يولد الفنان وهو يتلمس الحياة من حوله بطبيعتها وجمالياتها وتفاصيلها، وتترك بصمتها في عينه وقلبه، فينشأ متشبعا بجوها وأجوائها ومن حيث لا يدري تلتقط عينه الثالثة ما يذكره عن طفولته، ويعبر عن صباه وعشق شبابه؛ ويعكس تلك البيئة بأبعد ما يراه الناظر، فابن الجبل له تركيبته الفطرية التي تختلف عن ابن السهل، وابن الصحراء له أفقه الرحب الذي يميزه عن ابن المدينة.. وكلٌ أثّر وتأثّر ببيئته، ومملكتنا الغنية بكل ما وهبها الله تنتظر وفاء الأبناء؛ فكيف انعكست مملكتنا على أعمال المصورين السعوديين.. وماذا قدم لها الأوفياء؟.. تركنا المساحة لبعض الفنانين ليرسموها ضوءاً وحرفا: بداية يقول مجدي مكين من جازان: على الرغم من صغر مساحة جازان إلا أنها غنية بالتنوع الجغرافي، حيث تضم أرخبيلا كبيرا من الجزر التي تتميز برمالها البيضاء ومائها الصافي وطبيعتها البكر، أكبرها جزيرة فرسان التي تحتضن قرية القصار، وهي قرية صغيرة يحيط بها النخيل لتبدو واحة خضراء، وهذه القرية تخلو من السكان تماما حيث تعتبر جنة فوتوغرافية غنية بالمواضيع المتميزة. يسترسل مكين في وصفه ويضيف: شواطئ جازان جميلة متنوعة ويحتوي بعضها على كثبان رملية وكذلك السهول التي تكتظ بالقرى والأودية التي تعد من أكثر المناطق غنىً بالطيور المختلفة بسبب تنوع الأشجار والأزهار، التي تجتذبها وهي بمثابة محطة واستراحة للطيور المهاجرة في الشتاء، ومع الاقتراب من سفوح الجبال نجد مناطق ساحرة تتميز بندرتها مثل وادي لجب وهو عبارة عن ممر ضيق بين جبلين مرتفعين بشكل مستقيم ينتهي بمساقط مائية وتشكيلات صخرية جميلة وأشجار معلقة، وأيضا وادي الداير الذي يتميز بأشجار اللبخ المعمرة ذات الجذوع الضخمة، وفي قمم الجبال تتربع فيفا بتشكيلات سحبها الساحرة وطبيعتها الخضراء كمقصد للمصورين عشاق الطبيعة بجازان كونها تستحق التوثيق الفوتوغرافي. وعن ملامح جازان الثقافية الفنية يقول: تتميز مبانيها بفن العمارة القديم لما تضم من أثار قديمة، كما تتنوع فيها الألعاب والأسواق الشعبية التي تمنح مصوري البورترية كما كبيرا وجميلا ومتنوعا من البورتريهات النادرة. وهناك عدد من المهرجانات التي تقام فيها أشهرها مهرجان الحريد في فرسان، الذي يتزامن مع خروج نوع من السمك على الشاطئ في أيام معينة في السنة يندفع الناس لاصطياده بالشباك والأيدي، ما يجعل إقبال المصورين كبيرا في هذا المهرجان، ليس من داخل المملكة فحسب، بل حتى من خارجها، وكذلك مهرجان المانجو ومهرجان الشتاء الأقل حظا من إقبال المصورين. وعن تأثره بالبيئة يقول: وجدت نفسي مع كل هذا التنوع الجغرافي والثقافي أفتن بهذه الطبيعة التي وهبها لنا المولى عز وجل، وأثري مكتبتي الفوتوغرافية بكم كبير، غير أن أكثر ما يشدني هو البورتريهات والسيلويت أيضا، ويسحرني كل جديد، فعلى الرغم من اهتمامي ببيئتي إلا أن حضارات الدول الأخرى تفتن عين الفوتوغرافي فتقتنص منها زوايا مميزة. يختم حديثه قائلا: أرى أن التصوير في منطقتي لم يأخذ حقه كبقية المناطق ولكن بعد تأسيس جماعة جازان للتصوير الفوتوغرافي بدأنا نشهد نهضة جماعية جادة ولله الحمد. ويقول رشيد صالح البغيق من حائل: تتميز حائل بطبيعة صحراوية جبلية زراعية، وتزخر بكثير من المناطق المحببة للمصورين بروعة النفود ورمالها الحمراء المميزة مع جبالها الشامخة، وهناك مناطق وعرة داخل جبال أجاء فيها أماكن خلابة للتصوير، فالماء والخضرة موجودان