ناقش خبراء دوليون ومحليون وضع المؤسسات غير الربحية في المملكة وأساليب تطويرها وتحويل أنشطتها إلى عمل مؤسسي يعتمد على البحث العلمي والدراسات المؤصلة في ورشة عمل عقدت أمس الاول في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالتعاون مع مؤسسة عبدالرحمن الراجحي وعائلته الخيرية. وتضمنت الورشة التي تستمر يومين عدة مواضيع أهمها: أهمية الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية، بناء مجالس الإدارة الفعالة، أفضل الممارسات في القطاع غير الربحي، تحسين الفاعلية في القطاع غير الربحي، تصنيف المؤسسات الخيرية: التحديات والمتطلبات، ودور العمل الخيري في السياسة الاجتماعية في المملكة المتحدة، ودور الجامعات في تنمية القطاع غير الربحي. وأوصت الورشة أن بناء قطاع غير ربحي بأداء متميز يحتاج إلى التحول إلى مفهوم «المستثمرين» بدلا من المانحين، والابتعاد عن التركيز على إتاحة الخدمات، التحول عن تقييم الجمعيات الخيرية بناء على الأنشطة إلى تقييمها وفقا للنتائج، وتبني منهج التركيز على المخرجات، كما دعت الورشة إلى الاستفادة من أخطاء الدول المتقدمة واعتبرت قطاع الأعمال الخيرية في الولاياتالمتحدة دليلاً استرشادياً ممتازاً لما لا يجب فعله. تعاظم دور المؤسسات وذكر د. سهل عبدالجواد وكيل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في افتتاح الورشة -التي حضرها عدد كبير من المانحين والخبراء والمتخصصين والمهتمين بهذا النوع من المؤسسات من خارج وداخل المملكة والتي شهدت حضورا نسائيا لافتا- أن دور المنظمات الخيرية وغير الربحية والمدنية تعاظم عبر العالم خلال العقدين الأخيرين حيث أكدت حضورها ومشاركتها محليا وإقليميا ودوليا في مختلف قضايا التنمية والعمل الإنساني ما جعل هذه المنظمات شريكا استراتيجيا للحكومات والمنظمات، وازدادت المطالبة بمساءلتها من طرف أصحاب المصلحة من مانحين وحكومات ورأي عام وإعلام ومستفيدين أيضا. وأضاف أن هذه المرحلة شهدت نشاطا واسعا في اتجاه إيجاد الأطر المرجعية التي ينبغي الاستناد إليها في مساءلة منظمات المجتمع، ومن المسالك التي أخذتها هذه الأطر برامج بناء القدرات المتخصصة التي تتطلبها أغلب الجهات المانحة والموجهة لتعزيز قدرات شركائها من هذه المنظمات بما يسهم في إنجاح برامج الشراكة. وأوضح ان القطاع الخيري وغير الربحي السعودي يشهد نفس التحولات ويواجه نفس التحديات المتعلقة بالمساءلة مما يتطلب منه أن يكون شفافا ومسؤولا وقادرا على ضمان جودة الخدمات التي تقدمها للمستفيدين منه. وبين أن العمل الخيري السعودي يشهد توسعا كميا متزايدا من خلال زيادة عدد الجمعيات الخيرية والذي يربو على 1200 جمعية خيرية ومكتبا تعاونيا، وتوسعا كيفيا من خلال توجه المؤسسات المانحة والجمعيات إلى مفهوم بناء القدرات وتطوير الاداء، وقال انه بالرغم من جهود الحكومة إلا أن المأمول من مؤسسات المجتمع ومنظماته وأفراده أن يكونوا شركاء في عملية التنمية في كافة ميادينها وفي مقدمتها التنمية الاجتماعية، كما أن الشراكة بين الجهد الحكومي وجهود الخدمات الخيرية العاملة في الميدان يبعث على التفاؤل بقدرتها على الاستجابة إلى متطلبات الانتقال بهذا العمل من تقديم المساعدات لمستحقيها إلى التنمية الاجتماعية للأفراد والمجتمعات بمفهومها الشامل. تطوير القطاع الخيري من جانبه ذكر بدر بن عبدالرحمن الراجحي عضو مجلس أمناء مؤسسة عبدالرحمن الراجحي وعائلته الخيرية أن المؤسسة تسعد بأن تكون شريكا استراتيجيا