القافلة هذه الموسوعة الثقافية التي اختزلت جهود خمسة عقود من الزمن هذه القافلة كانت حكاية طويلة قبل أن تولد.. هنا نستوقف بعض المحطات التي توقفت فيها وتعثرت لديها بالاتفاق مع المصدر.. ذات يوم من الأيام شهر مارس عام 1951م اجتمع ثلاثة مترجمين في أحد مكاتب أرامكو وقرروا رفع اقتراح يقضي بإصدار نشرة عربية على غرار النشرة الإنجليزية التي كانت تصدرها الشركة آنذاك تحت اسم (الشمس والوهج) فكان هذا الاقتراح الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل للوصول إلى إصدار العدد الأول من (قافلة الزيت) أستغرقت هذه الرحلة عامين ونصف العام تماما وشكلت حكاية مثيرة بحد ذاتها تستحق أن تروى لما تضمنته فصولها من تعب وتخطيط وحذر وإقدام وإصرار ومفاجآت. عدد تجريبي ولكن صدور العدد التجريبي لم يتم بالفعل إلا بعد تسعة أشهر (في 19 ديسمبر 1951م) تحت اسم (الأحداث) وطبعت منه ثلاث نسخ على الآلة الكاتبة أرسلت واحدة منها إلى توماس بارقر مدير قسم العلاقات العامة, وأخرى إلى ه .و. طومسون في مكتب أرامكو في نيويورك مرفقة برسالة من هومر متز, ممثل الشركة المحلي تلقى بعض الأضواء على شخصية المشروع حيث يقول فيها (إن هذه النشرة ستصدر يوم الأحد كل أسبوعين وستغطي موضوعات ذات اهتمامات محلية وتشارك فيها أرامكو وأن المسودة ستصدر أولا باللغة الإنجليزية ثم تترجم إلى العربية مع التركيز على الصور). وهناك في مكتب الشركة بنيويورك كلف الأستاذ فؤاد صراف أحد موظفي المكتب بمراجعة العدد التجريبي وأبدى ارتياحه لمحتوى النشرة واسمها لأن (الأحداث) حسب تفسيره جمع حدث والحدث هو الشاب أو الرجل صغير السن أو الأمر الجلل ولكليهما دلالة مستحسنة ويبدو أن صراف كان متحمسا للمشروع إذ اقترح زيادة حجم النشرة بحيث تكون من أربع صفحات بدلا من صفحة واحدة أو أن تصدر في صفحتين كل أسبوع. بعد صدور هذا العدد التجريبي بشهر أرسلت الشركة كتابا إلى الأمير عبد المحسن بن جلوي تطلب فيه السماح للشركة بإصدار نشرة تصدر كل أسبوعين وتحمل باسم (الأحداث) وجاء في الكتاب المشار إليه (أن النشرة ستصدر مدعمة بالصور في الظهران وستخصص لموظفي أرامكو في منطقة الأحساء ولمن يرغب في التعرف على أعمال الشركة وستغطي النشرة الأخبار المتعلقة بالأنشطة البارزة التي تشارك فيها الشركة وإنجازات الحكومة السعودية التي تدخل فيها الشركة طرفا كما ستنقل الإرشادات التي تصدرها أرامكو للموظفين من وقت إلى آخر بالإضافة إلى موضوعات عامة عن صناعة الزيت). وفي 13 فبراير 1952 وجه بارقر كتابا إلى قاري أون مندوب أرامكو لدى حكومة المملكة العربية السعودية يتضمن طلبا للحصول على الترخيص اللازم لإصدار نشرة اسم (الأحداث) وأكد بارقر في كتابه استعداد العلاقات العامة لإصدار النشرة فورا خاصة وأنه تلقى معلومات أولية من الإمارة ومن مكتب الشيخ عبد الله بن عدوان وكيل وزارة المالية المساعد في الدمام تفيد بأن النشرة ستجد منهم كل ترحيب. دارت عجلة