«الخارجية»: موقف المملكة من قيام الدولة الفلسطينية راسخ وثابت ولا يتزعزع    الدوسري لجيسوس: «ليش طلعتني؟»    الرياض تحتضن «بطولة المملكة المفتوحة» للكيك بوكسينغ.. غداً    طلاب وطالبات جامعة الملك سعود يُتوجون بالبطولة التنشيطية للبادل    تعويض المعلمين المتقاعدين عن الإجازات الصيفية    ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطوير التعاون    محادثات بين الشرع وأردوغان لتعزيز العلاقات والتعاون الدفاعي    الاقتصاد السعودي.. أداء قوي واستدامة مالية    السماح للشركات الأجنبية الخاصة ب«الطلب» بنقل الركاب    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    ولي العهد والرئيس الألماني يبحثان تعزيز العلاقات بين البلدين    طرح تذاكر كلاسيكو الأهلي والنصر    في ختام الجولة 20 من" يلو".. الباطن يواجه النجمة.. والجندل في ضيافة العربي    واشنطن تضغط على إيران لمنعها من «النووي»    أسترالي يصطحب صندوق قمامة في نزهة    انتحار طبيب هرباً من نفقة أطفاله    محافظ جدة يطلع على جهود جودة الحياة    بعد احتشاد 20 ألفًا في حفل التوقيع… «خوف» تخطف الأضواء بمعرض القاهرة للكتاب    أخضر تحت 20 عاماً يواصل الإعداد للآسيوية    جريمة دهس تهز لبنان.. العنف يغتال حياة عشريني    بيئة حيوية    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    10 % من مشاهير التواصل مصابون بالانفصام    الشوكولاتة الداكنة تخفض مستوى الكوليسترول    استعراض إنجازات لجنة السلامة المرورية أمام محمد بن ناصر    واشنطن: تعهدات تعلق "الرسوم" على المكسيك وكندا    مترو الرياض.. وإعادة تشكيل الهوية    9 تنبؤات لأكبر اختراقات بحثية لعام 2025    مجلس الوزراء يشيد باجتماع الحوار الاستراتيجي بين المملكة واليابان    إسبانيا تعتزم خفض عدد ساعات العمل الأسبوعي    نورة الجربوع: العمل الفني ترجمة للمشاعر في مساحات اللون    أزياؤنا إرث وتاريخ حضاري    حايل تراه الحل وكلمة جميلة    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    ترمب: معادن أوكرانية نادرة "ضمانة" المساعدات    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    فهد بن نافل: صافرات الاستهجان لا تمثل جماهيرنا ولا تمثل الهلال ولا تخدم النادي    6 مناطق الأقل ممارسة للألعاب الشعبية    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    علاج السرطان بتقنية cytokinogenetic therapy    رؤساء أمريكا وأزمات المراقبة الجوّية    السعودية تقود المسار.. وسوريا تبدأ صفحة جديدة    666% نموا بدعم مربي النحل وإنتاج العسل    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    الكويت: مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل «الداخلية» و«الدفاع»    تطبيع البشر    بئر بروطة    جدة: القبض على وافد روّج «الشبو»    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    نائب أمير تبوك يتسلم تقرير أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    وفاة المهندس أحمد العيسى بعد رحلة عطاء والعناية بمساجد الطرق بالمملكة    تحديث بيانات مقدمي خدمات الإفطار بالمسجد النبوي خلال شهر رمضان المبارك 1446ه    «911» يتلقى (2.606.704) اتصالات خلال يناير    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حسن البريكي: اوروبا تعتبرنا رعاة جمال ومهووسي شهوة
نشر في اليوم يوم 21 - 11 - 2002

الدكتور حسن البريكي شخصية سعودية ذات حس وطني. درس علم الجراحة في ألمانيا يوم لم تكن في مملكتنا كلية طب، هو ومجموعة من أبناء الوطن. ثم عاد ليحقق المكاسب له وللوطن. ولأن البريكي شخصية متعددة الاهتمامات طالب بنوعية أسئلة تخرج عن نطاق التقليدية.. فحملنا ما بجعبتنا من أسئلة تدور فيهما فلك اهتماماته وحاورناه في مجمعه الطبي على مدى ساعتين من الزمن.. حاولنا فيهما استفزازه، لكنه فهم مغزى أسئلتنا واستفز في بدء طرح الأسئلة عليه، لكنه عند الرد كان هادئاً.. لم يتقبل وصفنا له بالشخص السوداوي، ولا بالشخص الذي تؤثر فيه المحن سلباً. حاولنا نبش كل ما في عالمه، وإخراجه من صومعة المهنة إلى صومعة الفكر، واختار أن يقدم للمجتمع رسائله من خلال هذا الحوار.. فإلى الثمرة ندعوكم قراءنا.
