تعد محافظة الخرج بما فيها من آثار تاريخية وجهة مهمة للباحثين والمهتمين بتاريخ المملكة العربية السعودية ومسيرة المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - فالمحافظة منذ عهد الملك عبد العزيز حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - تحظى باهتمام ودعم ومتابعة ولاة الأمر وتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ومنذ أن تقلد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن ناصر بن عبد العزيز مهام إمارة الخرج والمحافظة تشهد تطوراً ملحوظاً في كافة القطاعات ومن الأمور التي تعتبر من مقومات السياحة في مملكتنا وتحتاج للنظر فيها والسعي لتحقيقها سياحة الآثار ومحافظة الخرج بحاجة لدعم الهيئة العليا للسياحة وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز فلسموه بصمات واضحة في تنشيط السياحة في مملكتنا الحبيبة. ومحافظة الخرج قديمة بحسب ما أشارت إليه المواد الأثرية حيث وجد فيها ما يدل على أنها سكنت منذ القدم ووجدت آثار هذا الاستقرار في أماكن متفرقة في محافظة الخرج تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد فكانت هذه البلاد مرتعاً وفيافي لطسم وجديس وهذه حضارة قديمة بادت حتى جاء الحنفيون إليها واستقروا فيها وكانت هذه البلاد تسمى (جو الخضارم) الخضرمة (253- 467ه). في هذه الجولة نعرج على عدد من الآثار التاريخية في بعض مدن المحافظة ومراكزها والتي تطرق لها الكثير من الباحثين والمهتمين بالآثار وتاريخ المملكة العربية السعودية وملحمة الوطن التي قاد مسيرتها المؤسس - رحمه الله - منها على سبيل المثال لا الحصر: السيح وهو اسم عريق أعاد سمو أمير الرياض التسمية به بعد أن ثارت موجة من الجدل بين المشتغلين بتاريخ المحافظة وهل تسمية الخرج تعني المدينة الصغيرة أم تعني المحافظة بمدنها وقراها فتركت تسمية السيح إلى أن حسم سموه الكريم الخلاف بإعادة تسمية المقر الرئيس للمحافظة بالسيح وهذا دليل على أن المحافظة تحظى باهتمام سموه الكريم ومتابعته لشؤونها وقد أخذت السيح المركز الرئيس لمحافظة الخرج النصيب الأكبر من الآثار والمواقع التاريخية المهمة أهمها: قصر الملك عبد العزيز: ويقع في مدخل مدينة الخرج (السيح) تم بناؤه سنة 1359ه بتصميم جميل وشكل يلفت نظر الزائر للسيح حيث يتكون من خمس وحدات متماثلة من حيث التصميم ومواد البناء وعدد الطوابق يبلغ طول الوحدة 30م وقد تم ترميم القصر مؤخراً فأصبح باهتمام ومتابعة سمو محافظ الخرج من أجمل القصور التاريخية التي تتوجه إليها الأنظار ويسعد مرتاديه بالنظر إليه وهذا القصر له ذكريات خالدة في نفوس أبناء الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - فكانوا يقيمون فيه أيام زيارة والدهم الملك عبد العزيز للخرج وقد تحدثت صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز في إحدى المناسبات التاريخية في الخرج عن القصر وذكرياتها فيه مع شقيقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبد العزيز فكان حديثاً جميلاً لا ينقصه إلا أن يدون في كتب التاريخ التي تعنى بآثار مملكتنا الحبيبة. عيون السيح: تتميز عيون السيح بمياهها الباردة خلال فصل الصيف والدافئة خلال الشتاء حيث توفر تلك العيون المائية أجواء جميلة يعشقها الناس بعد أن كانت مياه العيون تفيض وتسيح على وجه الأرض بكميات كبيرة وخصوصاً في الأودية التي تخترق مدينة السيح والتي اكتسبت هذا الاسم لجريان المياه فيها طوال العام يأتي إليها المتنزهون من الأماكن القريبة ويزورها عدد من سكان منطقة الرياض للتمتع بجريان المياه ولما تتمتع به المنطقة من وفرة في الإنتاج الزراعي وخصوبة أراضيها وعذوبة مياهها ولعل من أهم المشروعات الزراعية التي كانت تروى من مياه العيون مشروع الخرج الزراعي التاريخي الذي أمر بإنشائه الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - والذي يعد أول مشروع زراعي متكامل يقام في المملكة. وذكر الأديب عبد الله بن خميس عن العيون: (وهذه العيون كأنها بحيرات لا يدرك لها قعر ولا يغيض لها معين إذا توسطت الشمس كبد السماء وألقت أشعتها على هذه العيون الساجية، شاهدت تحت الماء منظراً عجيباً أنوف جبال بارزة إلى مغارات موحشة وسراديب مظلمة وعمق غير منتهٍ تتكسر أشعة الشمس دون مداه فسبحان من له الخلق والأمر)، ولكن الأمر الآن اختلف فنضبت المياه ولكن مكان مجرى المياه باقياً ويحتاج لأن يستثمر حتى لو كان بطرق صناعية بحيث يوكل أمر تشغيله لإحدى الشركات الوطنية بدل بقائه مهجوراً. المدافن الأثرية (المقابر الركامية): تقع في الجزء الغربي من مدينة السيح على طريق الدلم - السيح تطل على العيون يبلغ عددها قرابة (500) مدفن وقد حفر أحدها وعثر فيه على كسر صغيرة من الفخار وعظام وجزء من سوار معدني كما عثر على أساسات جدران على هيئة كتل من الطين عبارة عن أبنية متناثرة فوق المنحدر الجبلي كما وجد كسرة من مجرشة حجرية. قصر أبو جفان: يقع شمال الخرج ويبعد عن مدينة السيح (80 كيلو متراً) شرقاً، بني في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - سنة 1366ه كان الغرض من بنائه كي يكون استراحة للقادم من المنطقة الشرقية واستراحة لحجاج بيت الله الحرام. الهياثم في عام 1338ه وبعد أن استتب الأمن أشار الملك عبد العزيز - رحمة الله - على الشيخ فيصل بن حزام بن حشر شيخ قبيلة آل عاصم من قحطان - رحمه الله - باختيار منطقة الهياثم لتكون مقرا له ولجماعته ويذكر أن المنطقة الجنوبية من الهياثم منطقه مأهولة بالسكان منذ مدة طويلة ويوجد بها مسميات ما زالت تشهد بأسماء أصحابها وأسماء من سكنها مثل (الشيحية أو الشدية والبجادية والسمارية) وهذه أسماء أسر كانت قد استوطنت هذه المنطقة. ومن آثار الهياثم: نساح: في الجهة الشمالية به ممرات صاعدة إلى الجبال المرتفعة وعليه عدد من الرجوم الحجرية الدائرية وفي بطن الوادي أبنية حجرية مزالة، أهمها بناءان طويلان متوازيان بأحجار كبيرة الحجم ومن المرجح أن هذا الموقع يرجع إلى العصر الهيلنستي (فترة الممالك العربية القديمة). جنوب الهياثم: يوجد فيه أطلال أبنية طينية مهدمة ومحاطة بعدد من المزارع وتوجد داخل هذه الأطلال مجموعة قليلة من الفخار الإسلامي لونه أصفر وبعضه أحمر من الداخل وكسر زجاجية. القصور الكبيرة: بني في الجهة الجنوبيةالشرقية القصور الكبيرة يسمى قصر سعود الكبير وإلى جانبه من ناحية الجنوب قصر آخر يسمى قصر البجادي ولم يبق منه سوى جدران قليلة الارتفاع. المنيصف: يقع جنوب الهياثم على الطريق المتجه من الهياثم إلى الدلم وهو عبارة عن مزارع قديمة فيها آثار لقنوات مائية ومجموعة كبيرة من الفخار الإسلامي. السلمية : تعد السلمية - حاضنة أوقاف آل سعود في الخرج - من أقدم البلدان النجدية حباً ومناصرة وتأييداً للدولة السعودية المباركة منذ نشأتها على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - بل إن أهالي السلمية من الشغوفين بحب تاريخ الوطن ودعمهم لإثراء الحراك التاريخي في السلمية حيث سجل لهم العديد من المواقف المشهودة في الوقت الحاضر باستقبالهم للوفود المعنية بمتابعة الآثار وقت قدومهم للسلمية وتقديم واجب المساندة والكرم الذي عرفوا به. ومن أبرز آثار السلمية برج كوت الجهل يقع شرق بلدة السلمية الموجودة اليوم، وهو في الجهة الغربية من بقايا سور قصر السلمية في موقعها الأول حيث يبلغ ارتفاع هذا البرج (28 متراً) وهو مخروطي الشكل وقد عثر على قطع فخارية ضمن بناء البرج وكذلك عين فرزان ومجرى مائها وتقع هذه العين جنوب غرب السلمية وقد قال جون فيلبي عن السلمية عند زيارته لها سنة 1918م: (تقع بساتين نخيل السلمية في مستطيل غير منتظم يبلغ طوله ميلاً واحداً وعرضه نصف ذلك