المشروع وبأقصى سرعة ممكنة وشهد شهر أغسطس من العام 1952م تركيز العمل على مسألتين أساسيتين: الأولى تكمن في اختيار رئيس تحرير للنشرة والثانية تتعلق ببلورة الصيغة النهائية لشخصيتها من خلال جمع كل الأفكار والمشروعات السابقة وحصرها. ففي مجال البحث عن رئيس تحرير أفاد رئيس العلاقات العامة وجاك باتلر في إحدى مذكراته الداخلية أنه كان قد اجتمع خلال زيارته إلى بيروت بكل من طومسون وهومر وأنهم اتفقوا على أن يكون رئيس تحرير النشرة المقترحة سعودي الجنسية ولديه خبرة في هذا المجال وأن يكون كاتبا معروفا في المملكة العربية السعودية وأن تكون لديه معرفة جيدة باللغة الإنجليزية ومشهودا له بالنزاهة وأن يوافق على العمل تحت إشراف الإدارة. ويضيف باتلر في مذكرته بأنه ( يوجد شخصان يحملان هذه المواصفات هما عزيز ضياء من مكة وحسين خزندار اشترك الأول في مسابقة ثقافية نظمتها الحكومة الهندية وفاز فيها على أدباء مشاهير من لبنان ومصر أما الثاني فكان موظفا سابقا لدى أرامكو ومساعدا لرئيس تحرير جريدة البلاد السعودية). شخصية النشرة أما على صعيد تحديد شخصية النشرة وميثاقها - إذا جاز التعبير - فقد عقدت لجنة إدارة الحقول اجتماعا في 5 أغسطس 1952م وقد توصل المجتمعون إلى التوصيات الآتية: أن تطبع النشرة مرة واحدة في الأسبوع وفق الطلب الذي تقدمت به الشركة إلى الحكومة. أن تتكون النشرة من صفحتين على الأقل. أن تحتوي النشرة على استطلاعات مصورة حول موضوعات محلية أن تستقي النشرة أخبار العالم من الصحف العربية والمذياع مع تحديد الجهة صاحبة الخبر أن تستقي النشرة أخبار المملكة العربية السعودية من المذياع والصحف التي تصدر في مكةالمكرمة والمدينة المنورة والرياض. نشر إرشادات الشركة ليطلع عليها الموظفون تخصيص عمود عن الأنشطة الرياضية لموظفي الشركة العرب تخصيص عمود عن السلامة تخصيص عمود عن الصحة تخصيص عمود عن أخبار الموظفين في الظهران ورأس تنورة وبقيق تخصيص عمود عن تاريخ المملكة نشر القصص القصيرة ومقتطفات من الشعر العربي الكلاسيكي وبحث المجتمعون كما جاء في المذكرة احتياجات النشر ومنها تعيين طابع على الآلة الكاتبة العربيةومترجم ومراسلين في المناطق كما حددت خطة التوزيع بصفة مبدئية ب1000 نسخة للظهران و800 لرأس تنورة ومثلها لبقيق وأن يتم التوزيع على الإدارات استنادا إلى عدد الذين يجيدون القراءة. وفي وقت لاحق أصدرت الشركة بيانا حول الخطة العامة للنشرة جاء فيه: أن هذه النشرة مطبوعة أسبوعية وليست صحيفة تصدرها أرامكو بموجب الموافقة السامية رقم 04511 في 14 شوال 1371ه القصد منها تزويد موظفي الشركة بمعلومات عن أنشطة الشركة وموظفيها فقط. سيكون العدد الأول متواضعا ولكنه يمثل خطوة نحو عمل متكامل. أن الإدارة تشعر بالرغم من أن أرامكو شركة أمريكية بانتمائها إلى المواطنة السعودية وأنها تفخر بارتباطها بالمواطنين السعوديين وترغب دوما في مد جسور من الصداقة والوفاق مع المجتمع. أن توزيع النشرة