لم يعد التصوير الفوتوغرافي مجرد هواية أو ميول تمارس بمزاج المصور، ولم يعد لديه الخيار في أن يلتقط أي صورة، بل أصبح مسؤولا عن عمله، وتحول التصوير الفوتوغرافي إلى ذوق فني وصار الذوق مقياسا لإنجاز الصورة الضوئية، والأحساء بما تحمل من عمارة تقليدية وطبيعة ونخيل ومياه هي المرجعية التي يتكئ عليها المصور الفوتوغرافي في أغلب أعماله الفنية، هذا ما يمكن أن نقرأه من خلال معرض محمد المهنا (تناغم الضوء واللحظة) الذي افتتحه عبدالعزيز بن ناصر الشعيبي مدير مكتب رعاية الشباب في أسواق البستان الخميس قبل الماضي ومعرض زكي غواص( للضوء لغة أخرى) الذي افتتحه د عبدالرحمن بن إبراهيم المديرس مدير إدارة التربية والتعليم بالمحافظة في مجمع الحمراء التجاري الأحد الماضي، حيث تحضر بيئة الأحساء وطبيعتها بقوة في العمل الفني للمصور، ويعمل على تحويل هذا الواقع الذي قد ينظر إليه على أنه كئيب وتالف وتجب إزالته، يحوله المصور إلى عمل فني جميل، فالمصور الفوتوغرافي يدعونا إلى إعادة النظر مرة أخرى فيما حولنا، وإعادة الحكم على جغرافية وطبيعة الأحساء، وأن ما هو موجود ليس مجرد تراث ينبغي التخلص منه أو البكاء عليه، بل هو مادة فنية في جوهرها، ويمكن أن تكون مادة إبداعية، وهي بالتالي تشكّل هوية المكان المادية ذات قيمة فنية حيوية نحن بحاجة إلى أن تبقى معنا، لأنها تحمل خصوصية للمكان، بينما البناء الحديث لم يستطع أن يحمل أي دلالة للمكان أو تعريف به أو هوية معينة، بل هو بناء متشابه ومكرر تراه في أكثر من مدينة، ولكن الصورة الجميلة للواقع التي نراها في معرضي زكي غواص ومحمد المهنا نراها مؤطرة في عمل فني التقطت بعناية وبدراسة كما نرى في الباب القديم و البيوت الطينية والقفل الحديد الذي يعلوه الصدأ والنخلة المنحنية وما إلى ذلك كلها صور مازالت قائمة ولكن في الهامش وليست مرئية اليوم، ولكن المصور يكتشفها بكاميرته ويقدمها في إطار فني ليهمس لنا أن هذه الجماليات هي في الأحساء، ولذا ينبغي على الفنان أن يحمل في داخله الشعور الذاتي بأن الواقع جميل، كي يقيم مع هذا الواقع علاقة تنتج من خلالها أعمالا فنية، ولكن المكان في الأحساء أو ما تعتمد عليه الصورة الضوئية هي موضوعات محددة وأصبحت متكررة لدى أكثر من مصور، وصارت هذه الأمكنة في حالة سكون، توقفت عند نقطة معينة، ولذا يحاول محمد المهنا في أول معرض شخصي له أن يخرج من هذا الإطار، وأن يكتشف مناطق أخرى جديرة بالتصوير، أو إضافة مهارته على المشهد كما في تصوير الشجرة اليابسة في العراء أو تصوير وردة صفراء على أرض جافة أو بروتريه للأطفال أو نقطة ماء على الريش، وننتظر منه الكثير من الإبداع في المستقبل، أما زكي غواص الذي استطاع أن يفاجئ أصدقاءه المصورين والمهتمين بالتصوير أو الفنانين التشكيليين، بأن يصور الواقع برؤيته ليضيف إلى هذا الواقع جماليات خاصة، معتمداً على التغيير والإضافة والتحريك للمشهد، ليسبغ على لوحاته بعدا فنيا يتسم بالعفوية والدقة،مما يجعل أعماله صعبة التقليد فهي تحمل طابع وخصوصية زكي، ولم يتوقف عند تصوير الواقع بل أخذ يجرّب في التجريد الضوئي ورسم لوحة ضوئية معتمدا بذلك على تقنيات الكاميرا وعلى إحساسه في تعامله مع اللون والشكل، وذلك ليس غريبا على زكي فهو صاحب خبرة في الحاسب الآلي وفي تصميم المواقع الإلكترونية وقد صمم موقعا خاصا له منذ 3 سنوات عنوانه www.zakiphoto.com ، وهو رغم حداثة سنه ( 23 ) عاما إلا أن عمله الجاد والدؤوب أكسبه مقدرة وخبرة وأهّلته أن يتفوق على أقرانه ويفاجئهم بعمله، بقي أن نشيد بإصرار محمد المهنا وزكي غواص في إقامة معرضين لهما بجهودهما الذاتية وبالتعاون مع بعض الشركات والمؤسسات التجارية في طبع الكتيب وعمل الدعاية والإعلان للمعرض، ونتمنى من زملائهما الفنانين ألا ينتظروا الفرصة لإقامة معرض تأتي إليهم وتطرق أبوابهم، لأنهم سيملون الانتظار ولكن يأتي ذلك اليوم، فالواقع أن الفنان يواجه صعوبات عدة في الوصول بأعماله وعرضها على الآخرين، وأولى هذه الصعوبات تجاهل المؤسسات الثقافية لهذه الطاقات الفنية، وعدم الوقوف معها في إقامة معارض فنية بشكل مستمر. من اعمال ابراهيم شاكر في الاطار زكي غواص أعمال غواص