من الأخبار الطريفة التي قرأتها قبل أيام ان سيدة إماراتية اتهمت رجلا من جنسية خليجية بسرقة (حظها) او الاستيلاء عليه. وبتعبير آخر يختلف عما ورد في الخبر: فان الرجل قد استولى على (فرصتها) في الفوز بالجائزة, بعد ان عبأ كوبون مسابقة يخصها باسمه, وذلك نظير شراء ذهب بمبلغ 13 ألف درهم. ويبدو ان الرجل قد فاز ب(فيلا) جديدة أنيقة. لذلك فقد تقدمت السيدة ببلاغ الى الشرطة لاعادة (حظها) المسروق او المستلب!! ولما قرأت هذا الخبر الطريف على احد الأصدقاء علق عليه قائلا: لو ان هذا الرجل قد سرق حظي, او استولى عليه لأعاده إليّ بعد أيام مطالبا بتعويض عن الأضرار التي قد تصيبه بعد استخدام الحظ المسروق ذلك ان صاحبنا هذا غالبا ما يسقط اسمه (سهوا) من قوائم الفرص الطيبة . والمفاجآت السارة, وأحسن تعبير عن حاله, قول كاتب هذه السطور: (وبكفي من السهام مئات "سقتها لليمين مالت شمالا" لم أصب من غدي ويومي وأمسي, من نصيب سوى نصيب الكسالى). وكثيرا ما كان ابناؤه يطلبون منه تشجيع الفريق الخصم خلال أية مباراة لكرة القدم لكي يفوز الفريق الذي يناصرونه, لاعتقادهم ان آباهم لا يشجع فريقا إلا انهزم. وكان شعاره دائما قول الشاعر: (ومن الحظ لو غسلت قميصي/ في حزيران صار شهرا مطيرا). مع ذلك فقد يكون صاحبنا واهما, وان بعض الوقائع والمصادفات قد ساهمت في تأكيد هذا الوهم. إلا انه ليس أول ولا آخر من ندب او نعي حظه, فقد سبقه الى ذلك كثير من الكتاب والشعراء ممن نظموا المراثي الحارة في حظوظهم الفاترة, حيث لم تكن الثقافة والكفاءة والتميز أوراقا رابحة دائما؟ فابن الرومي, مثلا, قد استبدل عبارة (الحب أعمى) بقوله (الحظ أعمى) وانه زورق يبحر بلا بوصلة, وقد يرسو في الميناء الخطأ. ويؤكد ابو تمام هذا المعنى فيقول: (والحظ يعطاه غير طالبه). ويحتاج بعضهم الى سيد مصاب بداء المفاصل, او أي سبب آخر غير وجيه لاحراز تقدم ما. فهذا ستاندل يقتبس في روايته (الأحمر والأسود) هذه العبارة الساخرة: (احرزت تقدما, لا لكفاءتي, بل لأن سيدي مصاب بداء المفاصل) ولعلنا لا نجانب الصواب اذا افترضنا ان داء المفاصل هنا يعني من بين ما يعنيه الظروف او الأوضاع الاجتماعية الشاذة التي تجعل النتائج لا تمت الى الأسباب, او بتعبير آخر: تجعل من الأسباب غير المنطقية عناصر في معادلة النجاح والتميز.وفي مثل تلك الأوضاع الاجتماعية الشاذة, وفي غياب مبدأ تكافؤ الفرص, قد يصبح المجتهد أحيانا عرضة للغمز واللمز والتندر, حيث الفهلوة هي العملة السائدة. كما يصبح التحايل على القوانين والالتفاف حول الأنظمة وسيلة بعضهم المفضلة للحصول على وضع استثنائي بطرق ملتوية. وقد تعلق تلك النتائج في نهاية المطاف, على مشجب الحظ. ان الاستيلاء على الحظ وفرص النجاح بتلك الطريقة يسير في دروب متعرجة, لكنها رغم تعرجها سهلة وتختصر المسافات. اما الاستيلاء على الواقع فانه يحتاج الى عقلية واقعية لا تترك الأمور للارتجال والمصادفة. عقلية لا يدفن صاحبها رأسه في الرمل على طريقة النعامة, ولا يسب الظلام دون ان يوقد شمعة, ولا يعلق كل اخفاق على الآخرين او على ظروف الطقس والمناخ, ولا يبحث عن وجبة مجانية. وعن هذه الوجبة المجانية التي يبحث عنها الشطار في كل زمان ومكان, سئل مزبد, وهو أحد الحمقى على عهدة ابن الجوزي: أيسرك يوما ان تكون هذه الجبة لك؟ قال: نعم وأضرب عشرين سوطا, قالوا: ولم تقول هذا؟ قال: لأنه لا يكون شيء إلا بشيء، وتلك نظرة واقعية للأمور، ترى انه ليس ثمة ما يسمى بالوجبة المجانية،وهي رمية من غير رام على أية حال، لكن مزيد وبالرغم من اقتناعه بانه (لا يكون شيء إلا بشيء) لا يوصد باب الاحتمالات الأخرى في الحصول على وجبة مجانية أحيانا, فقد سأل مزبد أحدهم قائلا: أيسرك ان تعطى ألف درهم وتسقط من فوق البيت؟ قال الرجل: لا. قال مزبد: وددت انها لي وأسقط من فوق الثريا. فقال له الرجل: ويلك فاذا سقطت مت. قال وما يدريك؟ لعلي سقطت في التبانين او على فرش زبيدة. والقارىء هنا بين خيارين: اما ان يقول ان الاستشهاد بأقوال الحمقى حماقة او ان يقول: خذوا الحكمة من أفواه الحمقى. لكن ما زالت في الذاكرة بقايا قصة للأطفال ذات علاقة بهذا الموضوع, وقصص الأطفال قد تحمل, رغم لغتها البسيطة وأسلوبها المباشر, بعض الدلالات والمعاني الكبيرة, وان لم نتمكن من استيعابها في مرحلة الطفولة. تتحدث القصة عن أخوين احدهما يدعى (شنطح) والآخر يدعى (بنطح) ويبدو ان حظ الأول, كما تقول القصة, يسير أمامه, اما حظ الثاني فيشبه حظوظ العلماء الذين قال عنهم الشاعر الحويزي: (تمشي حظوظ الورى أمامهم وحظهم قد مشى على عقب). لذلك فقد جاب بنطح البوادي والقفار, واجتاز البحار والأنهار, وواجه المتاعب والأخطار بحثا عن حظه, وبعد اللف والدوران والترحال وجد حظه على هيئة رجل طاعن في السن في أحد الكهوف. وكان يغط في نوم عميق. واستطاع أخيرا ان يوقظه من سباته الأبدي, ولا أذكر ماذا حدث بعد ذلك, إلا ان العبرة في هذه القصة تكمن في سعي بنطح الدؤوب للعثور على حظه, او لتغيير حاله بدلا من الاكتفاء بالشكوى والتسليم بالأمر الواقع كما يفعل كثير من الناس. اما المفارقة العجيبة في كل النصوص الشعرية والنثرية التي تتناول هذا الموضوع, فهي اقتران الكفاءة والتميز في تلك النصوص بسوء الحظ, وهو هجاء مبطن لأوضاع وظروف اجتماعية شاذة. لكن اذا كانت شكوى المتميزين والنابهين مبررة فكيف يمكن تبرير شكوى التنابلة والكسالى!!