اصبحت محافظة الخرج منذ ان تولى زمام ادارتها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز من المناطق ذات التأهيل السياحي المناسب لاكتمال القدرات الحضارية فيها من صناعة وتجارة وقاعدة سكانية تتناسب مع ما فيها من مقدرات متعددة. ولعل الخطط والبرامج السياحية التي انتهجتها محافظة الخرج في الآونة الاخيرة من الشواهد الحضارية الدالة على اهتمام سموه الكريم لرفع مستوى اساليب التنمية المعتمدة على جوانب التخطيط والتنظيم, والاستفادة من المقدرات بدعم حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وسمو أمير منطقة الرياض, وهي القاعدة التي ينطلق منها النهج الحضاري للمملكة العربية السعودية. وبهذا الصدد تناولت (اليوم) ابرز معالم الخرج التاريخية والتراثية والسياحية من الكتاب الذي صدر من المحافظة بعنوان (دليل مهرجان الخرج). لمحة تاريخية تقع محافظة الخرج شمال خط الاستواء الى الجنوب الغربي من الرياض ويحدها شمالا جبال المغرة وجبل الجبيل وبرق ام الشعال وجبال نساح الشمالية ومدافع الترابي وظهر النمش ومن الشرق الدهناء وغربا جبال طويق وجنوبا البياض وتلال شعاري (ربع المحسن) وتبلغ مساحتها عشرة آلاف كيلو متر مربع. وتشتمل محافظة الخرج على عدد من القرى والهجر فهي تشمل كلا من: السيح واليمامة والسلمية والوسيطي والحريدي والمنفيفية والنايفية ومقبولة والعمور والبدع وفرزان والرفاع والرفائع والفيحاء وحلة القطار والبرة والروضة جهة الشمال, ومن جهة الشرق السهباء وريع الشديدة والثليماء ومن جهة الغرب الهياثم والضبيعة والحزم والبطينة ونعجان والعين ومن جهة الجنوب الغربي الدلم وتشمل المحمدي وزميقة والعذار وماوان والخبي والعقيمي والرغيب وخفس ودغرة. وكانت تسمى جو الخضرمة وقد سكنتها جديس القرن الخامس من الميلاد وفيها عاشت زرقاء اليمامة المشهورة في كتب التاريخ بحدة بعرها ثم سكنها الحنفيون قبل الاسلام بما يقارب القرنين واتخذوها قاعدة لهم ثم حكمها الحفصيون حتى نهاية العهد العباسي الذي بنهايته استطاع الاخيضرون حكمها اثر الضعف الذي حدث للدولة الاسلامية. ويعد نموها وتقدمها اليوم كاحدى حواضر المملكة العربية السعودية امتدادا لمراحل التطور في ظل الحكم السعودي الزاهر. السياحة أدت معالم الخرج السياحية دورا في جعلها ميدانا يرتاده مبتغي الراحة والاستجمام منذ ان بسط الامن ذيوله على المنطقة, فقصر الملك عبدالعزيز الذي يقف كاحد المعالم الاثرية فيها هو نواة للسياحة الحديثة في المنطقة فقد جعل الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - من الخرج احدى مناطق الاستجمام والراحة الشخصية له فموجوداتها شكلت ارضية مناسبة لم تغب عن ذهنه - رحمه الله - منذ ذلك التاريخ فارضها الزراعية الخصبة ومياه عيونها دفعت الدولة الى استغلالها, فانشأت مشاريع جبارة في ذلك كمشروع الخرج الزراعي في السهباء ومشروع الحكومة في خفس دغرة ومجرى مياه فرزان ومنطقة العيون.. وغيرها من المعالم التي اسهمت في جعلها مؤهلة لذلك الميدان اضافة الى طبيعتها الجغرافية وقربها من مدينة الرياض. حيث كان