قبل فترة طويلة أخبرني أحد القراء بقصة غريبة حدثت معه؛ فحسب قوله كان أيام الثانوي يجتمع مع أصدقائه في شقة زميل لهم.. وذات يوم سمعوا صوت اصطدام قوي في الشارع فأسرعوا لفتح النافذة فشاهدوا حادثاً شنيعاً تواجهت فيه سيارتا مرسيدس (من ذات الموديل والنوع واللون) وجهاً لوجه. وبعد سنوات طويلة من هذا الحادث (تفرق خلالها الأصحاب وأصبحوا آباء وأزواجاً) مر صاحبنا أمام نفس العمارة ورفع رأسه مبتسماً لرؤية الشقة القديمة ومتذكراً أصدقاء الماضي الجميل.. وبينما هو كذلك سمع خلفه صوت حادث شنيع تواجهت فيه سيارتا مرسيدس (من ذات الموديل والنوع واللون) وكأن التاريخ يعيد نفسه!! .. وبطبيعة الحال لسنا مجبرين على تصديق هذه القصة ولكن هذا لايعني أنها لم تقع لصاحبها (!) فكل إنسان يملك حادثة مشابهة لعبت فيها الصدفة دورا يصعب على الآخرين تصديقه.. وأنا شخصيا سبق أن كتبت عن صدفة غريبة مرت بي قبل سنوات في احدى عيادات الأسنان.. فقد أخذت ابني الأكبر إلى طبيبة الأسنان وتركت والدته تدخل معه وبقيت أنا في غرفة الانتظار. ولقتل الوقت التقطت مجلة حكومية مملة (دون كل المجلات المصورة والجذابة) تدعى الخدمة المدنية عدد 323.. وحين فتحتها عشوائياً كان أول شيء شاهدته مقالاً لي بعنوان "أين يذهب الراتب" (وهو مقال منقول حرفياً عن جريدة الرياض).. ولأنني أعرف مقالي جيداً لم أشغل نفسي بقراءته وأخذت أفكر بهذه الصدفة الغريبة وعدد العناصر التي تقاطعت بداخلها.. فوجودي في تلك العيادة بالذات لم يكن نتيجة تخطيط مسبق - كوني قررت في آخر لحظة الذهاب مع أم حسام.. واختياري لتلك المجلة بالذات كان عشوائياً من بين كل المجلات الجميلة.. حتى المقال نفسه كان أول شيء رأيته حين فتحت المجلة عشوائياً !! والمصادفات المعقدة من هذا النوع تدعى "متزامنات".. والمتزامنة تركيبة زمنية ومكانية اكثر تعقيداً من المصادفة العادية - ولكنها ليست مستحيلة.. فهي نتيجة استثنائية ووحيدة لمجموعة معقدة من المصادفات المدهشة (يمكن تشبيهها بحقيبة ديبلوماسية ذات أرقام سرية لا يمكن فتحها إلا بشرط توافقها كلها)! ولأنني لا أعرف شيئاً عن تجاربكم الخاصة - على الأقل حتى الآن - أشير الى أن الباحث الامريكي تيموثي جوود سرد الكثير منها في كتابه "مصادفات اغرب من الخيال".. ومن القصص التي ذكرها قصة سيدة تزوجت حديثاً فذهبت مع عريسها برحلة في نهر المسيسيبي. وأثناء قيامها برش الماء على زوجها سقط خاتم الزواج في النهر فحزنت عليه كثيراً. وبعد عدة أعوام - أنجبت خلالها عدة أطفال - ذهبت معهم في رحلة لصيد السمك فاصطاد ابنها الصغير سمكة تقاربه في الحجم. وفي المنزل واثناء تنظيف أحشاء السمكة عثرت على خاتمها القديم !! .. ومرة أخرى لست مجبراً على تصديق هذه القصة (لأنها ببساطة لم تحدث معك) ولكنها تجربة نصادف مثيلاً لها حتى في مذكرات المشاهير.. فالشاعر الفرنسي أمييل دياشب مثلا أعطاه أحد أقربائه حين كان طفلاً قطعة حلوى مصنوعة من الخوخ جلبها معه من إنجلترا. وقد أحبها كثيراً رغم أن هذا النوع من الحلوى لم يكن حينها معروفاً في فرنسا. وبعد عشرين عاماً - وبينما كان دياشب يسير في أحد شوارع باريس - شاهد نفس الحلوى معروضة في واجهة أحد المخابز.. لم يصدق نفسه فدخل لشرائها غير ان البائعة اعتذرت بلطف وقالت له ان ذلك السيد (وإشارت الى رجل مسن في طرف المحل) قد اشترى آخر قطعة لدينا. وحين التفت اليه اكتشف أنه قريبه الذي أعطاه نفس القطعة قبل عشرين عاماً.. دياشيب اسكتته المفاجأة ولكن الرجل المسن سمع حوارهما فأعطاه إياها قبل ان يتعرف عليه!! - والآن؛ لماذا لا تخبرنا أنت عن أغرب ما وقع لك على موقع الجريدة.. .. قد لا نكون مجبرين على تصديقها، ولكن هذا لا يعني أنها لم تحدث معك دون بقية البشر!