فيها طوال العام، ما جعلها مقصدا للمصورين عشاق الطبيعة، وعشاق الصيد، وعشاق البر، خاصة خلال فصل الربيع، سيما وان حائل لها مذاق مميز في هذه الفترة. وعن ملامح حائل يقول: أكثر ما يميزها هو مبانيها الطينية والمعالم الزاخرة بالكثير من الروايات التاريخية التي لا حصر لها، وهي أكثر ما أحب تصويره لما لها من مكانة خاصة في قلبي. ويؤكد أهمية المهرجانات ودورها ويقول: هناك فعاليات تحفزك على التنوع في التصوير مثل رالي حائل ومهرجان الصحراء وغيرهما من المهرجانات التي أصبحت تلعب دورا ملموسا في حياة المصور الذي يفتقد للبيئة المحفزة للتصوير؛ بسبب عدم الوعي بثقافة الصورة، وفي رأيي نحن شعب يحب الاستماع للقصائد والمحاورات أكثر من مشاهدة الصور الفوتوغرافية. وعن مستوى التصوير يضيف: مستوى التصوير بدأ يتطور كثيراً عما كان في الماضي؛ بسبب ظهور المجموعات الفوتوغرافية، ومنها مجموعة حائل التي تقدم خدماتها للمصورين، وأتوقع إقبالا كبيرا للتصوير مستقبلا بإذن الله. وعن تأثره ببيئته يقول: طبيعة حائل تجبرك على تصوير اللاندسكيب، وأعتقد أنني قدمت ما يشفع لي عند مدينتي الغالية، ولدي أرشيف غني ولله الحمد وان كنت أعتبر نفسي مقلا في النشر؛ بسبب عدم وجود بيئة خصبة للنشر؛ ماعدا صور قليلة أشارك بها في المعارض التي تقيمها مجموعة حائل، سواء في فعاليات حائل أو الجنادرية. ويختم حديثه قائلا: رغم حبي للسفر ولدي أعمال لدول كثيرة إلا أن أعمالي تعكس بيئتي أكثر. ويحدثنا علي عبد الهادي المحسن عن طبيعة القطيف ويقول: القطيف منطقة ساحلية زراعية، تطل على الخليج العربي وللبحر النصيب الأكبر من تراثها، خاصة جزيرتي تاروت ودارين، حيث صيد الأسماك وصناعة القوارب واستخراج اللؤلؤ وتصديره، أما الزراعة فكانت أحدى أكبر مصادر الرزق بسبب وجود العيون الطبيعية قديما، حيث كانت المنطقة خضراء بالكامل، وكان غالبية السكان يعيشون وسط المزارع. وتاريخ القطيف ضارب في القدم بسبب تعاقب حضارات قديمة تعود لآلاف السنين، كالعمالقة، والساسانية، والبرتغالية، وغيرها وتركت أثرها وآثارها التي مازالت مدفونة تحت الأرض. ويصف لنا انعكاس تلك البيئة على فنه ويضيف: أكثر الملامح التي أعتني بها كإنسان قبل أن أكون مصورا هي الزراعة والتراث ثم البحر وما يحزنني أن الزراعة بدأت تندثر وبدأت المساحات الخضراء في التراجع بسبب تجريف النخيل والمناطق الزراعية، أما التراث فأصبح مهملا لاندثار غالبية هذه الآثار فيما تم هدم بعضها، ولم يتبق إلا القليل، واهتمامي الأكبر منصب على توثيق ما تبقى من حضارة منطقتي كالتراث والزراعة والبحر، لما تحمله من قيمة كبيرة في نفسي، سواء في الحياة العامة، أو ما يعنى بالتراث والثقافة، وأحتفظ بكثير من الصور في أرشيفي الخاص، ولم أعرض منها إلا القليل جدا، ومازلت أطمح لتحقيق هذا الحلم رغم، وجود كثير من المعوقات. وعن دور المهرجانات يؤكد المحسن من واقع تجربته: المهرجانات غالبا ما تكون محركا ثقافيا تنمويا، يساهم بشكل كبير في إبراز ونقل الحركة الثقافية بمختلف أنواعها، لجميع طبقات المجتمع من مختلف الأعمار، وإقبال المصورين عليها كبير وملحوظ. وعن تقويمه للتصوير في القطيف يقول: بدأ الاهتمام بالتصوير في أواخر الخمسينات، بعدسات المصورين الأجانب، خاصة القادمين للعمل في شركة أرامكو وغيرها، لذلك يعتبر مستوى التصوير جيدا إلى حد ما، خصوصا مع انعدام الجهات الأكاديمية التي تعنى بالتعليم