عزيزي: وحدك جئت من حضرموت، تحمل قليلا من الذكريات الرطبة، وقليلا من الاحلام المستفيقة.. وهنا، في الدمام. في هذه الغابة البشرية العجيبة.. حاولت ان تغرس ذاتك. انسانيتك التي تخشبت من لفح الحياة، وغرستها هنا، حيث اصبحت حارسا: حين يمتد الظلام، ويمتلىء افقك الممتد بين الحلم واليقظة باشباح الفئران "يجب الا تسرق المطبعة" ذلك هو القنديل الذي ترفعه، ليطرد عنك احزان الليل، وترى على ضوئه ان لك بيتا، فيه اطفال يلعبون، فاذا جاء الصباح سكنت شهرزاد. هكذا انت، حارس. فهل جربت ان تكون حارسا لنفسك؟ هيا.. فتش نفسك جيدا: ألم يسرقك احد بعد؟ يا من (ترى العالم من خلال عيون الاطفال) يا من ستقضي ليلة العيد دون ان تحكي قصة حياتك لاحد، ابق على اميتك دوما، ابتعد عن مرض القراءة والكتابة، وذلك لتبقى حارسا. قل لي: هل اقول لك: مبروك؟ قبل واحد وثلاثين عاما، كتبت بطاقة المعايدة هذه لحارس مبنى هذه الجريدة انذاك (سالم الحضرمي) الذي علمت، بعد ان طوحت بنا الايام، انه انتقل الى رحمة الله. دهشت، حين قرأت قبل ايام قليلة، في هذه الجريدة اعادة نشر خمس بطاقات، كانت قد نشرت في يوم واحد، قبل واحد وثلاثين عاما، وتخيلت ان نشرها الاول، كان اقتراحا من احد الزملاء: جبير المليحان او محمد الدميني او محمد الصويغ او عبدالكريم حسين او مني انا. كنت انظر الى سالم الحضرمي مجردا من وظيفته الحراسية. مجردا من اعتبارات القبيلة والمنطقة ، ومن التراتب ا لاجتماعي او الوظيفي.. كنت انظر اليه كانسان يملك في داخله صفات بيضاء وآمالا خضراء قل ان تجدها في احد غيره. كانت غرفته الصغيرة ممتلئة دوما بالقادمين من اليمن او الذاهبين اليه، وكان كرمه وقلبه يتسعان لكل ذلك، بحيث يهزك العجب، ويدفعك الى السؤال: اذا كان قلب سالم يتسع لكل هؤلاء الناس، فكيف يتسع مرتبه الضئيل؟ كان (يخزن القات) دائما، وحين يدخل مكتب رئيس التحرير، يجلس واضعا الساق على الساق، غير مبال بكل البهرجة التي حوله، ولكن مع كل الاخلاق الفاضلة. سالم الحضرمي فارق هذه الحياة بوجه ليس عليه اي لون من الذل او النفاق، ولكن لا ادري: هل فتش نفسه قبل الموت لينظر من سرقه؟