يقول الله تعالى في كتابه الكريم : (إنما كان قولَ المؤمنين إذا دُعوا إلى الله و رسوله ليحكمَ بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون . ومَنْ يطع الله ورسولَه ويخشَ اللهَ و يتقْهِ فأولئك هم الفائزون) (االنور 51، 52)، ويقول سبحانه : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرَجًا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء 65). إذن؛ فهذا محك عظيم يستبين من خلاله صدق المؤمن مع ربه عز وجل ورسوله الكريم "صلى الله عليه وسلم"، ومن ثم عندما يقول لنا حبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم : (المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) (صحيح ابن حبان ، وصححه الألباني)؛ عندما يقول لنا ذلك فهو الصدق وهو الحق، ومن ثم فمَنْ يسخر من حقيقة (أن المرأة عورة) فهو على شفا منزلق خطير في عقيدته ودينه، ولا معنى لما يتردد عل ألسنة بعض النساء من مذيعات و مقدمات برامج في بعض القنوات المشبوهة؛ لا معنى لقولهن إن مَنْ يقول ذلك يحقّر من شأن المرأة وينظر إليها جسدًا فقط، ناسيات أو متناسيات أن قائل هذه العبارة الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى "صلى الله عليه وسلم" . وهذا الفهم المقيت عجيب لأن الله سبحانه لا يشرع شيئا إلا لحكمة، علمها مَنْ علمها وجهلها مَنْ جهلها، وكل ما شرعه الله وأمر به الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم" فيما يخص المرأة فهو خير وصون لها، فكيف بالأفهام المعطوبة والقلوب المريضة أن تقلب الأمر وتدّعي أن هذا شر للمرأة وعبودية لها وصغار؟! ولأن المرأة عورة؛ فقد شرع لها الله ما يحفظها من الأذى ويحقق لها الاحترام والتوقير في المجتمع، وكذلك يحفظ للمجتمع عفته وطهره وعدم إفسادها فيه، وذلك بفرضه سبحانه الحجاب على النساء، فالحجاب أولا وقبل كل شيء هو عبادة تتعبد بها المرأة ربها، يندرج تحت الحكمة من خلق الله لنا في هذا الكون (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات 56)، ولكن ليس كل حجاب عبادة، فالحجاب الشرعي له مواصفات وشروط حتى تحقق المرأة عبودية الله فيه؛ فيجب أن يكون سميكًا غير شفاف، وألا يكون زينة في نفسه كأن يكون ذا ألوان جذابة تلفت النظر، ولا يكون ضيقا، ولا لباس شهرة، ولا معطرًا، ولا يشبه لباس الرجل، وأن يكون ساترًا لجميع البدن بما في ذلك الوجه، علمًا بأن الذين أباحوا كشف الوجه من العلماء مع كون قولهم مرجوحًا قيدوه بالأمن من الفتنة، وإذا لم يكن زمننا هذا زمن الفتنة فأي زمن هو؟!! وإن من أشد وأعظم أسباب الفتنة المرأة، وصدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (صحيح ابن حبان ، وصححه الألباني)، وإن مما يؤسف له ويحزن أن نرى هذا التراجع المتدرج السريع في الحفاظ على الحجاب الشرعي، فقد أصبحت كثيرات من النساء كاسيات عاريات، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (وقد فسر قوله: «كاسيات عاريات» بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية، وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها؛ أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، مثل عجيزتها وساعدها، ونحو ذلك. وإنما كسوة المرأة ما يسترها، فلا يبدي جسمها، ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعا). وإذا كانت المرأة مأمورة بالحجاب فالرجل مأمور أيضًا بحفظ رعيته وأهله، ومن ثم فهو مطالَب أيضًا بالحرص على حجاب أهله، فإن فرّط ولي أمر المرأة في ذلك وتخلى عن مسؤوليته هذه، ثم أتى مَنْ يحتسب على المرأة مخالفتها للحجاب والملبس المحتشم؛ فلا حق له ولا لها في الاعتراض والشكوى. ومن ثم فليس من الصواب ما أوردته الكاتبة نبيلة حسنى محجوب في مقالها (تفعيل الأمر بغض البصر) بجريدة المدينة، الأربعاء 3ربيع الآخر1434ه من مغالطات بيّنة؛ إذ تقول: (في مجتمعنا، لا تتحرك المرأة إلا بموافقة لولي الأمر، فهي لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا تعمل إلا بموافقته، ومع ذلك يتخطى بعض المحتسبين سلطة ولي المرأة ويذهبون إليها في مكان عملها وأكل رزقها لمضايقتها بملاحظاتهم على عباءتها وغطاء رأسها، ولون عينيها! ألا يكون هذا خروجًا ولو عن غير قصد عن التوجيه الرباني للمؤمنين بغض البصر. كيف استطاع هذا المحتسب وغيره ممن ينظرون إلى النساء معرفة كل هذه التفاصيل في لباس المرأة فيرى أن وجهها بدون نقاب، وأن خصلات شعرها تمردت على الخمار، وأن ما تلون به وجهها من زينة ظاهرة حرام، وأن عباءتها ملونة أو ضيقة أو مفتوحة؟! كل هذه الأسئلة تدور في رؤوسنا جميعًا وتدعم حيرتنا بين ما هو واجب وفرض ديني على كل رجل جاهل أو متعلم، محتسب أو عالم، الالتزام بالأمر الإلهي (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) وبين ما يحدث كل يوم وفي كل مكان!)