هاهو العراق الحقيقي يتجدد قبل ان يغلق صدام حسين حراك مجتمعه .لقد افرز على وجه السرعة بعضا من امكانياته السياسية العفوية التي كانت لزمن طويل ملتقى للقوى السياسية المتعددة . ففي ظل الملكية كان الانتعاش الحزبي قائما وكان متشكلا بتلك الطبيعة الاستقلالية للعراقيين . قبل ان يلتئم الجرح اليوم عاد الشارع العراقي للتعبير عن تعدديته لان الذي منعها غاب عن وجه العراق نهائيا ولم يعد ليخيف احدا. كان صدام حقا اكثر من ديكتاتور حين سحق كل حلم شعبي بالتنفس عبر انتماءاته وعبر خياراته وعبر برامجه التي لم تكن تتعارض في الاساس مع توجهات السلطة القائمة ، ولكن صدام كان يريد كل شيء في العراق بمقاييس قامته . عاد الشارع العراقي ليكوّن دفاعاته وهجومه . فهو اصلا لم يختف بعد اربع وثلاثين سنة من حكم طاغية بث الاهوال في البنى الاجتماعية العراقية موقفا كل حركة ولو خيرة من اجل البلاد والعباد . وبعودة الشارع يتبين حجم الصراخ والحنين الى صراخ اكثر . لم يكن العراقيون بكما ولا صما كانوا يتحايلون على الخوف المفرز عليهم من قبل الطاغية اما بقبول الواقع دون التواطؤ معه او بالخروج من العراق حتى بلغ عدد العراقيين في الخارج في حدود الخمسة ملايين وهو رقم كان يمكن له ان يتعاظم اكثر لو بقي صدام حسين في السلطة لمدة اطول من تلك التي حكم بها وهي على كل حال سوف تذكر بانها اقسى المراحل واكثرها عنفا ودموية على الصعيد الداخلي ، والخارجي ايضا . وبتحرك الشارع العراقي عادت الروح للنبرة التي تأسست على محاربة المخاطر ومواجهة الاحتمالات المستقبلية الخبيثة . ولهذا نزل العراقيون في صفوف منتظمة يصرخون بوجه الاميركيين الذين لم يكونوا ليفهموا النداءات العراقية مما اضطر الى كتابة شعارات التظاهرات باللغة الانكليزية كي يعلم الاميركيون انهم المقصودون وان تلك التظاهرات ضدهم . لم يخش العراقيون السلاح الاميركي ولا رصاصه الذي سكبه في الموصل ليقتل ويجرح اكثر من مائة .. اذ بعد عودة الروح يصبح كل شيء له معنى ويتحول الصوت الى مخترق للحواجز فيما تشع العينان رسالة التحدي .. وهذه بداية على كل حال سوف يراها الاميركيون على حقيقتها كلما نهض الشعب العراقي من كبوته الطويلة وكلما قدر للاجيال التي عليها ان تتعرف ان التظاهرات هي ضد الاميركيين وليست لسحبهم من اجل تأييد بالقوة لصدام حسين كما كان يحصل . للذين لايعرفون الشارع العراقي نقول لهم اقرأوا الشاعر العظيم محمد مهدي الجواهري ستكتشفون تاريخ العراق على حقيقته . الجواهري اعظم من ارّخ عبر اشعاره تفاصيل الحلم العراقي الوطني والقومي والاستقلالي وغيره ، ولسوف يبعث العراقيون في حركة غدهم وما بعده المطلع الرائع لاحدى قصائد الجواهري بقوله (باق واعمار الطغاة قصار) . الوطن العمانية