مكاسب
@ ما آخر المكاسب التي حققها الدكتور حسن البريكي؟
* إذا كان القصد من المكاسب النمو العلمي والثقافي والنفسي فهذه لا تنقطع أبداً. ذلك أن الحياة نهر متدفق، وهي كل يوم في شأن. إنها أشبه ما تكون بكتاب لا نهاية له، فما أن تقلب صفحة حتى تتبدى لك صفحة أخرى.. فيها من الألوان والظلال والمعاني، وفيها من التجارب والآلام والأفراح. من هنا أنا كل يوم في مكسب، وكل ما أرجوه من المولى أن يديم علينا الصحة.
رحلة علمية
@ تلقيت تعليمك في ألمانيا فهل يمكن أن تحدثنا عن هذه الفترة من حياتك؟
* سبق أن كتبت في (اليوم) مقالا ً بعنوان (على مشارف التقاعد) قبل عدة سنوات، وفيه عرضت بشيء من التفصيل إلى هذا الموضوع. ذهبت مع دفعة الطلاب المبتعثين في أواخر عام 1961م إلى ألمانيا. وقتها لم تكن في المملكة كلية طب، فاخترت ألمانيا لهذا الغرض. تعرضنا إلى ما يشبه الصدمة الحضارية، منا من تحملها ومنا من لم يفعل. ولنتذكر أننا كنا في ريعان الشباب، وهو ما أعطانا شيئاً من المرونة والانفتاح ساعدنا على عبور التجربة.. فاللغة جديدة، والعمارة جديدة والعادات جديدة، والمناخ جديد، وهي أمور وظروف لم نألفها، لكن جميع هذه العقبات سرعان ما أخذت في التلاشي، وحصل التكييف. غير اننا أدركنا بعد وقت غير طويل كم هي قوية هويتنا. وقد زاد اكتشافنا لهويتنا تعرضنا لمفارقات الثقافة الأوروبية. فحين اكتشفنا مجموعة (الكليشيهات) السائدة عنا في أوروبا التي تختزلنا إلى رعاة جمال ومهووسي شهوة، لا نعرف غير تعدد النساء وغير المشي عراة الأقدام على الرمال، وغير مفهوم الحريم، ورقص (هز البطن) أدركنا مقدار التشويه التاريخي الذي نتعرض له. بهذه المناسبة أقول: إننا من باب الدفاع عن النفس والهوية، أخذنا نقرأ، ونتدارس ونشارك في المناقشات، وصار لدينا دوافع أكثر لمزيد من التعرف على حضارتنا وقيمنا. ولقد خرجت شخصياً بانطباع إن العرب والمسلمين يظلون عصيين على الذوبان في ثقافة الغرب، وإن كان هذا لا يعني الانغلاق على النفس أو التقليل من شأن الإنجازات التي حققتها البشرية مهما تعددت مناهلها. فالحكمة تظل في بنيتنا الدينية والحضارية ضالتنا، ننشدها أينما كانت وتكون.
مستشفيات ألمانيا
@ مارست الطب في مستشفيات ألمانيا لسنوات من حياتك مع مجموعة من زملائك في الدراسة والمهنة هل يمكن أن تعطينا فكرة عن هذه الفترة من حياتك ؟
* نعم مارست مهنة الطب في ألمانيا، ولكنها ممارسة تمت في سياق تدريب ما يمكن أن ندعوه الدراسات العليا. وبدون إطالة، فان التدريب كان يتم تحت إشراف أطباء وأساتذة لهم خبرة وباع طويل.. كل في ميدانه. في هذا السياق أود الإشارة إلى مكانة الاطباء في عيون الألمان. فهم يتمتعون بمكانة واحترام، كما أن الأطباء أنفسهم يحرصون أشد الحرص على التضامن مع بعضهم البعض. ومما يؤخذ على هذا النظام التضامني بين الأطباء ما يحصل أحياناً من تضامن في تغطية أخطاء الزملاء. وهذا طبعاً عمل غير أخلاقي لأنه يتم على حساب المرضى؛ وأحسب أن حجة الأطباء هناك في هذا المسلك هي المحافظة على الثقة بين الطبيب والمريض، ولذا فإن التستر أفضل من الكشف كما يتوهم بعضهم. في حالات نادرة كنا نسمع عن رفع قضايا ضد الأخطاء الطبية، ولكنها قليلة جداً بالنسبة لما هو معروف في الولايات المتحدة.