(انتهى الاقتباس). فأما أن المراة لا تتحرك إلا بموافقة ولي الأمر فهذا غير صحيح، وإلا ما هذه الأعداد المهولة من النساء والفتيات يتزاحمن في الأسواق إلى وقت متأخر من الليل، وكثيرات منهن ليس لهن حاجة بالسوق، ولسن برفقة أحد من الرجال؟! والرسول "صلى الله عليه وسلم" ينهانا عن الأسواق إلا لحاجة (أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) (صحيح مسلم)؛ فإن لم يكن هذا إلا بإذن ولي الأمر كما تزعمين فالمصيبة أعظم. أما أن يتخطى بعض المحتسبين سلطة ولي أمر المرأة، فنعم، يحق له ذلك، والله سبحانه يقول: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ويقيمون الصلاة. ويؤتون الزكاة. ويطيعون الله ورسوله. أولئك سيرحمهم الله . إن الله عزيز حكيم)(التوبة71). فلو أن ولي أمر المرأة لم يفرّط في حفاظه على حشمتها وحجابها، ما تعرضت لتنبيه المحتسب، ثم إنها في مكان عام ((مختلط)) كما أردتم ودعوتم وهي مرئية للعيان وليست بمختفية، ومن ثم كل إنسان يرى عباءتها وغطاء رأسها، وكذلك لون عينيها إذا كانت حاسرة الوجه أو منتقبة حوّلت النقاب باتساع فتحتيه وزينة عينيها إلى مصدر للفتنة، فهل هذا ذنبها هي أم ذنب رجل الهيئة؟! أمّا كيف يرى أن وجهها بدون نقاب... فهذا سؤال فكاهي! وكذلك (خصلات شعرها التي تمردت على الخمار) فهي ذنبها هي وليس ذنب مَنْ نظر إليها! أما الزينة التي تلون بها وجهها من زينة ظاهرة ، والعباءة الملونة أو الضيقة أو المفتوحة، فلا تحتاج عدسة مكبرة لمعرفة ذلك فيها. والأعجب أن نتهم رجال الهيئة ونؤاخذهم بأنهم لا يغضون البصر، والصدق أن ما تطالبين به رجال الهيئة هنا ليس (غض البصر) بل ((غض النظر)) والتجاوز عن هذه المخالفات التي تؤذي النساء الأخريات قبل الرجال، وإلام سيقودنا ويصل بنا مسلسل ((غض النظر))؟! ثم لماذا لم تذكري الآية التي تليها؟، فقد ذكرتِ فقط قوله تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) (النور30) ، ولم تذكري بقية الآية ولا التي تليها، فالله سبحانه يقول: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلى ما ظهر منها وليضربن بخُمرهن على جيوبهن ...)(النور 30، 31)، فهل غض البصر مقصور على الرجال، أم أن المرأة أيضا مأمورة بغض البصر، وعدم إبداء زينتها، وإنه لمغزى عظيم أن يقرن الله سبحانه في آية واحدة بين الأمر بغض النظر وحفظ الفروج وعدم إبداء الزينة لغير المحارم، والحفاظ على الحجاب؛ ويقول الرسول "صلى الله عليه وسلم": (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء((صحيح مسلم)؛ فكيف بعد هذا نجد من ينادي بغض النظر عن مخالفات النساء في حجابهن وقد أمِرنَ كما أمِر الرجال في الآية السابقة؟! ثم من أين أتى التعميم بقولك (جميعا) إذ تقولين : (كل هذه الأسئلة تدور في رؤوسنا جميعًا وتدعم حيرتنا)، فلا والله ليس هذا هو الذي يدور في رأسي ورؤوس نسبة عظمى من النساء ، بل الذي يدور في رؤوسنا هو ما هذا التجرؤ على الحجاب الشرعي وما هذه المهازل التي نراها في الأسواق والأماكن العامة مما يغضب الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم" و يغضب كل مؤمن شريف يغار لحرمات الله أن تنتهك؟! وأنا أربأ بك أن تكوني من الدعاة إلى ذلك ، والخوف أن يعمنا الله بعذاب من عنده بسبب ما تجترؤه فئة في المجتمع، فالمصيبة إذا طمّت عمّت، ونبرأ إلى الله مما نرى من منكرات عليها بعض النساء، وأنا هنا أناشد الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ أن يوسّع من صلاحيات رجال الهيئة، ويوسع مجال عملهم ليشمل كل الأسواق والأماكن العامة، حيث إن هناك بعض الأسواق والمطاعم خاصة لا يدخلها رجال الهيئة وفيها ما فيها من المنكرات ، ووالله إن الخرق لفي اتساع، وإن لم نتداركه فستكون عاقبته وخيمة، والله سبحانه يحذرنا بقوله: (وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (محمد38). إنما ميّز الله سبحانه هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ يقول سبحانه: (لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. لبئس ما كانوا يفعلون) (المائدة 78،79)، فطوبي لنا بهذا التميز وهذه النعمة العظيمة، ويا للخسار والهوان إذا تنازلنا عن هذا التميز، والله سبحانه يقول : (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب. ذلك بأن الله لم يكُ مغيّرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) (الأنفال 52،53). [email protected]