ياصالح.. هانحن بعدكم نتشبث بمواقعنا الذاهبة بنا الى غروب الوقت, وفي ايادينا مناديل لم نتمكن من التلويح بها لمن غادرنا او من ضمها الى صدورنا الراجفة بعد غيابهم. نتمسك بالخربشات الصغيرة وبالاثر اللاذع في خفقات الفؤاد وبما تمكنت الذاكرة من تثبيته فينا من صورهم او من ضحكاتهم او خطواتهم المديدة. مضوا قبل ان نصطحبهم الى موائد الوداع الحميم ودون ان نقبلهم بحنان اللمسة الاخيرة ودون ان يطمئنوا على ماخلفوه لنا من ازمنة وامكنة واحصنة ووصايا خبأوا بياضها لنا واحتفظوا باسرارها معهم. هكذا يذهب القريبون من القلب الى بارئهم ومنهم من خلف لنا مجاز الشعر كله اوسر السرد مباحا بيننا او جرأة المصارحة معلقة على الجدران او من ترك مفتاح المقدرة على حمل هموم الوطن لما لا يعد من السنين. ابصرهم يمضون عبدالعزيز مشري وعبدالله باهيثم في جدة وعبدالله بامحرز في غابات كينيا وسيد علي العوامي بين نخيل القطيف واقربهم الى جرح الاعماق صالح العزاز الذي مضى بين عرار نجد. لقد تبقى لكل منهم صوته الذي لا ينسى وسحنته التي لا تغيب ويبقى لصالح العزاز كل ذلك محفوفا بابتسامة صادقة ونقية يمكن لها لو امطرت ان تغسل احزان الصحراء ولهاث البحر. استقبلته ذات مساء من صيف عام 76م حين زار الجريدة باحثا عن استاذ الاجيال محمد العلي وقد شدني اليه اعتداد مبكر بالذات لشاب لم يزل على مقاعد المرحلة الثانوية ولفت انتباهي في ما لاحظته من انهمام صادق بشؤون الوطن غير ان ابتسامته ووداعته كانتا بابا يصله بكل كائن منذ اول حديث. كبرنا ولم يكبر الزمن وانشغلنا ببناء مدن فاضلة على الورق واستمتعنا بالقليل الذي اصبناه مثلما احتملنا مشقة دفع الضرائب المستحقة كغيرنا من البشر الطيبين. انشغل صالح ببهجة اعداد صفحة ثقافية اجتماعية متميزة في جريدة (اليوم) ولعل اسمها كان (مرافئ) بالتعاون مع صديق اخر ثم تطور عمله الصحفي في الجريدة حتى عام 81م حين غاب وغاب اخرون معه عنها. وبعد تلك المرحلة الصعبة انشغلت انا بالشعر والكتابة ولكن صالح انطلق ليدون ما كان يخشى انزلاق من ثياب الذاكرة فتفرد في الرسم بعيون الكاميرا. وبالقبض على نبض شعرية الاشياء والمواسم والقسمات فامسك بربيع الصحراء وتشكلاتها وعشق عبق تراث الجنادرية وسجل لوحة 6 نوفمبر ورسم ملامح الطفولة وفوانيس البيوت الطينية العتيقة. لقد ترك صالح لنا ديوانا ضخما من الرسم بالضوء لا يشبه الا صورته واحلامه وشفافيته وصدقة وحبه للناس والوطن. نسأل الله له الرحمة ولنا الصبر والسلوان.