بينما تدور رحى الحرب على العراق تقفز الى الاذهان عدة تساؤلات لاسيما تلك التي تتعلق بعدم شرعية الحرب .. فهل انتهى دور الاممالمتحدة بقيام هذه الحرب التي كسرت قراراتها ؟؟ وهل اصبحت المنظمة الدولية غير ذات صفة؟؟ وهل بالفعل سقطت الشرعية الدولية ؟ وبات منطق القوة هو الأعلى والسائد؟! نطرح السؤال في هذا الوقت الذي ترجو فيه امريكا تحقيق مصالحها وسياساتها بحجج واهية وذرائع غير مقبولة مكشوف امرها للجميع. ونجد تحت السؤال الكبير علامات استفهام اخرى تتمحور في ما الذي اوصل المنظمة الدولية إلى هذا الحد من الضعف ؟ وهل من الممكن ان تستعيد توازنها المفقود لتصبح لها الكلمة العليا مرة اخرى، وتقف في وجه أي معتد وخارج على القانون حتى ولو كانت أمريكا نفسها ؟!الاجابات كلها تصب في وعاء واحد هو المطامع الامريكية البريطانية في منطقة الشرق الاوسط . غير ان الاجابات على ألسنة الخبراء السياسيين الديبلوماسيين ورجال الفكر والاعلام تأتي اكثر علميا ومنطقا، وذلك من واقع التخصصية والخبرة والحنكة ... فماذا قالوا ؟ الأممالمتحدة "أفرغت مضمونها" يقول الدكتور حازم جمعة استاذ القانون الدولي" ان وضع الأممالمتحدة الحالي يعد في أسوأ موقف في تاريخها فالولاياتالمتحدة لم تضع لها أي اعتبار باستخدامها منطق القوة متجاهلة اختصاصات الاممالمتحدة ومجلس الأمن في السماح باستخدام القوة في النزاعات الدولية، وبالتالي فقد أفرغتها من مضمونها". واضاف "الذين يتصورون انه باستطاعة المنظمة الدولية ان توقف الحرب واهمون فالولاياتالمتحدة ستستخدم حق الفيتو لمنع صدور أي قرار بوقف الحرب لذا فانني اتوقع ان تواجه الاممالمتحدة نفس مصير عصبة الامم. والمطلوب الان من المجتمع الدولي السعي نحو تعديل ميثاق الاممالمتحدة وتوزيع مقاعد مجلس الامن بصورة عادلة. . ان المجتمع الدولي مازالت لديه فرصة لوقف الحرب اذا نقل المسألة إلى الجمعية العامة حسبما تنص القرارات الدولية التي تؤكد انه في حالة عجز مجلس الامن عن القيام بوظيفته في المحافظة على السلام والأمن الدوليين يجوز نقل موضوع النزاع للجمعية العامة التي تستطيع اتخاذ قرار ملزم بشأن هذا النزاع وبالتالي لن يكون للولايات المتحدةوبريطانيا سوى صوتيهما لان القرار سيتخذ بالاغلبية". انهيار الشرعية فيما أكد السفير محمد وفاء حجازي ان الأممالمتحدة في مأزق شديد وأصبحت معرضة للانهيار نتيجة السلوك الامريكي الخارج عن نطاق الشرعية الدولية والمعارضة التي ابدتها كل من فرنساوروسيا والصين والمانيا قد تكون عنصراً موازياً للتصرف الامريكي المقيض للامم المتحدة والشرعية الدولية والدعوة لعقد مؤتمر قمة للجمعية العامة. واضاف" في ضوء الاحداث الجارية يمكن من خلالها انقاذ الاممالمتحدة لكن كل هذا يستلزم الانتظار لانه يتوقف على نجاح امريكا في الحرب من عدمه فاذا نجحت فان ذلك يعني تحويل الاممالمتحدة لمؤسسة هامشية وبالتالي تنهار الشرعية الدولية". واوضح استاذ القانون الدولي وعميد كلية حقوق عين شمس الأسبق الدكتور ابراهيم العناني ان "ما يجري الان في العراق أمر لا يقره القانون الدولي وخرق واضح لميثاق الاممالمتحدة كما انه ينم عن عدم فاعلية الأممالمتحدة مما يدفعنا إلى ضرورة العمل الجاد والمسارعة في المطالبة باحترام الشرعية الدولية ووقف القتال للحفاظ على ما تبقى منها ،وما دام مجلس الأمن قد فشل فانه يمكن دعوة الجمعية العامة طبقاً لاتخاذ قرار مناسب مثلما حدث في العدوان الثلاثي على مصر 