هل أنت أناني؟ بالطبع ستقول: نعم وان لم تقلها بصوت مسموع، فان الانسان في داخلك سيقول: نعم. وذلك لأن الأنانية سمة إنسانية، وغريزة فطرية. طيب.. مع كونك أنانيا.. هل تحب الناس؟! هل يهمك رأي الناس فيك؟ هل تحاول كسب رضاهم؟ أسئلة قد ندس رؤوسنا في الرمال تهربا من الإجابة عنها!!! لماذا؟ الأجابة هي: ان الأنانية وحب الناس على طرفي نقيض عند العامة. وهذا غير صحيح علميا. عزيزي... أعتقد أنه يهمك أن تتأكد أنك عند الناس انسان مرضي عنه, بمعنى، ان كان الناس يقبلونك في زمرتهم.. أي يهضمونك شخصيا دون تلبك وإثارة للحموضة، يهضمونك شخصا وحديثا وحضورا.. إن حصل هذا فهذا يدل على حصولك على شهادة انسجام اجتماعي، تؤهلك أن يكون غيابك مؤثرا وحضورك فاعلا... عزيزي... إن الأنانية الحقيقية- السوية هي أن تحاول - جهدك - أن يكون لك مكان في المجتمع ولن يكون ذلك إلا أن تنال رضى من تتعامل معهم أو أغلبهم. وتنال حبهم وتقديرهم، ولن يكون ذلك إلا بتنازلك كثيرا عن أنانيتك غير السوية وحبك لذاتك هذا الحب النرجسي. إنك ياعزيزي.. لن تجد نفسك في نفسك فقط... والإنسان لم يخلق لنفسه فقط أو ليعيش وحده.. فالمجتمع ضروري لي ولك.. فهو أى المجتمع - في الحقيقة - هو المرآة التي ترى فيها نفسك، وترى نفسك فيها بحجمها وشكلها الحقيقى. وحري بالمرء - الفرد منا أن يرجع إلى تلك المرآة - المجتمع لتعكس له نفسه كما يقول د. عباس مهدي في كتابه (الشخصية). والصفات الكريمة انما تظهر على وجه تلك المرآة نتيجة الانسجام والتوافق مع الناس. والتوافق والتجانس مع الناس حاجة اجتماعية لا غنى عنها. يقول د- عباس في ذلك: الإنسان، والحيوان أيضا، يوصف بأنه ذكي: إذا كان قادرا على تكييف نفسه لمحيطه، فالقدرة على مسايرة الآخرين وجه من وجوه الذكاء الاجتماعي. وهذه المسايرة، او معاملة الناس بالحسنى، ليست بموهبة يرثها البعض ويحرم منها البعض الآخر، بل هي ضرب من المهارة يكتسبها الإنسان بالتدريب والممارسة، كلعب الكرة، وركوب الدرجة والسباحة، وغير ذلك من المهارات.. وقد أصبح من البديهي في هذا العصر: أن المهارات تحتاج إلى معلومات أساسية وكثير من التدريب.. ومتى اضطلع الإنسان من آراء المجربين والخبراء اتضح له الطريق، وحصل على تلك المعلومات الأساسية، وظهر له أن ليس هناك أحد مكروه لأن الله تعالى قد خلقه مكروها، أو آخر محبوب لأنه ولد وولد معه حب الناس له دونما جهد أو تدريب.. فمن أجل أن يحبك الناس ويحترموك ويكون لك مكان بينهم فعليك أن تفسح لهم مكانا في نفسك ولا تبخل عليهم بالتحية والابتسامة والاهتمام بهم واحترامهم وما أروع هذه التوصية وأجدرها بالتأمل والتطبيق: اعترف بخطأك وسوء تصرفك حينما يحصل منك سوء تصرف، وليس القصد من وراء هذا أن تجعل من نفسك أضحوكة وموضع سخرية، ولكن ليكن لديك من سعة الصدر وحب المرح ما يسمح لأصحابك بالضحك من سوء التصرف الذي وقعت فيه.. إن ذلك يجعلهم يشعرون بسمو المكانة والارتياح، ويجعل شخصيتك مرنة مرحة. إهداء خاص الى من نعت نفسه بالجنون وأنا أجله عن ذلك اورد ابن الجوزي في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين: قال: ذهب بصر عمرو بن هذاب فدخل عليه ابراهيم بن مجاشع فقام بين يديه فقال: يا أبا اسيد لا تجزعن من ذهاب عينيك وإن كانتا كريمتين عليك، فانك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن يكون الله قد قطع يديك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ظلفك، قال: فصاح به القوم وضحك بعضهم، فقال عمرو: معناه صحيح ونيته حسنة وإن كان قد أخطأ في اللفظ. آخر الكلام، جاء عن ابن المقفع في أدبه الكبير والصغير قوله: واعلم أنك ستبلى من أقوام بسفه، وأن سفه السفيه سيطلع لك منه حقدا، فإن عارضته او كافأته بالسفة فكأنك قد رضيت ما أتى به، فأحببت أن تحتذي على مثاله، فإن كان ذلك عندك مذوما فحقق ذمك إياه بترك معارضته.