أصدقاء
@ من هم أصدقاء رحلتك الدراسية؟ وهل مازلت تتواصل معهم.. ويتواصلون معك؟
* اتاحت فرص الابتعاث للطلاب السعوديين فرصة التلاقي والتآلف. فهم أدركوا أنهم فروع نبتة واحدة، وزاد من تآلفهم وجودهم في بلد غريب، والغريب للغريب نسيب كما يقول المثل السائد. زيدي على ذلك روح الشباب ومرونته، واختفاء أي نعرات أو أضغان في جيل ذاك الزمان. هكذا نشأت صداقات وعلاقات دائمة.. ما زلنا إلى اليوم نرعاها. وزملاؤنا في مدينة الرياض يحتفون بهذه العلاقة إلى اليوم عن طريق (الدوريات) التي تتم بينهم بانتظام، لكنها في الشرقية آخذة في التلاشي مع الآسف.
د. يوسف الجندان
@ الدكتور يوسف الجندان كان زميلا لسنوات دراستك في ألمانيا فهل ما زالت الروابط الاجتماعية بينكم موصولة؟ وهل يمكن أن تحدثنا عن شيء حول هذه الزمالة؟
* الدكتور يوسف الجندان زميل وصديق عريق. والروابط الاجتماعية بيننا ظلت متصلة إلى اليوم، لكن الحياة وما يطرأ عليها من تغير في الأدوار تقلص الفرص لاستمرارية هذه الروابط بمعنى تواصل الزيارة أو المهاتفة. فالرجل يحمل أعباء كبارا في مسئوليته كمدير لجامعة، وأنا الآخر غرقت في همومي مع مجمع العيادات. ويظل الأمل معقوداً على خروج كلينا من هذه المعمعة، ربما عندها تتولد الحاجة لدينا ثانية لمعاودة ذكريات الماضي والتسلي معاً فيما سيبقى لنا من أيام. الدكتور يوسف بالمناسبة يعتبرني أخاه الأكبر سناً، وهو يبالغ ليوحي لنفسه أنه رمز الشباب الدائم.
بيئة التأثير
@ أنت ابن البيئة القطيفية التي كانت فيما مضى تعج بالمثقفين والمفكرين فهل أثرت هذه البيئة في بناء وصقل شخصيتك ؟وهل كانت لك أفكار تختلف عن أفكار النخبة التي تكبرك في السن آن ذلك؟
* إن كان القصد من سؤالك (حشريا) في البيئة القطيفية فان هذا لا ينطبق علي إلا في سنوات الطفولة واليفاعة. ومع أني احب القطيف وأهلها، فأني أحب بالمقابل كل أهل بلدي في المملكة، بل كل العرب والمسلمين، بل كل العالم الإنساني. في الطفولة واليفاعة يلتقط الطفل أساسيات تكوينه. هذا حق، غير أنّ النظر إلى حياة الإنسان ينبغي أن يتم بمنظور تطوره المتواصل. وهو يظل يتطور حتى آخر يوم من حياته. فيما يمكن أن أعتبره بداية النهضة في القطيف، فيمكن اعتباري منتسباً إلى جيلها الثالث. بدأت النهضة على أيدي أناس مختلفين، لكن أبرزهم في نظري الأساتذة والشيوخ من بيت الجشي والخنيزي والبريكي وخالد الفرج. وتلقف الجيل اللاحق الشعلة فظهرت أسماء جديدة منغمسة في الكشف عن العالم الجديد، لكنها مؤسسة تأسيسا تراثياً عالياً.