سكان العاصمة الرياض يزحفون في وقت الاجازة للاستجمام في الخرج، ومع التطور أخذت المشاريع الزراعية الصغيرة تمتد في مناطقها الشاسعة حتى اصبحت موردا رئيسا للخرج وملاذا لمالكيها وقت الراحة. في العصر الحديث بدأت تأخذ الخرج بمفاهيم السياحة الحديثة فاصبحت اكبر ميدان حيث يلجأ سكان العاصمة احيانا الى سوقها محققة هدف الاستجمام والتسوق. كما ان مشتلها الذي يعد من الاوائل في المملكة دفع الكثير من المواطنين في المنطقة والعاصمة الى التسابق حيث الخضرة والجو اضافة الى المياه الوفيرة التي تتغذى بها المشاريع الزراعية. اما الرمال المحيطة بها فقد عانقت ارضها الصفراء وشكلت لوحة جميلة يرتادها هواة الرمال والرياضة الصحراوية، وقد اسهمت البلديات في توفير الخدمات بالقرب من هذه الرمال من مياه وطرق مناسبة لبيئة هذه الرمال. اليوم تغيرت معالم المدن السعودية واضحى التطور سمتها والنمو ديدنها بفضل جهود القائمين عليها. العلم والعلماء ترتبط مظاهر العلم والتعليم بالاستمرار الحضري والامن وتحظى حواضر التعليم بالاهتمام من قبل الحكم ومنطقة الخرج قد تهيأت لها عناصر الاستقرار الحضري منذ القدم وقد برز فيها علماء كان لهم الدور الكبير في دعم مظاهر الاستقرار, واقتصر التعليم في العهود السابقة على علوم الدين, وبعد تطور اساليب التعليم مضمونا وموضوعا بدأت المنطقة تهتم ببعض حواضر نجد في ذلك الوقت. ومن ابرز من حمل راية التعليم الحديث في منطقة الخرج سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز المفتى العام للمملكة العربية السعودية - رحمه الله. الزراعة لقد كانت الخرج احد مصادر الانتاج الزراعي لخصوبة ارضها ووفرة مياهها منذ القدم وتتحدث كتب التراث عن انها كانت احد موارد الحرمين الشريفين الزراعية. حيث اخذ الجانب الزراعي ينمو شيئا فشيئا واستمرت اساليب الزراعة القديمة واتسع نطاق الحيازات الصغيرة بالقدر الذي يتناسب مع الوضع الاقتصادي الا ان الملك عبدالعزيز رأى في هذه المنطقة بيئة مناسبة للاستفادة منها زراعيا، فأدخل التقنية الحديثة لها خاصة بعد ان توافرت المصادر المادية، فجلبت آلات رفع المياه منذ وقت مبكر، ودعم المزارعين وطرح لهم نموذجا حديثا للزراعة من خلال مزارع الحكومة ومشروعها الزراعي وامر بتحسين قنوات المياه الى هذه المشروعات ووفر لها الآلات لرفع المياه الحديثة مما دفع اهلها الى مجاراة هذه الفكرة بدعم الدولة. أما في العصر الحاضر فقد اسهمت زيادة دخل الدولة في تغيير الخريطة الزراعية في المملكة العربية السعودية فبعد ان كان مشروع الخرج الزراعي التابع للحكومة هو الوحيد اشغلت بقية المناطق الصالحة للزراعة في المنطقة بمشاريع زراعية كبيرة ووفرت الكثير من المنتجات الزراعية للمملكة، بل صدر الفائض من الانتاج الى خارج المملكة وقد وصلت نسبة الزيادة الى 30% عام 1415ه عن العام الذي قبله، وبلغ عدد الآبار في المنطقة اكثر من 15 الف بئر في مختلف المناطق الزراعية تخدم اكثر من سبعة انواع من المشاريع هي: * مشاريع الدواجن. * مشاريع الألبان. * مشاريع القمح والأعلاف. * زراعة