لأننا نحب الولد العاقل الذي لا يرفع إصبعا ولا تخرج منه غير كلمة (حاضر) و( إن شاء الله) يلزم وضعية الحجر في حضور الآخرين , يتنازل ويذوب في ثيابهم يستعير , وهو الصغير ملابسهم , فلا عجب أن تعثر بها وزلت به القدم , لم يختبر الاشياء بنفسه . ليعرف , حقا , مقدار الصحة وكمية الخطأ فيما ينفثونه على مسمعيه , ويجبرونه , على التقبل والتنفيذ , لأنهم يخافون عليه من تيارات الهواء المتقلبة , ولا يريدون له التعب , بل ليأخذ كل شيء جاهزا , ومقشرا حتى قطعة القصدير الخفيفة يقومون هم بفكها , حتى هذا الجهد الناعم اللين , نعفيه من القيام به ونحسبه عناء يحسن بنا , نحن الكبار , ان نخلصه ونعطيه كل شيء (باردة مبردة) كما يقول المثل الخليجي , ويعلم الله أن هذا الولد لا يريدها هذه ( الباردة المبردة). لأننا نحب هذا الولد .. لأننا نضج بالضيق وننضح بالعصبية من الولد المشاكس المتحرك إصبعه تطلب السؤال وفمه يرغب في الحيدث والتعليق , يشعر الآخرين انه موجود ويريد ان يشاركهم ويعرب عن ذاته , هذا الولد ( الملقوف) الذي يحتاج الى أكثر من حجر حتى يسكت ويلزم ظله فيما الكبار يسيرون شئون الحياة بمعزل عن هذا الولد الذي ما يزال صغيرا عن حكمة الحياة , وينبغي أن يأخذها من أفواه من شيختهم التجارب وعجمت اعوادهم تصاريف الحياة. لأننا نضيق بهذا الولد.. لأننا نحب ذلك الولد .. لأننا نرفع عقيرة العصبية من ذلك الولد .. لأننا على هذه الشاكلة العرجاء من التربية القاصرة المعنية بصنع القوالب الخارجية طبقا لما نحن عليه واستجابة لرغباتنا وما نريد في الصورة التي نظنها حسنة وصحيحة بغض النظر عن فيض التغيرات التي يأتي بها ظرف المكان وظرف الزمان , وما يفرضه هذا من ان (الولد) ينبغي له أن يكون في الصورة الجديدة المستجيبة للتحولات الظرفية , ليكون ذاته التي يريد .. الذات المفترضة في واقع محكوم بصيرورة مغايرة لما عليه الآباء وصورهم الطاعنة في الشيخوخة والقعود عن حركة الحياة بما هي نهر جار لا يأسن ولا يحتفظ بالطحالب ولا بالأوشاب .. الصور التي تريد ان تعترض مجرى النهر وتحدده وتحوله بكيفيات عفا عليها الزمن وباتت نسيا منسيا , او في الأقل ما عادت تعمل الا بصورة متحفية قد تثير الشجن والتحسر , لكن عندما تريد ان تكون الفيصل والمهيمن , في وضعيات متغيرة , يصبح , وقتها الشجن والتحسر واقعا في حياة (الولد). لأننا على هذه الشاكلة العرجاء في التربية ... لأننا ... لأننا .. لأننا .. يفرط منا ( الولد) ونفرك كف الحسرة على جيل يضيع .. وحتى الآن نتساءل ونبحث عن السبب في الخارج .. وهو ثاو في نفوسنا يخرب مصير (الجيل) كل يوم!!