في «ورشة عمل إدارة المؤسسات غير الربحية» مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وفق خطة زمنية مقدارها خمس سنوات للمشاركة في تطوير القطاع الخيري ببلادنا المملكة العربية السعودية. وأضاف أن العمل الخيري يعد عبادة وقربة لله تعالى، ويعتبر تطويره وتنمية أفراده والعناية بموارده البشرية واجبا شرعيا يصبح أكثر إلزاما في ظل المتغيرات وتسارع الأدوات والوسائل ما يحتم مواكبتها ومسابقتها. وأوضح أن مؤسسة عبدالرحمن الراجحي وعائلته الخيرية مؤسسة مانحة تعمل في المنطقة الشرقية لا تدخل في التنفيذ وتعمل بتخصص وتركيز وتطبق مفاهيم العمل المؤسسي المنظم وبناء التحالفات والشراكات مع جميع القطاعات منطلقة من أهدافها الاستراتيجية بعد إجراء دراسات ومفاوضات عميقة تقدم عبر شركائنا والمشاريع ذات الحاجة الماسة والأثر الأكبر، وزاد أن المؤسسة تهتم بكافة شرائح المجتمع من قياديي العمل الخيري وتولي برامج المرأة اهتماما كبيرا وعناية خاصة ولها مساهمات متعددة في هذا المجال منها تخصيص كرسي للمرأة السعودية وتقديم عدد من البرامج التطويرية. البحث العلمي وأكد الدكتور سالم الديني رئيس اللجنة العلمية للورشة أن البحث العلمي والدراسات المؤصلة أصبحت شرطا لازما وعملا يجب أن يسبق كل مشروع خيري أو عمل إنساني مهما كان حجمه مبينا أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تتابع التحولات التي تواجه القطاع غير الربحي السعودي انطلاقا من واجباتها في خدمة المجتمع كمؤسسة جامعية، وأوضح أن الجامعة قامت بالعديد من المبادرات والشراكات النوعية المبنية على الدراسات وأفضل الممارسات العالمية فيما يتعلق بخدمة المجتمع. وقال إن العمل الخيري كأي نشاط اجتماعي يتأثر ببقية النظم والأنشطة الاجتماعية الأخرى في إطار البناء الاجتماعي العام الذي يمارس فيه النشاط، وزاد أن تطور الحياة الاجتماعية وانتقال الأنشطة الإنسانية من مرحلة التلقائية والبساطة إلى مرحلة التنظيم والمؤسسية جعل من اللازم أن تمارس الاعمال في دائرة المؤسسات والتنظيم المبني على التخطيط الذي يحتاج بدوره إلى المعرفة العلمية والمعلومات الدقيقة، وأضاف أن الأديان السماوية جميعا أوصت بالعمل الخيري ولكنه لدى المسلمين أوسع وأشمل بناء على شمولية الشريعة الإسلامية، لافتا إلى سبق المملكة في دعم العمل الخيري منذ تأسيسها. نتائج الشراكة وذكر أن الجامعة تعمل مع مؤسسة عبدالرحمن الراجحي وعائلته الخيرية إلى بناء قدرات القطاع الخيري لتمكينه من خدمة الصالح العام موضحا أن الشراكة أثمرت دراسة تحليلية لواقع المنظمات والجمعيات والمؤسسات وتحديد الأولويات التي ينبغي العمل عليها ومن ثم عقد ورشة عمل سنوية تهدف إلى تعزيز قدرات القطاع الخيري وغير الربحي في المملكة من خلال مناقشة عدد من المحاور تحت مسمى إدارة المؤسسات غير الربحية يدعى لها الخبراء والمتخصصون والمهتمون بهذا النوع من المؤسسات من خارج وداخل المملكة. وتضمن برنامج ورشة المؤسسات غير الربحية محاضرة الدكتور باتريك روني أستاذ الاقتصاد بجامعة إنديانا استعرض فيها دور الجامعات في نمو القطاع غير الربحي، وناقش تاريخ البرامج الجامعية في العمل الخيري، وتناول بالدراسة الخدمات التي توفرها الجامعات للقطاع غير الربحي مثل إعداد الكوادر البشرية، توليد البيانات وإنتاج الأبحاث، والتأثير في السياسة العامة والآراء العامة، كما ناقش التحديات التي تواجه تقديم هذه الخدمات والحلول المبتكرة. وقدم مارتن بيرت مؤسس ورئيس مجلس