1956 واذا لم تنجح هي الاخرى فان الاممالمتحدة ستفقد مصداقيتها ووجودها". إعادة هيكلة وذكر الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم ان كل التجمعات الدولية بداية من الأممالمتحدة ونزولاً إلى الجامعة العربية وحلف الاطلنطي والاتحاد الافريقي تحتاج إلى اعادة نظر واعادة هيكلة لبعضها وربما انهاء دور البعض الاخر. مضيفا "أياً كان الحال الذي عليه الاممالمتحدة في الوقت الراهن فانها ستستمر لان بديلها حرب عالمية واظن كل الظن انه لا احد مستعداً لحرب عالمية. ومن ثم فسيسعى جميع الاطراف لاعادة النظر في الدور المفروض ان تقوم به الاممالمتحدة". أما مدير مركز يافا للدراسات الاستراتيجية الدكتور رفعت سيد احمد فقال هيبة الاممالمتحدة قد سقطت فعلاً مع انطلاق اول طائرة لضرب العراق، فالاصرار الامريكي دون تفويض من الاممالمتحدة يعني انتهاء دور المنظمة الدولية وسقوطها. وأصبحت الولاياتالمتحدةالامريكية تتحرك بناء على قوتها وليس على اساس احترام الشرعية الدولية، وفي ظل الطغيان الامريكي الحالي واصرارها على الانفراد بالسيطرة على العالم واتخاذ أي قرار يخدم اطماعها وتوسعاتها ربما يدفعها ذلك في يوم ربما يكون قريباً إلى المطالبة بان تكون الدولة الوحيدة في مجلس الأمن التي لها حق استخدام الفيتو. مبينا " من المؤسف انه لا توجد أي قوة دولية يمكنها منافستها، او على الاقل احداث توازن على الساحة الدولية ،وحتى الاتحاد الاوروبي الذي كنا نأمل ان يحدث توازناً في القوى الدولية جاء قرار بريطانيا بالدوار في فلك امريكا والانقياد وراء اطماعها ليفتت قوة الاتحاد الاوروبي ، والمؤسف ايضاً ان روسيا التي كانت سبباً في احداث توازن دولي تعاني من اضطرابات سياسية داخلية وحركات انفصال، فضلاً عن الازمات الاقتصادية التي تكاد تعصف بها وهو ما يجعلها غير قادرة على الوقوف في وجه الاطماع الامريكية، وكذلك فرنسا تحاول ان يكون لها رأي خاص بها في المواقف الدولية لكنها لا تملك مقومات مواجهة الاطماع الامريكية ، فيما تركزالصين جهودها المالية لبناء اقتصادها وليس لديها استعداد حالياً للدخول في مواجهة مع الولاياتالمتحدةالامريكية،وهؤلاء هم الاعضاء الدائمون في مجلس الامن ومن لهم حق استخدام الفيتو. واوضح "من هنا نجد ان العمل الدبلوماسي والمؤسساتي الدولي لم يعد له دور في ظل جموح الاطماع الامريكية، ومن المؤكد انه ان كانت الحرب الحالية اشارت إلى موت الاممالمتحدة ومجلس الامن فان اعلان شهادة وفاتهما الرسمية ستكون واقعاً ملموساً لا يقبل النقاش خلال المرحلة القادمة عندما تبدأ امريكا في تنفيذ باقي مخططها الاستعماري في الشرق الأوسط (المعروف ان العراق هي بداية هذا المخطط ) الذي يهدف إلى تغيير خريطة الشرق الاوسط واسقاط الانظمة الحاكمة غير الموالية لامريكا وتفتيت الدول التي تمثل تهديداً على امن وسلامة اسرائيل". واضاف:اعتقد ان الولاياتالمتحدةالامريكية بعد ان خسرت معركتها السياسية والدبلوماسية في الاممالمتحدة ومجلس الامن بسبب اصرار فرنساوروسيا على استخدام حق الفيتو ضد استصدار قرار بشأن الحرب على العراق لصالح امريكا فلن تقبل استصدار أي قرار بعد ذلك من مجلس الامن أو موافقة من الاممالمتحدة وستخوض حربها دون النظر في مسألة الشرعية الدولية. الخصم والحكم واكد استاذ القانون الدولي بحقوق أسيوط الدكتور فوزي عبد الله: ان ميثاق الاممالمتحدة ينص على مبدأ عدم جواز اللجوء إلى القوة وضرورة حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية ولهذا فان ما فعلته امريكا من انفرادها بقرار الحرب على العراق دون الرجوع إلى الاممالمتحدة ومجلس الامن يمثل خطراً عظيماً، لانه يعلي مبدأ قانون الغاب ويخالف قاعدة اساسية في القانون الدولي المعاصر، والتي تقول انه لا يجوز لشخص او دولة ان تكون خصماً وحكماً في آن واحد كما ان ذلك يعمل على اهتزاز الشرعية الدولية واشاعة القلق والفوضى في المجتمع الدولي. ويقول الخبير الاستراتيجي ونائب مدير مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور نبيل عبد الفتاح ان العالم قائم على توازنات القوى فعصبة الاممالمتحدة تم تشكيلها بعد وقوع تغيير سياسي عقب الحرب العالمية الاولى الا انها سقطت بعد قيام موسوليني باجتياح الحبشة رغم رفض عصبة الاممالمتحدة وعقب الحرب العالمية الثانية أقيمت الأممالمتحدة ومنحت العضوية الدائمة للدول الخمس المنتصرة وهذه التركيبة تتعلق بالتوازن الدولي وبالتالي نجد أنفسنا أمام تساؤل هام (هل بانتهاء الحرب الباردة ستتأثر وضعية الأممالمتحدة ؟) باعتبارها القائمة على توازن قديم بين كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي الذي انتهى دوره . مضيفا: هنا يجب الاشارة إلى ان حق الفيتو الذي تم ارساؤه اثناء وضع ميثاق الاممالمتحدة لتحقيق التوازن فيما بينها لم يعد الصيغة الملائمة بعد انفراد الولاياتالمتحدةالامريكية كقطب أوحد في العالم، وعلى الجانب الأخر يعد لجوء الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى استخدام القوة ضد العراق بعد ان فشلت في استصدار قرار من مجلس الامن يسمح لها بذلك تصرف (غير أخلاقي ) من شأنه اضعاف مجلس الأمن الذي يعد أقوى أجهزة الأممالمتحدة والياته التنفيذية لتحقيق الأهداف التي قامت من اجلها وعلى أساسها هذه المنظمة الدولية. الخروج عن المبادئ واشار استاذ القانون الدولي والمحكم الدولي الدكتور محمد علي إلى ان إصرار أمريكا على شن حربها على العراق دون الحصول على قرار مجلس الامن يسمح لها بذلك بل وتجاهلها الأصوات الدولية الرافضة للحرب سواء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن او غيرها يعد خروجاً صريحا على المبادئ الأساسية لميثاق الأممالمتحدة التي لا تسمح لاي دولة من الاعضاء باستخدام القوة او التهديد باستخدامها ضد دولة اخرى. واكد ان هذا التصرف الامريكي يضع احتمالاً قوياً لامكانية انهيار الاممالمتحدة وهو ما تريده الادارة الامريكية الحالية التي تحمل ضغينة وحقداً كبيراً على هذه المنظمة الدولية التي لم تستجب لاطماعهم وتتيح لهم غطاء شرعيا لشن حربهم العدوانية على العراق استناداً إلى حجج واهية. اما السفير احمد ابو الخير مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق فيقول:اذا ما استمرت امريكا في تحدي الارادة الدولية واتخاذ خطوات وقرارات دون الرجوع إلى مجلس الامن او منظمة الاممالمتحدة فان هذا سيكون بمثابة اعلان رسمي بوفاة هذه المنظمة الدولية. وتحدث استاذ القانون الدولي الدكتور محمد سعد عن امكانية تعديل ميثاق الامم ومجلس الامن بما يعيد رسم خريطة التوازن داخل هذه المنظمة ويتيح لباقي القوى الدولية التصدي للأطماع الامريكية ومنع امريكا من السيطرة على هذه المنظمة او انهاء دورها. مؤكدا ان هذا يتطلب بنا العودة إلى الماضي ففي السبعينيات من القرن الماضي طرح اقتراح مفاده زيادة حق الفيتو لكل منطقة مثل افريقيا ولكن فشلت كل هذه المحاولات