النخيل. هذا بالاضافة الى مشاريع تربية الاسماك والمناحل وغيرها من المزارع الصغيرة التي تنتج الفاكهة وبكميات متفاوته سنويا وزنا ونوعا. الصناعة ان أول نواة للتصنيع الحديث في محافظة الخرج مشروع المؤسسة العامة للصناعات الحربية الذي وجه بإنشائه جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تحت اسم المصانع الحربية بالخرج. كما انشىء المعهد الثانوي الصناعي كأحد مرافق المؤسسة وقد سبق ذلك المعهد مركز للتدريب الصناعي ضمن انجازات الخطة الخمسية للمملكة التي انتهجتها للتنمية في شتى المجالات. اما الصناعات الاخرى فقد استطاع مواطن المنطقة ان يسعى الى تحقيق اهداف الدولة مستفيدا من كافة الامكانات والقروض والتسهيلات التي وضعتها الدولة لدعم هذه المصانع المتنوعة والمتعددة من حيث القدرة الانتاجية وعناصر تكوينها وذلك حسب قدرة رأس المال. لذا تعددت هذه الصناعات اما بشكل تحويلي من مواد خام مستوردة واما من مواد محلية فهناك: * مصانع البلاستيك. * صناعة الحديد وتحويله الى اشكال تخدم اغراض الاستخدام. * تكرير المياه وتحليتها. * الصناعة الغذائية. اضافة الى ورش السيارات وورش صيانة الآلات الزراعية وغيرها. الإمارة منذ ان انضمت الخرج الى عقد الدولة السعودية الثالثة كان هاجس التنظيم الاداري الذي وضع أسسه الملك عبدالعزيز نموذجا ارتبط بالمفاهيم الوطنية، ومن اهم ملامحه ان أقر الامراء في البلدان والقضاة على مناصبهم وهذا مما يدل على تقديره لذلك العنصر الذي انضم الى الملك عبدالعزيز طوعا وبترحيب ليواصلوا مسيرة البناء والاستقرار ويدعموا نهج التوحيد الذي حمل رايته الملك عبدالعزيز. وبعد بدء البناء للخرج كلف احد قادته العسكريين ومن شاركوه مسيرة التوحيد أميرا على الخرج بعد ان وضع الخطة الرئيسية لتطويرها وجاءت ثقته في ذلك القائد العسكري انطلاقا من ادراكه لخبراته في ادارة المنطقة وقدرته على التكيف مع عناصر التحضر, فكان نصيب الخرج التي اراد الملك عبدالعزيز ان تكون السيح مركز ثقلها الحضاري فاختار لها - طيب الله ثراه - ابراهيم بن عبدالرحمن النشمي حيث تولى عدة مناصب في المدينةالمنورة ثم مكةالمكرمة ثم الجوف وتربة ونجران التي استمر بها أميرا عشر سنوات بعد ذلك تولى امارة الخرج عبدالله بن زواد من عام 1363 - 1368ه وتعد هذه المرحلة بالنسبة للخرج من اهم مراحل التطوير وذلك لأنه تزامن مع تدفق البترول وزيادة موارد الدولة. وفي الفترة من 1368ه - 1373 تولى الإمارة في الخرج عبدالعزيز الشنيفي الذي كانت له خبرة سابقة حيث كان أحد المشاركين في الادارة واحد العاملين في مراكز الامارات شمال المملكة وكان لتجربته الادارية دور في استكمال الدور الاداري لمن سبقه وشهدت نهاية فترة امارة عبدالعزيز الشنيفي مرض الملك عبدالعزيز ووفاته. ثم تولى الامارة في الفترة من 1373ه حتى 1385ه, في الخرج ولمدة اثنتي عشرة سنة عبدالله بن جريد وتعد هذه الفترة من اطول الفترات لادارة المنطقة حيث تزامنت مع تطبيق التنظيم الاداري للمقاطعات والامارات الذي اقر من وزارة الداخلية. اما سعد بن محمد بن مقرن فقد تولى امارة