لعل الشعراء لم يجتمعوا عبر التاريخ على شيء كما اجتمعوا على مناهضة الحرب على العراق , ولم يحدث أن عقدت مؤتمرات ومهرجانات وأمسيات مثل التي عقدت سعيا لإبعاد شبح الحرب . وفي ختام كل فعالية يصدر بيان يندد بالغزو, ويتضامن مع العراق , في محاولة من الشعراء للعب دور في الأحداث الراهنة . امتد هذا الموقف , فضلا عن العالم العربي والإسلامي , إلى أنحاء العالم شرقا وغربا , ووجدنا من يتحد مع الشعراء العرب كما حدث في مهرجان الشعر العربي- الفرنسي الذي نظم في باريس مؤخرا , وأصدر فيه المشاركون بيان تنديد واستنكار ضد العدوان الأمريكي على العراق . وهذا الموقف لم يقتصر على شعراء الدول المعارضة للحرب , بل برز وبشكل قوي في الولاياتالمتحدة نفسها , حيث قدم عدد من كبار الشعراء الامريكيين عريضة الى الكونغرس للتعبير عن رفضهم الحرب ضد العراق تضمنت اكثر من 13 ألف قصيدة جمعوها من أنحاء العالم. يقول الشاعر الأمريكي سام هامل الذي رفض دعوة السيدة الامريكية الاولى لورا بوش الى البيت الابيض لندوة شعرية ؛ بسبب معارضته الحرب ضد العراق: لم تتحد كلمة الشعراء بهذا العدد مثل اليوم ونتيجة هذا الاتحاد دخل الشعر كما يقول: في الضمير الشعبي الأميركي اكثر من أي وقت مضى. وبسبب ذلك اضطرت قرينة الرئيس الأمريكي إلى إلغاء منتدى الشعر, بعد أن علمت بما عزم عليه الشعراء من إعلان رفض السياسة الأمريكية , محاولة تحجيم دور الشعر , وذلك ما نلمسه في بيان تبرير تأجيل المنتدى الذي صدر عن مكتبها الصحفي بأن المناسبة كانت مخصصة للاحتفال بالشعر, وبناء عليه فإنها ترفض تدخل الشعراء في السياسة. لقد اتحد الشعر , وبدا كعملاق نبيل , يقف مع الحق والإنسانية , مشكلا ضميرا انسانيا ندر وجوده . ولكن ماذا بعد ؟ اشتعلت الحرب وبدأ المدنيون يتساقطون , وكلما ارتفع صوت الشعر تقدمت الآلة العسكرية النهمة بشكل أكبر , وأصبح العملاق قزما بجانب مارد الحرب . يظهر أن الشعر- والفن عموما - مهما بلغ من مجد يظل صدى , لا يمكن أن يؤثر في سياسة ما , وهذا ما نجده في تاريخ الحروب التي لم تستجب يوما للشعر أو الثقافة وظلت تسير خلف المطامع . حتى في تاريخنا العربي لم يكن الشعر , وهو ديوان العرب , ليحتل موقف التوجيه أو حتى التأثير في القرارات السياسية , بل ظل صدى لها , أو بعيدا عنها . و في العصر الراهن أصبح الشعر محكوما بأحد موقفين , إما أن يكون صدى كما كان , وإما أن ينتفض فيصبح مصيره الإقصاء والتهميش حتى في أكثر الدول - كما يقال - ديموقراطية.