الجانب الفلسطيني. ولا ننسى ان هناك مستجدا جعل القضية مسألة ملحة، وبعد ان قرر الرئيس بوش عدم التدخل فيها بشكل مباشر متعظا بتجربة كلينتون، فرض عليه الحادي عشر من سبتمبر ان يدخل يديه في عش الزنابير رغما عنه ويجعل مسألة انهاء الصراع في الشرق الاوسط واحدة من اولويات الامن الامريكي لا الاسرائيلي. فهناك اذا ضغط شعبي امريكي وعالمي على معالجة جذور الارهاب، وهناك قناعة متزايدة لدى الجميع في الربط بين تزايد حدة الارهاب واستمرار الاحتلال الاسرائيلي، مما يضع الحكومة الاسرائيلية في مأزق لم تشهده من قبل يتبين في الموقف البريطاني والاوروبي المصر على انهاء الاحتلال متمثلا في موقف سولانا الاخير. بقي ان تقرر الادارة الامريكية الآن الى متى ستبقى على الشاطىء، اي متى ستشمر عن بنطالها وتخوض في المياه؟ الى الان اكثرت هذه الادارة من التصريحات بالتزامها دون ان تحقق شيئا توضح فيه طبيعة هذا الالتزام، حتى زيارة باول الاخيرة اثبتت كم هو (مقصص) الاجنحة بلا صلاحيات، ولا ينفع بشىء ذلك التوهم بأن الحل يكمن في الضغط على جهة واحدة فحسب، اي بالاصرار على نزع سلاح حماس والجهاد وتعزيز الامن الفلسطيني واستغلال ضغط الدول العربية وامتحانات (القبول) لأبومازن. على الادارة الامريكية ان تدرك انه حتى المشجعين للخارطة والقابلين بها من فلسطينيين وعرب بانتظار تلمس خطوة واحدة جدية امريكية تجاه اسرائيل تساعدهم على اكمال باقي الخطوات فاسرائيل لا تزال ترفع سقف اللاءات وتنتظر ردة فعل، وحين لا تجد ترفعه اكثر.. فهي ماضية في اكتساح الاراضي والمخيمات الفلسطينية وفي وضع الحواجز وفي بناء المستوطنات مؤكدة على لسان رئيس وزرائها ان احدا لم يضغط عليها لوقف ذلك كله. واقصى ما سمعناه على لسان وزير الخارجية كولن باول كتعليق على عدم قبول اسرائيل بالخارطة بأنها لم ترفضها بالمقابل. فان كانت اسرائيل تدعي انها (تتجرع) السم بقبولها التسوية فالفلسطينيون قد ادمنوه.. وان كان شارون قد اقنع احدا في الولاياتالمتحدة بأنه في حيرة من امره ومتلعثم اللسان في عرض الخارطة على مجلس وزرائه، فان ابومازن قد امتلك الجرأة وجلس يتفاوض مع حماس والجهاد، بمعنى.. الى هنا وكفى تدليلا الى مالا نهاية للاسرائيليين. ليست مصداقية الولاياتالمتحدة على المحك بل امنها ايضا.. من هذا المنطلق على الرئيس بوش ان يتحرك تجاه خارطته.