يعد العصيل واحداً من أوائل من التحق بسلك التعليم في محافظة الاحساء، دخل هذا السلك متعلماً، فأدخل إلى الصف الثالث مباشرة، بعد ان كان قد حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة، وتعلم الحساب والكتابة، وهو لم يدخل المدرسة بعد، وما ان أتم الابتدائية، حتى عين دفعة واحدة مديراً لمدرسة.. انتقل خلال مشواره في سلك التدريس بين أكثر من مدرسة، تعرض لعدد من المواقف الطريفة والسيئة. يحرص على جمع خطبه وكتاباته المنشورة، لينشرها في كتيب سيرى النور قريباً، ليستفيد منها الخطباء وأئمة المساجد.. (اليوم الأسبوعي) التقاه وكان هذا الحوار: حفظت القرآن في السابعة @ حدثنا عن بطاقتك الشخصية؟ اسمي سعد عبداللطيف العصيل، ولدت في حي العيوني بمدينة المبرز، عام 1355ه، أتولى حالياً أمامة جامع الحزم، ومتقاعد من التعليم بعد خدمة دامت 22 عاماً. @ هل تحدثنا عن طفولتك؟ ولدت في أسرة متدينة. وكان والداي حريصان على ان أتعلم، فألحقني أبي بكتاب المطوع، فحينها لم تكن هناك مدارس، وقد حفظت القرآن الكريم كاملاً وأنا في السابعة من عمري. كما تعلمت مبادئ القراءة والكتابة والعمليات الحسابية. جيران @ قلت أنك ولدت في حي العيوني.. هل تتذكر جيرانكم في ذلك الحي؟ أتذكر عددا من العائلة التي كانت تجاورنا أو كنا نجاورها، ومنهم عائلة المجبل، العوسي، الشيخ محمد بن شمس وآخرون.. كان علاقات سكان الحي تتميز بالوئام والتمسك والتكاتف.. وكنا سعداء جداً، نعتبر كل بيوت الحي بيتا لكل واحد منا، ولم نكن نعامل كغرباء في بيوت الجيران، بل كانوا يعاملوننا كأبناء لهم، كل طفل قد يذهب إلى بيت الجيران ليأكل معهم وجبة الغذاء أو العشاء أو الإفطار، ليس لأنه لا يملك في بيته أكل، بل لم نكن نشعر بالفرق بين بيتنا وبيت الجيران.. هذا عن الصغار، أما الكبار فكانوا يشعرون بمسئولية كبيرة تجاه جيرانهم.. فعلاً كنا نشعر أننا عائلة واحدة تسكن في أكثر من بيت.. الله على تلك الأيام، رغم ضيق اليد كانت القلوب أكثر اتساعاً من الآن، حيث الجار لا يعرف جاره. دخول المدرسة @ نعود إلى الدراسة.. كيف واصلت دراستك الحكومية؟ جاء أحد أقاربي (محمد صالح الحسن) واقترح على والدي ان التحق بالمدرسة الحكومية، فوافق على الفور، فاصطحبني قريبي إلى المدرسة، التي قبلتني في الصف الثالث الابتدائي مباشرة، وبعد دراسة دامت 4 سنوات حصلت على شهادة الابتدائية. @ من تتذكر من معلميك في تلك المرحلة؟ أتذكر محمد السلطان، عبدالله العبدالقادر، حواس الحواس، وعبدالله بن حقيل، وآخرون.. أما المدير فكان المربي الفاضل عبدالله الشعيبي (يرحمه الله). @ ومن الزملاء من تتذكر؟ محمد الرقيضي، راشد الرقيضي، عبداللطيف أحمد العباد، محمد حمد الصويغ، سلمان الصويغ، إبراهيم فهد القروني. @ ماذا كان اسم المدرسة؟ مدرسة المبرز الابتدائية وحالياً تحمل اسم مدرسة عبدالرحمن بن عوف. عينوني مدرساً @ وماذا بعد الابتدائية؟ (كاد ان يجيب غير ان موجة حزن شديد داهمته، وبعد لحظات قال) لقد حاولت ان أسعى لمواصلة الدراسة ولكن الظروف لم تسمح، فأغلي مشروع طلب العلم.. كانت لدي طموحات غير محدودة.. انخرطت في سلك التدريس عام 1374ه، كان عمري 19 عاماً. وعينت في مدرسة في المبرز، ثم نقلت إلى أخرى في قرية الشعبة، ولكن كمدير لها. الأمير فهد ومدارس الأحساء @ كيف كان التعليم في الأحساء حينها؟ لم يكن هناك في المبرز إلا مدرسة واحدة، في مبنى مستأجر، تقع بين حي السياسب والعيوني، كان مديرها حجازي لا أتذكر اسمه الآن، وبعد تولي صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين) منصب وزير المعارف توسع في إنشاء المدارس، ونالت الأحساء نصيبا واسعا من تلك المدارس. فأنشئت مدارس أخرى في الشعبة وجليجلة وعدد من القرى الأخرى، فضلاً عن الهفوفوالمبرز.. كان مدير التعليم حينها الشيخ عبدالله بو نهية، الذي كان يتمتع ومازال بأخلاق عالية وأسلوب إداري راق، وسبقه إلى هذا المنصب عبدالعزيز التركي. 60 ريالاً للتاكسي @ قلت أنك انتقلت إلى الشعبة.. ألم تجد صعوبة في التنقل بين المبرز والشعبة؟ في البداية كنت أبيت هناك، بسبب عدم وجود وسائل نقل متوفرة للتنقل بين المبرز والشعبة، وبقيت على هذا الوضع لفترة 6 سنوات، وبعد زواجي قررت بالتعاون مع المعلمين طاهر النغموش وعبدالعزيز السلطان شراء سيارة، اشتركنا في تحمل قيمتها، وكان يقودها السلطان، وبعد عدد من الأعطال بعناها، واتفقنا مع قائد سيارة تاكسي على نقلنا من المبرز إلى الشعبة، مقابل أجر شهري لم يتجاوز 60 ريالاً. ضربوني على رأسي @ مارست التدريس والإدارة 22 عاماً، وخلال هذه الفترة مرت عليك مواقف طريفة أو مميزة.. هل تتذكر أحدها؟ من المواقف الصعبة التي مرت عليّ والتي لن أنساها ما حييت موقف حدث ليّ وأنا مدير، حيث كنت أشرف بنفسي على خروج الطلاب من المدرسة، وكان هناك طالبان يتشاجران، وحينما شاهدتهما تدخلت لفض الاشتباك، فما كان من أحداهما إلا ان ضربني على رأسي، فسقطت مغشياً عليّ، فتجمع الطلاب والمعلمون حولي، وبعد ان قدمت ليّ الإسعافات الأولية أفقت من الغيبوبة، وكان الطالبان المتشاجران بالقرب منيّ وقد تصالحا، وأعتذرا ليّ، فسامحت الذي ضربني. أمام مسجد @ إلى جانب عملك في التدريس والإدارة أنت أمام مسجد.. مدينة المبرز مدينة عريقة، فيها عدد من المساجد التاريخية وطلاب العلم، وأحد أبرز مساجد المبرز جامع أبو منارة (العميرة)، فرأيت في نفسي القدرة على توليّ الإمامة فيه، فتقدمت لها، وتم تعييني امام له، كما توليت إمامة مسجد الحزم الجنوبي عام 1418ه، وإلى جانب الإمامة كنت أخطب وألقي المحاضرات والأنشطة التوعوية الأخرى، التي تعنى بالجانب الاجتماعي في الحي، خصوصاً الأنشطة التي تدعم الكيان الأسري. مكتبتي الفلاح والتعاون @ إلقاء الخطب يحتاج إلى تحضير.. كيف كنت تحضر لها؟ بالقراء، فلقد كنت حريصاً على شراء وقراءة الكتب، وكنت منتظماً على زيارة مكتبتي الفلاح والتعاون، وكانت قيمة الكتاب لا تتجاوز الريال والنصف ريال، ورغم ذلك كان هذا المبلغ كبيراً، لم تكن الحركة العلمية خارج إطار المدارس نشطة حينها، كانت تقتصر على اجتهادات فردية يبادر لها البعض. @ ماذا عن رحلاتك؟ في السابق لم تكن وسائل المواصلات متقدمة، حتى أننا قررنا القيام برحلة مدرسية إلى مدينة الجبيل، وقطعنا المسافة في 6 ساعات، لم تكن هناك طرق معبدة، كما هو الحال عليه اليوم.. إلا أنني ذهبت إلى عدة مدن داخل المملكة. تقاعد مبكر @ لماذا تقاعدت مبكراً؟ أعتقد ان 22 عاماً في سلك التعليم كافية لكي يرتاح المرء بعدها، فالأمانة كانت ثقيلة، ليس سهلاً ان تعلم وتربي جيلاً، وقد حاولت بقدر الإمكان ان أقوم بها على أكمل وجه، وبعدها قررت ان ارتاح، واتيح الفرصة لغيري. @ حدثنا عن حفل التقاعد؟ كرمت بحضور مدير التعليم السابق إبراهيم الحسين وعدد من منسوبي التعليم في المحافظة.. كان يوماً جميلاً لن أنساه ما حييت، اختلط فيها الحزن بالفرح. @ وكيف هي صحتك اليوم؟ الحمد لله على نعمته، فأنا اتمتع بصحة وعافية. العصيل يتحدث للمحرر