والتدريب، ولا نجد جهة رسمية سوى المعهد المهني الذي يعتني بالجانب المهني، (تصوير الاستديو) وحده، فيما اهتمامه في توثيق البيئة والحياة العامة والثقافية والفنية يكاد يكون معدوما. رشيد البغيق «ربوع حائل» ويختم حديثه قائلا: في الوقت الحالي لدي أرشيف ضخم لكنه يخدم (منطقتي) بالدرجة الأولى، أما وطني ككل فأرشيفي ضحل، لكني أسعى إلى وضع خطة بهذا الشأن، وأظن أن كل مصور يطمح لتوثيق مختلف المناطق باختلاف عاداتها وتقاليدها. ويتغزل خالد بن عبدالباقي البدنة في محبوبته الأحساء ويقول: حبا الله الأحساء طبيعة ثرة، تسلب الألباب وبحكم اتساع مساحتها التي تمتد من الخليج العربي حتى الربع الخالي، جمعت بين البيئة الصحراوية والساحلية والجبلية والزراعية، ومن أشهر معالمها الطبيعية جبل القارة بكهوفه العجيبة وعيونها الشهيرة التي جف جزء كثير منها، ليس هذا فحسب بل وهي واحة غنية بالنخيل والزراعة، وجميعنا يعرف تمور الأحساء، وجودة محاصيلها الزراعية، إضافة إلى هجرة العديد من الطيور إليها، وبعض الحيوانات، كما أن وجود الطراز المعماري الأحسائي المميز بمفردات العمارة كالأقواس والزخارف الأحسائية المميزة، يجعل الأحساء بيئة خصبة للمصورين بمواضيعها المتعددة، وأنا وكأي فنان أحسائي لا يخلو نتاجي من إلهام الأحساء، وعبق عطرها الفواح، فضلا عن أنها ملتقى الثقافات حيث كانت محطة توقف القوافل قاصدي البيت الحرام أو التجارة أو طلب العلم، فكانت سوقا تجاريا وعلميا وأدبيا عرف بسوق (المشقر) الشهير. أما عن ملامح الأحساء فيقول البدنة: ملامح الأحساء عديدة متنوعة، كما هو حال بيئتها فأبناء البادية لهم تراثهم وتقاليدهم وعاداتهم، وكذلك حضر الأحساء وقراها كل له ملامحه التي تميزه من غيره، وغالبية مصوري الأحساء وزوارها يحرصون على توثيق هذا التباين الجميل، فهي كنز لعين المصور الفنان الذي يجيد التقاط الصورة. وحول تأثير تلك البيئة على فنه يقول: انعكست بيئتي على أعمالي من خلال التقاطي لمفردات البيئة كالنخلة والصحاري والشواطئ والقلاع والحصون الأثرية والمهن اليدوية؛ ومؤخرا بت أحرص على الأعمال والأدوات التراثية والمعمارية التي تبرز جماليات المعمار الأحسائي العريق قبل أن تمتد إليه يد الترميم والصيانة الحديثة، التي لا تراعي أحيانا إعادتها إلى هيئتها القديمة، كذلك طبيعة الأحساء الخلابة بنخيلها وكثبانها الرملية وتكويناتها الصخرية وشواطئها الحالمة الهادئة، ولم أنس الحياة اليومية فلها نصيب من أعمالي. وعن تأثير المهرجانات على التصوير يقول: الأحساء وكغيرها من مدن ومحافظات المملكة لا تجد مهرجانا أو فعالية إلا وتجد للصورة مكانها البارز كما تجد إقبال الجمهور على تلك الأعمال. ومستوى التصوير في الأحساء ولله الحمد في تزايد مضطرد، وما يحققه الفنان الأحسائي في المسابقات والمعارض والمشاركات خير شاهد على ذلك، فظهور التصوير الضوئي في الأحساء قديم جداً، ولن أبالغ إن قلت إن الأحساء ربما تكون من أوائل المدن التي عرفت التصوير، ومن خلال أحد أبنائها، كمصور فوتوغرافي، فالجمال والفنون التي أعتاد الفنان الأحسائي على رؤيتها ساعدت كثيراً في أن تكون له بصمته المتميزة. ويختم حديثه قائلا: بكل فخر أقول إن جل أعمالي تعكس بيئتي ووطني، وهناك جزء من أعمالي من البيئات الخليجية، بحكم القرب الجغرافي والاجتماعي، ولتشابه العادات والتقاليد التي تجمعنا. معين الهويدي الشريف «رقصة الحب من جازان»