منطقة الخرج من 1385ه حتى 1390ه وهو من الجيل المخضرم وقد عمل في المنطقة الشرقية فترة اهلته لأن يكون من الامراء الذين استطاعوا بخبرتهم وقدرتهم ان تستفيد المنطقة من خبرته وحرصه على ان يكون تقدم المنطقة مدروسا بعد ان استكملت في تلك الفترة أسس التنظيم الاداري في المملكة وخلال الفترة من 1390ه وحتى 1396ه تولى الامارة في المنطقة فهد بن سعود بن سويلم ثم محمد بن عبدالله السديري ثم حمود بن عبدالرحمن عبدالله الشبيب ثم خالد بن احمد السديري بعد ذلك شرقت الشمس بتولي صاحب السمو الملكي الامير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود امارة الخرج بعد ان حقق لمحافظة الدرعية الكثير من الانجازات وللوطن عموما. واليوم اصبحت الخرج بفضل جهود سموه درة حضارية تنظر بعين واعية لمفاهيم التطور والنمو والتفوق والحضارة. الآثار التاريخية دلت الأبحاث الأثرية ان الخرج احيطت منذ العصر الحجري الحديث بمستوطنات في بداية الألف السادس قبل ميلاد المسيح كما دلت على ذلك الرسوم الحجرية والمداخن الركامية والمصاطب الحجرية والاحواض وغيرها, ففي الجزء الغربي من مركز المدينة تطل على عيون الخرج مدافن أثرية بلغ عددها 5000 مدفن تشبه الرجوم الحجرية وتمتد حوالي 5 كيلو مترات تغطى بكتل حجرية كبيرة من الجير وعثر على كسر عظام وفخار وجزء من سوار معدني وقاعدة مبخرة مزخرفة وجنوب هذا الموقع عثر على اساسات جدران على هيئة كتل من الطين عبارة عن ابنية متناثرة فوق المنحدر الجبلي تعود الى فترة الممالك العربية القديمة الى ما بعد 100 قبل الميلاد. المعالم الأثرية الحديثة يعد قصر الملك عبدالعزيز من اهم المعالم الذي يعد البعد المستهدف لبناء المدينة ومعلمها الاول في بداية نهضتها وتم بناؤه عام 1359ه, ويقع شمال شرق الخرج قصر ابو جفان الذي بني سنة 1366ه, ليكون مركزا لحماية موارد المياه واستراحة للحجاج وكانت ابوجفان محطة تجارية بين الاحساءوالخرج, وفي فرزان الموقع الأثري الحديث عدة مبان مبنية في فترة حكم الامام عبدالرحمن بن فيصل بنهاية الدولة السعودية الثانية، وفي عهد الملك عبدالعزيز حرص على العناية بفرزان وأقام مباني اضافية وامر بصيانتها واقام عليها اناسا متخصصين لصيانة مجرى عين فرزان وتنظيفه، اما السلمية فيوجد بها برمج كوت الجهل في الجهة الغربية ويبلغ ارتفاعه 28 مترا وهو على شكل مخروطي. اما الدلم فقد تهدمت من السيول عام 1211م وبنيت مرة اخرى جنوب موقعها القديم وهو الموقع الحالي في عهد الامام محمد بن سعود في عهد الدولة السعودية الاولى. وخرب سورها قبل عام 1319ه, عندها امر الملك عبدالعزيز ببنائه وهو يحيط بالمدينة من اربع جهات يبلغ سمكه من أعلى 70سم وارتفاعه 6 امتار وقاعدته مترا ونصف المتر وقد تم ترميم الجزء المتبقي من السور ولا يزال شاهدا على نموذج البناء الذي ينتشر في المنطقة. كما ان الهياثم مازالت بها آثار لقصر قديم في الجهة الجنوبيةالشرقية يسمى قصر سعود الكبير والى جانبه من الجنوب قصر يسمى قصر البجادي ولم يبق منها سوى جدران قليلة واضحة المعالم. مجسم جمالي مشاريع زراعية عملاقة