عزيزي رئيس التحرير اطلعت على مقال عنوانه (دعاة لا معلمون) لصاحبه حمزة قبلان المزيني نشر في العدد (921) يوم الثلاثاء 6 صفر 1424ه ورأيت في هذا المقال ما احزنني كثيرا وهذه ملاحظاتي الى صاحب المقال: ابدأ بقولك (ان احد الانشطة التي صارت في مقدمة اهتمام كثير من المؤسسات والافراد ما يسمى ب(الدعوة)..). واقول اعلم ان الانسان بطبعه دعوي فاما ان يدعو الى الخير، او الى الشر او الى امر مباح. قال الله عز وجل (ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين) (فصلت: 33). (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (يوسف: 108). اما قولك (واتسع الأمر حتى وصل الى ان يكتب على فاتورة الكهرباء شعار يقول (الدعوة الى الله علم وعمل ووسيلة). اقول: ما الذي يحزنك في هذا؟ اليست قضيتك التي كتبت عنها هي سبب تدني مستوى التعليم، ودعاة لا معلمون؟ فما علاقة التعليم بالكهرباء؟ لو وضع على الفاتورة امرأة فاتنة: او ممثل او مغن بارز كما نرى عبر الفضائيات اكنت مبادرا الى كتابة مقال وتسميته مثلا (شياطين لا مصابيح) وهل ستذكر ان ذلك سبب في تدني مستوى التعليم؟ وهل ستدون في مقالك قوله تعالى (والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما) (النساء: 27). اما قولك (اصبحنا محاطين ب(الدعوة) و(الدعاة) من كل جانب...). اقول: عليك ان تقول اصبحت محاطا ولا تقحم الاخرين فانه بفضل الله الخير باق في امته صلى الله عليه وسلم الى يوم القيامة. ماذا اصنع لضيق صدرك بالدعوة الى الله، او ربط الامور به؟ ماذا اصنع بنفرة القلوب وجفائها؟ ماذا اصنع اذا لم يشرح الله صدرك بذلك. قال تعالى (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) (الأنعام: 125). اما قولك: (ويكاد الملاحظ يصل الى نتيجة مفادها ان هذه النشاطات تنظر الينا كأننا لسنا مجتمعا مسلما بالفطرة او نرى ان الاسلام الذي نحن عليه ليس (اسلاما كافيا)...). اقول: هذا رد عليك وعلى جميع ما جاء في مقالك فلأننا مسلمون قمنا بواجب الدعوة، ولاننا مؤمنون امتثلنا امر ربنا (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) (الذاريات: 55). وقال سبحانه (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران: 104). واما اننا مجتمع مسلم بالفطرة فتوجيه ذلك: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود الا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه) فالفطرة سليمة، ولكن يرد اليها من الضلالات والغوايات والفتن ما يخرج هذه الفطرة عما فطرت عليه من معرفة ربها وانقيادها وطاعتها له. فكانت الدعوة الى الله وبشتى الطرق وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي الحصن الحصين لبقاء هذه الفطرة على سلامتها والمحافظة عليها من كل دخيل ومن كل متربص بها. واما قولك: (ذلك مع ان كثيرا من هذه النشاطات لا يتضمن الا تكرارا فهي تدور على موضوعات محددة اشهرها: الموت/ والحجاب...). فأقول: اولا/ هناك مواضيع تطرق لها الدعاة غير ما ذكرت وارجع الى المكتبات واقرأ وتأمل ما تحتويه وما تزخر به وارجع الى اشرطة الكاسيت واستمع وتدبر والحظ واحسب مواضيعها. ثانيا/ الم تطلع على قوله عليه الصلاة والسلام (بلغوا عني ولو آية) (اتقوا النار ولو بشق تمرة) فالحديث عن الحجاب والموت وغير ذلك مما تراه تكرارا هو من التبليغ واتقاء النار، وفرصة لمن لم يجد ما يبلغ به خارج هذه الموضوعات او من لم تسمح له قدراته او ظروفه بالخروج عن ذلك ان يمتثل ويشارك بقدر استطاعته ويعد فردا فاعلا داخل اسرة المجتمع. ثالثا/ الأمة مجتمعة تمثل بناء كاملا وعطاء واسعا، فهذا يدعو الى الحجاب وذلك يذكر بالموت ودار الحساب والجزاء، وآخر يدعو الى بناء الفرد المسلم وهناك من يدعو لاصلاح الاسر، وغيره لاصلاح الاقتصاد ومثله في السياسة، وشؤون الدولة ورعاية افراد المجتمع والمحافظة على امن وامان البلاد وتلاحم الراعي والرعية، والسمع والطاعة بالمعروف، وكشف خبث الاعداء ومخططاتهم، والرد على المارقين والمتطاولين على الله ورسوله وكتابه ودينه الحق، واسكات اهل الزيغ والضلال والفساد بالحجة البالغة والدليل القاطع... هكذا كل يؤدي دوره بما يستطيعه وفي حدود طاقاته وامكانياته.. وبهذا تحقق مفهوم الدعوة الى الله. رابعا/ مع يقيننا ان الاسلام يرعى شؤون دولة الاسلام في اي مكان وفي كل زمان بقدرة متناهية ينفرد بها في شتى شؤون الحياة الساسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والسلوكية والاخلاقية مع هذا كله اقول: وما يدريك لو ان داعية تطرق لهذه المواضيع لانبرى اناس وقالوا: لم تقحمون الدين في كل شيء؟ اما قولك: اذ ينشغل كثير منهم عن تدريس المواد التي يكلفون بتدريسها ب(الدعوة الى الله). اقول فمردود من اوجه: اولا: كلمة كثير ما مصدرك لهذه الكثرة؟ هل طفت بجميع المدارس ودخلت جميع الفصول والتقيت بجميع الطلاب؟ وهل عملت استبيانا موثقا على ما تدعيه. ثانيا: اعجب انك لم تذكر ما يجحف بالوظيفة التعليمية الا الدعوة الى الله والصحيح ان الدعوة الى الله من خلال واثناء الدرس وقبل وبعد الدرس مما يحفظ حق الوظيفة. سبحان الله اين انت من دعاة الشر والفتنة واغراء الشباب؟ أين انت من وسائل الانحراف وأبواق اللهو وادوات السهر ودواعي الخمول والكسل. ثالثا: من المعين بعد الله على التفكير والتدبر وابراز اللطائف واظهار خفايا هذا الكون واسراره للنشء والشباب غير معلمي الخير لاسيما ان التدبر والتفكر هنا عبادة لله؟ وموضوعاتها تدرس في مادة العلوم وما يتعلق بالفلك والكون وغيرها. قال تعالى: (ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) (آل عمران: 190). فمن يبرز مثلا خلق الانسان وأطوار الجنين والزهرة والنبته، والشمس والقمر، والليل والنهار وربطها بالآيات الكريمات وحكمة خلق الانسان (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) (الذاريات: 56). ولزومها في حق كل مسلم ومسلمة في عملك وفي نومك ويقظتك وفي مأكلك ومشربك وجميع شأنك. اما قولك في شأن الطاقة (ان الطاقة لا تفنى...) وهي صياغة تدل على نقص الفقه، ذلك ان من يؤمن بان الله هو خالق الكون لايجد تعارضا بين الايمان...). فأقول معلقا فقط على انكارك اضافة (باذن الله) وانه نقص في الفقه وغير ذلك: أترى الله حينما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله) (الكهف: 23). احدث تعارضا بين الايمان ولفظ المشيئة او نقصا في فقه رسوله عليه الصلاة والسلام وفي حكايته عن الذبيح اسماعيل عليه السلام (افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين) (الصافات: 102). او لما كرر قوله في معجزاته لعيسى عليه السلام (واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وتبرئ الأكمه والأبرص باذني واذ تخرج الموتى باذني) (المائدة: من الآية 110) فما قولك بقوله تعالى (باذني) بل وتكرارها. اما قولك: (فقد اصبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية فلا تدرس مادة اللغة الانجليزية مثلا لذاتها بل لتكون وسيلة للدعوة الى الله...). اقول سبحان الله! وما الضير في ذلك؟ ماذا تقول لما تسمع ماهو اعظم في كتاب الله حينما يقول جلا جلاله (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (الأنعام: 162) اترى من عوامل تدهور التعليم ربط العبد بربه؟ وهل ترى من عوامل الارتقاء بالتعليم فك هذا الرباط وربطه باوجه اخرى كربطه بوجه الوظيفة وبوجه الوطن وايجاد العمل الدنيوي دون ترجمان او من اجل ان يشار الى قدراته وفهمه وذكائه او تحت اي مقصد او مشجع الا الله سبحانه وتعالى؟ الا تعلم ان المسلم لما يقصد بكل عمل يقوم به وجه الله يكون أدعى للاجادة والفهم والاخلاص والمثابرة والمتابعة والحرص على ان يلم بما يحيط بهذا العمل تحصيلا وبحثا وتنقيبا. وبهذا المقصد الكريم يتجنب كل طريق ملتو كالغش او الرشوة او التزوير؟؟ لماذا؟ لأنه لله، وان الله مطلع عليه وانه سبحانه طيب لا يقبل الا طيبا وحقق مفهوم العبادة (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) (الذاريات: 56). ختاما اود ان اذكرك بانك دعيت الى الله ووجهت للدعوة اليه بلا قصد منك منذ ايامك الاولى من ولادتك، عن طريق والديك جزاهما الله خيرا حينما سمياك حمزة: حيث هذا الاسم يذكر ، والتذكير نوع من انواع الدعوة بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرنا بالشهادة في سبيل الله ويذكرنا بجبل احد وغزوته. فهل ستعتب على والديك بهذه التسمية الطيبة؟ وهل ستراهما (دعاة لا آباء) وهل ستلجأ الى تغيير اسمك ان كان يزعجك موضوع الدعوة الى الله؟ هذه بعض الردود التي حاولت ان اوجزها في الرد على فقرات وردت في المقال. وما تركته من الرد والاستدلال والنقاش قد يكون اكثر مما اوردته. وارجو ان ينفع الله بذلك. والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله. علي بن دخيل العودة الهفوف المعهد العلمي