ويدخلها قناة الري من ركنها الجنوب الغربي حيث توجد البساتين الجيدة وكلها ملك للعائلة الحاكمة) ويروي فيلبي عن نيّة الإمام عبد الرحمن بن فيصل إعادة الازدهار القديم لأوقاف آل سعود في السلمية حيث قال: (لقد تولّى الإمام الأمر بنفسه منذ عهد قريب ويأمل أن يعيد للبساتين الملكية في السلمية ازدهارها القديم) وهذا ما قام به الأمير سلمان بن عبد العزيز حيث أمر بإعادة بناء عريش الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - ليكون متنزهاً يعيد للأذهان ما كانت تحظى به السلمية من مكانة في نفس المؤسس رحمه الله. اليمامة : يقع في الركن الشمالي الشرقي لبلدة اليمامة (البنة) وهو جزء من المستوطنة القديمة التي كانت توجد في هذا المكان قبل الإسلام، وقد وجد في الموقع مجموعة من الفخار المتنوع تدل على استيطان زمني يمتد من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الخامس الهجري كما عثر في الموقع على ثلاث قطع من العملة القديمة وعلى أدوات زينة مصنوعة من الفضة والبرونز كما تم العثور على مجموعة من كسر بيض النعام وفي هذا الموقع وجدت ثلاث فترات معمارية كل فترة لا علاقة لها بالفترة السابقة. الضبيعة ونعجان: يوجد فيها موقع أثري، بالإضافة إلى أن فيها جدران كثيرة بارتفاع متر ونصف المتر ووجد فيها ثلاث قطع أساور زجاجية، وقطعة نحاسية، وكسر فخار، وقطع زجاجية تعود إلى العصر الإسلامي، وفي نعجان من الآثار الموجودة إلى عهد قريب بئر مستطيلة الشكل يبلغ طولها 5 أمتار وعرضها 3 أمتار مطوية بالحجر الجيري الذي جلب إليها لعدم توفر هذا النوع من الحجر يبلغ طول القطعة الواحدة من هذه الأحجار30 سم وعرضها 20 سم وفي الناحية الغربية من نعجان يوجد برج مربع الشكل يبلغ ارتفاعه 7 أمتار. الدلم : هي عاصمة الخرج التاريخية شهدت معركة حامية الوطيس بين الملك عبد العزيز - رحمه الله - وابن رشيد - حسب ما ذكر الرواة ممن حضروا الواقعة - والتي انتهت بانتصار الملك عبد العزيز وأهالي الدلم فقامت العرضة النجدية في سوق الدلم الحالي وعلى كثرة الإحصاءات السكانية للدلم إلا أنه لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد السكان ويرجع السبب الرئيس من وجهة نظري إلى الازدياد السكاني السريع الذي تشهده الدلم التي تستحق في ظل النمو العمراني والسكاني والحضاري الذي تعيشه أن يطلق عليها مدينة بدل مركز ولعل من أبرز المواقع الأثرية في الدلم: - سور وبرج الدلم الذي تعرض في عهد الدولة السعودية الأولى - أيام حكم بن رشيد - إلى تخريب بعض أجزائه وتم ترميمه بأمر من الملك عبد العزيز - رحمه الله - بعد فتح الرياض عام 1319ه ومن الآثار الأخرى التي كانت محاطة بالأسوار العذار وزميقة وماوان. مستوطنة الخرج: وتقع شمال خفس دغرة بحوالي 15 كم بين خفس دغرة وزميقة من الجهة الشرقية ومساحته (250000) م2 وقد تم التقاط كسر فخارية متنوعة بعضها وجد عليه رسوم وزخرفة ويعتقد أنها تشبه موجودات العهد البيزنطي، كما وجد كسر فخارية متنوعة ترجع إلى العهد الإسلامي، تمثل بقايا منشأة ربما تكون قلعة أو حصنا لم يبق منه إلا أجزاء يسيرة، كما تم العثور على أعداد هائلة من الآبار القديمة في الموقع وحوله، وكذلك العثور على مجموعة فخارية كبيرة وقد كانت في السنوات الماضية مكان يرتاده البعض ولكن لعدم الالتفات له وتوفير وسائل الجذب والعناية به توقف الأهالي عن الذهاب إليه. ماوان : وتقع جنوب غرب الدلم ويوجد فيها بقايا قلاع وتحصينات منتشرة فوق السلاسل الجبلية الجنوبية والشمالية الموجودة في ماوان، وفي الجزء الشمالي من الموقع قلعة مدعمة بأبراج نصف دائرية وقد توفر في ماوان في ظل التسهيلات والخدمات التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين وسائل جذب لإقامة السكان خصوصاً وأنها أرض تصلح للزراعة مع توفر المياه والتي بعضها عذبة ولله الحمد.