ومن بين هؤلاء الأستاذ الشيخ عبد الحميد الخطي، الأستاذ عبد الله الجشي، محمد سعيد الجشي، محمد سعيد المسلم، محمد سعيد الخنيزي، عبدالواحد الخنيزي على سبيل المثال لا الحصر. أما جيلنا فلم يتمكن من المواصلة على المنوال نفسه، إذ جاء البترول و جاءت الحياة الحديثة، وانقلبت الأمور سافلها عاليها وعاليها سافلها، وكنت أنا من بين أعضاء هذا الجيل. كل همنا التطلع إلى لقمة العيش وإلى الغرف ما أمكن من الفرص المتاحة. وقد تأثرت أنا شخصيا من إشعاعات الجيل الثاني لا بمعنى زيادة المعرفة، ولكن بمعنى التحفيز. وإذا كانت هذه المرحلة قد وضعت الأساس فأن المرحلة التي تلتها وهي العمل في ارامكو قد زجتني في عالم العصر الحديث شأني شأن غيري بكل ما تنطوي عليه تلك الكلمة من أبعاد. بهذا المعنى اعتقد أنني مخضرم. أخذت من ثقافتنا التقليدية الوجدان والانتماء للدين والوطن، وأخذت من الثقافة الحديثة.. المنهج والتعليم والمهنة والتوجه إلى المستقبل.
جيل النخبة
@ أنتم رجال النخبة الموجودة في المملكة.. ما مهمتكم في المجتمعات ؟وهل تعتقد أن النخبة تمر الآن بمرحلة الجفاف واليأس؟
* من طبيعة الأشياء أن تكون حظوظ الناس من المعرفة والمواهب متفاوتة. وقد أعتبر المتميزين في هذه الميادين اصطلاحاً من طبقة النخبة. غير أن النخبة بمعناها العصري غير مقتصرة على الرجال، فهي تنتظم الرجال والنساء، وتستمد قواها من كل فئات المجتمع. هناك حالياً حركة ديناميكية ملموسة يشترك فيها الكبار والصغار النساء والرجال، وجهودها تصب جميعاً في حركة التنمية. إذن، فاختفاء أسماء بعينها لا يعني اختفاء حركة التقدم. ربما يلزمنا أن نُكيف تفكيرنا لتقبل إن المجتمع المدني هو المعهد الأكبر للإنجاز الحضاري، بهذا المعنى تصبح النخبة بالمفهوم التقليدي جزءاً من هذا التيار وليست قائدته حصراً. التحديات الحديثة في هذا الزمان هي من التشعب والتخصص بحيث لا يمكن أن تلقى على أكتاف النخبة بالمفهوم التقليدي.
ومن من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم مصطلح النخبة لم يدرك هذه المتغيرات بعد، لابد أن يدرك بعد فوات الأوان - إن استمر في المنهج القديم - إن حالة الفشل والجفاف، قد يجري التعويض عن كل ذلك بالتعالي الفارغ، لكن ذلك لن يجدي نفعاً فإن لكل زمان دولة ورجال ونساء.
تدريس
@ هل دَرست الطب في جامعة الملك فيصل.. وهل يؤدي تدريس الطب في جامعات المملكة إلى تخريج طبيب مهني مبدع وموهوب في مجال عمله، أم أنها تخرج أطباء لمجرد ملء الفراغ الوظيفي (بمعنى أنها تخرج الأطباء كما تخرج المعلمين)؟
* فئة الأطباء المتخرجين في كلية الطب جامعة الملك فيصل وسواها من كلياتنا الطبية، هم في الواقع مفخرة لهذا البلد. وبحكم عملي سابقاً في كلية الطب عضو هيئة تدريس، فإنني أعتبر خريجينا وخريجاتنا في كليات الطب هم المقياس الذهبي الذي أقيس به من سواهم من حيث التأسيس العلمي، والتكريس والطموح والنزاهة. الأطباء عندنا يتفردون بأنهم وحدهم في بلادنا على حسب علمي من يحرص على اعتبار أنفسهم تلاميذ دائمين. فهم يؤسسون النوادي العلمية المهنية، وهم يقيمون الندوات والملتقيات العلمية وهم الذين يقفون على مستجدات العلم في ميادينهم أكثر من غيرهم أنا متحيّز لخريجي كلياتنا أتمنى أن أصادف مثل هذا الطموح للتعليم المتواصل عند مهندسينا ومحامينا وكتابنا وعند سواهم من أصحاب المهن والتخصصات. اننا جميعا لابد أن نتأقلم على عصر الانفجار المعرفي، عندي تحفظ وحيد على الأطباء الذين تغريهم المناصب الإدارية فينغمسون بها لدرجة إن ما يبقى لهم من الطب هو شهادتهم التي سيكون عفى عليها الزمن بعد حين.