لن يقتصر على موظفي أرامكو فقط بل سيشمل أيضا المسئولين الحكوميين ورجال الأعمال الذين لهم اهتمامات بأعمال أرامكو. قافلة الزيت ودخلت الاستعدادات لإصدار النشرة مرحلة المخاض وفي صيف 1953م وتسارعت التطورات والمستجدات التي دخلت على المشروع وفي الثاني من أغسطس 1953م أصدرت العلاقات العامة مذكرة حول النشرة المرتقبة حفلت بالمفاجآت. فقد جاء في هذه المذكرة ( أن المطبوعة المرتقبة ستعرف باسم قافلة الزيت الذي لاقي استحسان قسم الأبحاث العربية واللغوية في مركز التدريب). وبينت الغرض من إصدار المطبوعة وأن الإدارة ستطلع على إعدادها وطباعتها. وتضيف بأنه تم تكوين لجنة للتحرير تتكون من عضو من كل من إدارات العلاقات العامة والعلاقات الصناعية والعلاقات الحكومية وتختص بكل ما يتعلق بمحتويات المجلة وشكلها وتوزيعها. ويضطلع عضو العلاقات العامة بتنسيق أنشطة اللجنة ويكون مسئولا عن جدولة الاجتماعات وتوثيق المحاضر وتنفيذ القرارات التي توصلت إليها وتكشف المذكرة كذلك بأنه سيتم تعيين موظف من إدارة العلاقات العامة سكرتيرا للجنة التحرير ليشرف بتوجيه من اللجنة على إعداد المواد للطباعة ومتابعة إجراءات التخليص لدى الدوائر الحكومية كما يقوم بتنسيق المطبوعة وتوزيعها. وجاء في المذكرة كذلك أنه سيتم تعيين موظف سعودي لرئاسة التحرير تحت إشراف السكرتير وتوكل إليه مهمة إعداد المواد والتعليق على الصور وتدقيق اللغة العربية وإبداء آرائه حول الشكل العام للمجلة وأنه لن يطلب منه نشر أي موضوع قد يعرضه هو شخصيا أو أي عضو من أعضاء اللجنة للإحراج. كما جاء أن المجلة ستصدر على أساس شهري في البداية اعتبارا من 10 سبتمبر 1953م لمدة ستة أشهر ثم تصدر كل أسبوعين ابتداء من 6 مارس 1954م وأنها لن تتطرق إلى أي شيء يتعارض مع التقاليد السعودية وستنسخ أعداد منها بالوسائل المتاحة وتوكل مهمة الطبع إلى مؤسسة سعودية لاحقا إذا رأت الشركة جدوى هذه الخطوة. وأضافت المذكرة أن إدارة العلاقات العامة ستوكل إلى مؤسسة (جراهام أسوشيتس) في بيروت الجانب الفني لتكون هذه المؤسسة حلقة وصل بين العلاقات العامة والشركة الطابعة التي اقترح أن تكون مطبعة في بيروت. العدد الأول وصدر العدد الأول في شهر صفر 1373ه(أكتوبر 1953م) غير أنه و (لأسباب خارجة عن إرادة الشركة) تم تعليق توزيعه داخل الشركة على الموظفين والمواطنين حتى 26 أكتوبر حين أرسلت العلاقات العامة كتابا إلى مكتب الشركة في جده مرفقا به 25 نسخة من العدد الأول ل(قافلة الزيت) لتوزيعها بالإضافة إلى ثلاث نسخ لكل من وزارة الداخلية في مكة ووزارة الخارجية في جده ومكتب مجلس الوكالة ووزارة المالية. كما أرسلت أرامكو في 2 نوفمبر ثلاث نسخ من العدد إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل نائب جلالة الملك. ظلت المجلة متقيدة تماما بالخطوط العريضة التي وضعتها إزاء السياسة التي يجب أن تسير عليها. وكانت حريصة غاية الحرص على ألا تخل بشروط الطبع والنشر