الإدارة مؤسسة البارغواي الخيرية رئيس كبار الموظفين لدى رئيس الباراغواي محاضرة عن مفهوم الأعمال الاجتماعية، فيما تحدث هارفارد وليام ريان المحاضر في معهد جون كينيدي لشئون الحوكمة بجامعة عن مجالس الإدارة الفاعلة. وناقش جيم غيبونز الرئيس التنفيذي لشركة جوجودويل إندستريز الدولية كيف أدارت مؤسسته شركة اجتماعية معقدة وكيف يمكن للشركات الاستفادة من فلسفة تركيز المؤسسات على العملاء مع تحملها لرسالة اجتماعية في ذات الوقت. وفي محاضرة أخرى لمارتن بيرت تناول فيها القضايا التنظيمية التي تؤثر على قدرة المؤسسات غير الربحية على تحقيق الأهداف والغايات الاجتماعية بنجاح. وتحت عنوان تحسين الفاعلية في القطاع غير الربحي قدم الدكتور ابهيجيت فيناياك بانيرجي أستاذ مؤسسة فورد الدولية في الاقتصاد في معهد ماساشوتس للتقنية محاضرة بين فيها أن هناك ثلاثة أجزاء لازمة للتأكد من برامج عمل المؤسسة غير الربحية يتسم بالجودة اللازمة وهي تقييم الاحتياجات بشكل مناسب، والتخطيط لإجراء تقييم أثر لنسخة تجريبية محدودة من البرنامج لمعرفة، وتوسيع النطاق. واستعرضت محاضرة الدكتور جون موهان نائب مدير مركز أبحاث القطاع الثالث في جامعة ساوثامبتون دور وخصائص القطاع الثالث في المملكة المتحدة ومساهمته في السياسة الاجتماعية. وتحت عنوان «تصنيف المؤسسات الخيرية: التحديات والمتطلبات» قدم روبرت بينا مستشار المنح ومقاييس الأداء مستكشف الأعمال الخيرية محاضرة أوضح فيها أن القطاع الخيري ينمو في جميع بقاع الأرض، مشيرا الى السؤال الذي اصبح يتردد بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم من قبل الحكومات والمؤسسات والأفراد هو كيف يمكننا التأكد من أن المال الذي نتبرع به سوف يحقق أهدافه؟ بسبب الازمة الاقتصادية العالمية. أولويات الاحتياج واستعرض وليام رايان في محاضرة أخرى له قصص نجاح لإدارات المؤسسات غير الربحية التي استطاعت تغيير نفسها بنجاح, فيما ناقش معز الشهدي المؤسس والرئيس التنفيذي لبنوك الطعام والشفاء، والكساء المصرية كيف قادهم إيمانهم بأنه حيثما تواجدت مشكلة تواجدت فرص إلى إنشاء البنوك المصرية الثلاثة استجابة لأولويات الاحتياج الرئيسية الثلاثة في المجتمع المصري: الغذاء، الرعاية الصحية، والكساء. واختتم روبرت بينا الورشة بمحاضرة بعنوان «المخرجات: لماذا؟ لماذا الآن؟ وكيف؟» ذكر فيها أن أداء المؤسسات الخيرية أصبحت محور المناقشات الدائرة في جميع أنحاء العالم. وأضاف أنه عندما تفكر المملكة العربية السعودية في اعتماد هذا المنهج وتطبيقه على قطاع الأعمال الخيرية الموجود بالمملكة، فسوف يكون لديها فرصة التعلم من الأخطاء التي ارتكبتها بلاد أخرى، ويقدم تاريخ قطاع الأعمال الخيرية في الولاياتالمتحدة دليلاً استرشادياً ممتازاً لما لا يجب فعله، وهناك أخطاء يمكن لقطاع المؤسسات السعودية غير الحكومية التعلم منها. وبين أنه من أجل نجاح قطاع المؤسسات السعودية غير الحكومية يجب تبني خمسة تحولات فكرية هي: التحرك باتجاه مفهوم الاستثمار الاجتماعي، التحول إلى مفهوم «المستثمرين» بدلا من المانحين، الابتعاد عن التركيز على إتاحة الخدمات، والاتجاه نحو الاستثمار في التغيير، التحول عن تقييم الجمعيات الخيرية بناء على الأنشطة إلى تقييمها وفقا للنتائج، وتبني منهج التركيز على المخرجات وهو منهج يدعو لتحديد أهداف محددة واضحة المعالم كنقطة انطلاق لأي برنامج، ويوفر هذا المسار أساسا متينا لمواصلة تطوير قطاع المؤسسات السعودية غير الحكومية.