لو عاد الزمن الى الوراء لاختار سعيد غدران الوجهة التي اتجه اليها والطريق التي سلكها ولبدأ - مثلما بدأ صغيرا - طريق التجارة ولرأى فيها - مثلما رأى دائما - لذة الكسب واثبات الوجود وتحسين الواقع والقفز فوق الاحباطات. منذ نعومة اظفاره باع سعيد غدران واشترى.. كسب وخسر، وجالس كبار التجار ورأى وسمع وتعلم واختزن تجارب كثيرة وخبرات متنوعة، ساعدته كثيرا حين قرر الاستقالة من عمله الحكومي واحتراف التجارة واقتحام عالم المال والاعمال. في قرية حقه - وهي قرية صغيرة من قرى غامد - ولد سعيد غدران.. والده هو شيخ القرية واهلها يعملون بالزراعة وينتجون الحبوب والفواكه والخضر. في مجالس والده تعلم سعيد غدران القيم العربية الاصيلة التي سار عليها طوال حياته وكانت هي القنديل الذي اضاء له الدرب وانار له الطريق واعانه على تحقيق النجاح والسعي نحو التميز وتجاوز الخسارة العارضة والنهوض من جديد لتحقيق مكسب جديد. مات ابوه وهو لايزال في السابعة من عمره، ثم لحقت امه بأبيه بعد اشهر قليلة، فالتحق الفتى الصغير بكتاب القرية وتعلم ما تيسر من القرآن، وما تيسر من مبادئ القراءة والحساب حتى اذا بلغ التاسعة من عمره وجد نفسه مسئولا عن العائلة وان عليه ان يودع مرحلة الطفولة ويدخل - مبكرا - الى عالم الرجال، ليعمل ويكسب وينفق على عائلته ويشق طريقه في الحياة. الى الطائفومكة قرر الصبي الصغير ان يرحل حاملا معه آمالا كبارا، وطموحات لاتنتهي واصرارا على التفوق، واثبات الوجود، ورغبة عارمة في العمل، وتحقيق الذات في مكةالمكرمة. بدأ حياته العملية في بيع الاجهزة الكهربائية ثم عمل سعيد غدران موظفا في وزارة المالية ويتدرج في وظائفها ليصل الى وظيفة مراقب الحسابات ثم يقرر فجأة ان يترك الوظيفة الحكومية ويعود الى التجارة لفترة ليست قصيرة بدا قرار سعيد غدران بترك الوظيفة والتضحية بالراتب الكبير والمركز الاجتماعي غريبا.. صدمت الخطوة اقاربه والمحيطين به، ولكنه كان قد حزم امره واستفتى قلبه واستجاب لنداء عاطفته فسافر الى المنطقة الشرقية يحركه حب التجارة واحساسه الداخلي بأنها طريقه الى النجاح وانها ستكون مركز ثقل تجاريا وستشهد انتعاشا كبيرا لاتخطئه العين. في اول عهده بالتجارة، ساعده رجل من كبار رجال بلجرشي يتاجر ويصدر ويستورد من الحبشة والسودان، ورجل آخر في جدة يملك محلا كبيرا ولكنه بعد ذلك لم يشارك احدا ولم يدخل في صفقات مزدوجة.. ابتعد عن مشكلات الشراكة. بدأ سعيد غدران تجارته بالمواد الغذائية، فهي تجارة استراتيجية يتعامل معها الجميع ولايستغنى عنها احد ثم انطلق منها ليطرق مجالات متعددة وليدلي بدلوه في ميادين شتى من بينها الزراعة والتجارة والصناعة والتقنيات الحديثة. ساهم سعيد غدران في عدد كبير من المشروعات الاساسية المهمة، التي شهدتها المنطقة مثل مصانع الاسمنت والكهرباء والغاز وانشأ مدارس التدريب المهني، التي ساهمت مع ارامكو السعودية في تخريج آلاف الفنيين من الشباب السعودي.. كما كانت له اسهاماته. في النقل البحري والنقل الجماعي وبناء المستودعات والبنوك والتجهيزات البتروكيماوية مع ارامكو السعودية وتأسيس الشركات والفندقة وغيرها من المشروعات. ويرى سعيد غدران ان الثروة البشرية تظل دائما هي الثروة الابقى والاستثمار الاهم.. كما ان الثروة البشرية هي محور التنمية وهدفها، وهي مفتاح التطور وركيزة النهضة، واهتمام الدولة بتأهيلها هو الذي ساعدها على الاسهام بفعالية في سباق التطور الحضاري الذي تخوضه بلادنا على مختلف المسارات. كما يرى ان الرعيل الاول من رجال الاعمال هم الذين تحملوا مسئولية تمهيد الطريق لمن جاء بعدهم.. هم الذين اخذوا بأيديهم وساعدوهم وفتحوا امامهم آفاقا جديدة للتطوير والابداع. ويعلي سعيد غدران من قيمة العمل، فهو يعمل من اجل العمل نفسه ومن اجل رضا الله والنفس وعلى الانسان ان يسعى وليس عليه ادراك النجاح، وان مالا يدرك كله لايترك كله. ويتعلم سعيد غدران من الفشل ويكتسب من التجارب غير الناجحة قدرة متجددة على الصمود ومواصلة الرحلة والقفز فوق الاحباطات. ويحرص على ان يعمل اولاده معه في التجارة ويعطيهم من خبراته وتجاربه ما يساعدهم على النجاح والتميز لتستمر رحلة العطاء للوطن الغالي.