التي التزمت بها منذ تسلمها الموافقة السامية على إصدار المطبوعة. الأسبوعية والشهرية وبعد نحو ست سنوات على صدور العدد الأول من قافلة الزيت أرسلت الشركة كتابا إلى الشيخ إبراهيم الشورى, المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر يفيد بأن الشركة عازمة على زيادة المرات التي تصدر فيها نشرة قافلة الزيت إلى خمس مرات شهريا تصدر أربعة أعداد منها على أساس أسبوعي ويكون العدد الخامس عددا خاصا يصدر مرة واحدة كل شهر. وشهد يوم 23 نوفمبر 1959م أول عدد أسبوعي من نشرة قافلة الزيت التي حررت وطبعت ونشرت تحت إشراف هيئة تحرير مجلة قافلة الزيت ومن هنا أصبح لكل مطبوعة مسارها إلا أنهما تلتقيان في الهدف وهو إبراز أنشطة الشركة وأدوار موظفيها ونشر الثقافة العربية. ظلت الشركة تطبع المجلة في بيروت حتى شهر يوليو 1964م حين بدأت طباعة المجلة داخل المملكة فاوكلت المهمة إلى مطبعة سعودية وحققت نجاحا طيبا في المحافظة على مستوى معين من جودة الإخراج. وفي وظيفة الإشراف على المجلة مثل سيف الدين عاشور الحلقة الأولى من سلسلةطويلة امتدت حتى اليوم من أبناء الوطن الأكفاء الذين تقلدوا مسئولية الإشراف على مجلة القافلة ونشرة قافلة الزيت (القافلة الأسبوعية لاحقا) فقد تلا تبوأ عاشور لهذا المنصب تعيين عبد العزيز مؤمنة في 30 مايو 1956م سكرتيرا للتحرير خلفا للمستر البرت أردلا وفي 28 سبتمبر 1969م عين مصطفى حسن الخان مديرا عاما لمجلة قافلة الزيت الشهرية وعلي حسن قناديلي مديرا مسئولا لنشرة قافلة الزيت الأسبوعية . استمر قناديلي في هذا المنصب حتى 29 مارس 1972م حين خلفه عبد الله صالح جمعه ليصبح رئيسا عاما لقسم النشر ليتولى تبعا لذلك مهمة المدير المسئول لمجلة قافلة الزيت الشهرية ونشرة (قافلة الزيت) الأسبوعية. وبعد أن أضحت قافلة الزيت مجلة ثقافية معتبرة ومعروفة في العالم العربي يكتب فيها مشاهير الفكر والأدب والثقافة ولا تقتصر موضوعاتها على صناعة الزيت تنامى عدد قرائها بصورة مضطردة, وانعكس ذلك على الرسائل التي كانت ترد إلى بريد المجلة بأعداد كبيرة في كل يوم تطلب الاشتراك في المجلة فرأت إدارة الشئون العامة أن الوقت أصبح مناسبا لتغيير اسم قافلة الزيت إلى اسم آخر يتماشى مع التطور التقني والثقافي في الشركة بصفة خاصة والمملكة بصفة عامة فكان هناك إجماع على إطلاق اسم القافلة على المجلة اعتبارا من عدد شعبان 1403ه (مايو - يونيو 1983م) وجاء في افتتاحية القافلة بهذه المناسبة: (بصدور هذا العدد تكون قافلة الزيت قد أمضت من عمرها المديد ثلاثين عاما ونيفا وهي تصدر اليوم باسم جديد هو القافلة وهذا التغيير البسيط في الاسم لا يغير نهجها وأسلوبها ومنحاها وأهدافها التي سارت عليها منذ صدور أول عدد لها حتى اليوم). وما تزال القافلة تتحرك بتؤده وصبر على مدارج السنين وها هي تلج عتبة الخمسين سنة الثانية من عمرها المديد بإذن الله. رئيس تحرير القافلة الأول مع الأمير سعود بن جلوي