تأهيل طبي
@ هل هناك في رأيك تأهيل أكاديمي مهني صحيح للأطباء؟
* نعم هناك تأهيل مهني صحيح لأطبائنا. ولكن كل خشيتي أن بعضاً من أعضاء هيئة التدريس السعوديين بدأوا ينجرفون نحو العمل الخاص، وبدأت المستشفيات الجامعية وكليات الطب تعاني هذا النزف، وبدأت تحولات في اتجاه إهمال الطلاب. وقد أدخلت الدولة أنظمة جديدة تقنن العمل خارج الدوام بقصد الحد من هذه الظاهرة. إلى أيّ حد ستنجح في ذلك لا أدري. القصة أن المغريات المادية في بلدنا لها تأثير بالغ على سلوكياتنا. إن أكبر تهديد لمستقبلنا هو أن يختزل وجودنا في الركض وراء المادة. أنه ظلما بحق كياننا الحضاري، ظلم بحق إنسانيتنا إلى أمة عريقة، في حضارتها وتراثها وهو تهديد لنسيجنا الاجتماعي.
تهمة
@ يتهم البريكي بأنه رجل وجل وحذر ويتحسس، ويخاف من عرض أفكاره للآخرين ما سبب هذا الوجل والخوف؟
* صفات الوجل والحذر والتحسس والخوف تصاغ في هذا السؤال كأحكام قيمة. إنها تأتي منتزعة من سياقها العام الاجتماعي والثقافي. وقد درج البعض في فرض منظور التهم على الآخرين لا بالإقناع بل بإصدار أحكام القيمة، وهي من أساليب الابتزاز والغوغائية. أعترف بأن لي تجربتي وأنني لا أندفع في أمر إلا متى وجدت نفسي منسجما مع قناعتي. كل مشاركة لا تأتي من الداخل - من ضمير صادق، مآلها أن تتبخر وتتلاشى كفقاعات صابون، ولمن يشاء أن يقول ما يشاء.
تقاعد
@ تقاعدك المبكر من جامعة الملك فيصل لماذا. هل تقاعدت بسبب السن أم لأسباب أخرى ماهي ؟ هل تعتقد أن هناك ظلما واقعا على الجراحين.. وهل يكفي الراتب التقاعدي لرجل مثلك له التزاماته المهنية والأسرية والمجتمعية ؟
* تمّت إحالتي على التقاعد بعد وصولي الى السن القانونية للتقاعد.
ما بقي من سؤالك حول ما إذا كان راتبي التقاعدي كافيا لمستلزماتي المهنية والأسرية والمجتمعية، فأقول لك أن مكافأة التقاعد تحسب على ضوء سنوات الخدمة. ولأن الدولة لم تعتبر لنا فترة الدراسة في ألمانيا فترة خدمة وهي فترة قربت من 15 عاماً، فقد تقلصت فترة الخدمة إلى 16 عاماً. أمّا إذا شئت ِأن تعرفي بالأرقام راتبي التقاعدي فهو 7500 ريال و5 هللات، وعليكِ أن تحسبي كيف يمكن أن أوفي بمستلزماتي.
بعد التقاعد اضطررت إلى العودة إلى العمل لتعويض هذا النقص، ومع أنني خسرت الكثير، إذ تقلص وقتي وزادت التزاماتي العملية، إلا أنني مرتاح في عملي الجديد، وأريد أن أذكر المخضرمين والشيوخ: لا تكفوا عن العمل ذي المعنى ولا النشاط، فإن البطالة هي موت الأحياء.
نظرة سوداوية
@ يقال إن الدكتور حسن صارت نظرته للحياة سوداوية، وصارت هذه النظرة أسلوبا وطريقة ينتهجها في ممارسته حياته اليومية فهل حادثة ابنك غسان والحوادث الأخرى التي مرت بك سبب في نظرتك السوداوية للأمور وللحياة؟
* بخلاف ما يشاع عن تخفيف الفرد في زماننا المعاصر من قيود سابقة كان يرسف فيها، نلاحظ حالة مريعة من تقزم واختزال للفرد إزاء المؤسسات. في زمن العولمة -المؤسسات الكبيرة سواء ما كان منها في الاقتصاد والمال أو الاعلام والصحافة.. إلخ أصبحت السجن الكبير. الفرد ضمن هذه المؤسسات موظف في أحسن الأحوال وترس في آلة كبيرة كما هو واقع الحال. استمراره مرتبط بتقيده وتكيفه لمتطلبات هذه الآلة الجبارة. من هذا المنطلق فأن ما يقوم به الفرد لا يزيد ولا ينقص عن إلغاء لوجوده.