وكان على رأسها محاولات امريكا اللاتينية والمانيا واليابان وبالتالي فهي عملية مستحيلة، كما ان العيب لا يكمن في مجلس الامن كأحد اجهزة الاممالمتحدة المسئولة عن الحفاظ على الامن والسلم الدوليين وانما العيب يكمن في الواقع الدولي المعاصر القائم على وحدة القطبية وانفراد امريكا بالتأثير المباشر في مسار العلاقات الدولية والدليل على ذلك ان مجلس الامن استطاع مواجهة العديد من المشكلات الدولية في ظل وجود المعسكرين الغربي والشرقي حيث كان كل معسكر يحسب حساباً لموقف المعسكر الاخر وهو الامر الذي كان يدفع كثيراً إلى الوصول إلى حلول متوازنة في اغلب الاحيان. دور الأمم قائم وذكرالممثل الدائم "سابقا"ً لمصر في الاممالمتحدة بجنيف السفير عمران الشافعي ان الاممالمتحدة لن ينتهي دورها لتصبح مثل عصبة الاممالمتحدة والدليل على ذلك ان الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية العرب بالجامعة العربية طلب انعقاد اجتماع مجلس الامن أو الجمعية العامة للامم المتحدة ولم تعترض على ذلك الولاياتالمتحدةاوبريطانيا. كما ان دور الاممالمتحدة قائم بدليل ان الطرف الأمريكي طلب من الاممالمتحدة بحث توسيع اختصاص اتفاق النفط مقابل الغذاء ليشمل اعادة اعمار العراق بعد الحرب وهذا يعني ايمانه بوجود الاممالمتحدة. واضاف: من ذلك نجد ان الاممالمتحدة مستمرة في اداء المهام الموكلة اليها بمقتضى الميثاق الذي انشئت من اجله فلا يمكن تجاهل واغفال ان الاممالمتحدة تعد منبراً للرأي العام يتم فيه التعبير عن قضايا واراء الدول سواء القوية او الضعيفة ولم تقتصر عضويتها على الدول القوية فقط لكنها تضم الدول الضعيفة ايضاً. واوضح استاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام بحقوق عين شمس الدكتور صلاح عامر ان العالم يمر بمرحلة جديدة منذ عام 1990 فبعد انتهاء الحرب الباردة توقف مجلس الامن عن اسلوبه في ادارة الازمات في تلك الفترة وما قبلها محاولاً الوصول إلى توافق في الاداء عند اتخاذ القرارات وهو ما حدث في القرار 1441 الذي وافقت عليه سوريا في المجلس. وكان الانذار الذي وجهه الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير يدل على بداية مرحلة جديدة مما اثار حفيظة فرنسا وألمانيا واتجاههما للتفكير في مواجهة الولاياتالمتحدةالامريكية الامر الذي انعكس ايضاً على السياسة الأمريكية وفكر مناظريها للهيمنة على النظام الدولي الجديد دون سواها. واكد "ليس من صالح احد الترويج للولايات المتحدةالامريكية لانه من صالح الدول النامية والضعيفة ودول العالم الثالث الابقاء على الميثاق الحالي للامم المتحدة رغم ما فيه من ثغرات وعيوب والمطلوب مواصلة التوجه السياسي لحث مجلس الامن على القيام بمسئولياته وعدم اتاحة الفرصة للولايات المتحدة التي تعمل على ازدواجية المعايير لصالح اسرائيل ضاربة بمصالح الدول الاخرى عرض الحائط وهو ما يعتبر افة للنظام الدولي المعاصر". مبينا "ان ما حدث للعراق سوف تكون له نتائج وخيمة خاصة في ظل التراجع الرسمي في المواقف وهو ما يثير قضية القانون الدولي والخروج عنه من جانب البعض والانتقاء من ميثاق الاممالمتحدة والقانون الدولي الانساني وما يتفق والمصالح الخاصة للدول، وما يحدث الان من قصف وهجمات هي اعمال سافرة ضد المدنيين نتيجة لانتهاك تلك القواعد، مما يعرض الشعوب للمحن والمهانة مما يترتب عليه ضرورة تقديم المسئولين عنها للمحاكمة. محمد حجازي اللواء طلعت مسلم