أي مثقف جدير بهذه التسمية يعرف الآن مدى عجزه وهو لابد أن يعاني حالة اكتئاب وجودي لكن للحياة ضروراتها، وهو في النهاية لابد أن ينخرط في كوميديا العملية الثقافية أو سواها، لأن عنده عيالا ينتظرون رغيف الخبز على مائدتهم، ولأن العالم الافتراضي للأعلام يمنحه التعويض الكافي عن دوره الأصلي بدور فيه وهج الشهرة والبروز، لكنه في نظري دور زائف. هذه النظرة- سمها ما شئتِ.. سوداوية.. منكفئة انهزامية.. الخ لكِ الحرية في رأيكِ. أما فيما يتعلق بحادث ابني، فقد خرجت منه والحمد لله بإحساس بالظفر لا بالهزيمة. أما إذا كان المعيار للسوداوية هو البقاء حبيس شعارات مرحلة سابقة، فأنا أبعد ما أكون عن ذلك. الحق أقول أنني محظوظ بمهنتي كطبيب، إذ أجد أن نشاطي في هذا الميدان مع البشر من لحم ودم هو الذي يغذيني بالمعنى ويجعلني أطلب من المولى الكريم الصحة والقوة لأواصل السير. أنا حسب ما يعرفني كل من عرفني - محب للناس، مشجع للمواهب، ومتفائل دوماً.
تجمع النخبة
@ كنت سببا لتجمع نخبة المثقفين.. ثم انقطعت عن النخب المثقفة الجديدة ولم تتواصل معها هل لديك موقف عدائي من الحداثة ؟
* الأمر ليس كما يقول المثل: ما في البلد غير ها الولد. القافلة تسير والأمة غنية بمواهبها وعقولها. ومن قال ان التاريخ يبدأ وينتهي بفلان وعلاّن؟!. المشاركة الثقافية موجودة ونشطة قبلي وهي موجودة ونشطة بعدي. ما أنا إلا قطرة في محيط عظيم. (لا تشخصنوا) الأمور يا سادة. اللهم إلا إذا كان غرض السؤال اصطيادي في فخ النرجسية والغرور.
هذه البلاد غريبها ووسطها و شرقيها وجنوبها وشمالها غنية بإنجازات رجالها ونسائها. أما موقفي من الحداثة، فنظرتي إليها مختصرة في تنمية الإنسان العربي والمسلم بما يخدم أمته ومستقبله الإنتاجي و الإبداعي والروحي.. أما إذا أصبحت الحداثة مختزلة في شعر تهويمى مطلسم غير إيقاعي، مفتوح لكل عابر سبيل من طلاب الشهرة، ومنتسبي الشلل الانتهازية، فأنا نعم في واد وهي في واد آخر.
كتاب
@ ما أهم كتاب قرأته خلال هذا العام.. وما فكرته؟
* قرأت هذا العام يا سيدتي كتاب (تحول القوة) لِ الفرد توفلرً. وفكرته أن القوة في التاريخ مرت بثلاث مراحل :العنف والثروة والمعرفة. وأن القوة الحقيقة في عصرنا هذا هي قوة المعرفة - ماذا تقدر أن تفعل دولة بثروات كامنة في أرضها وهي لا تعرف عنها ولا تقدر على استخراجها؟المعرفة هي التي تقدم الجديد وهي التي تكسب الأسواق وهي التي تستبق خططها الفعلية بمعلومات وافرة مؤكدة تضمن لها السبق في السلم والحرب. السؤال الآن :ماذا فعلنا لندخل مضمار المعرفة في رأيي أن اكثر بلداننا عراقة في ميدان المعرفة لم تصل إلى ما وصلت إليه ألمانيا أو إنجلترا عند نهاية القرن الثامن عشر. وأين مستوانا المعرفي والتكنولوجي من مستوى عدوتنا إسرائيل- ذلك هو السؤال الكبير؟
منتدى التنمية الخليجي
@ كنت عضوا لمنتدى التنمية الخليجي ثم انسحبت منه فهل هذا الانسحاب نتيجة لخلل في الدكتور حسن.. أم لأنه لا يريد أن يورط نفسه.. أم هو لعدم قناعتك بجدوى ما يقدمه المنتدى.. أم لأنك يئست من أن هذه الأطروحات لم تنفذ؟
* أنا مازلت عضوا في منتدى الخليج، لم أنسحب منه ومازلت أتلقى دراساته.
وهو سينعقد في البحرين في منتصف شهر يناير من العام القادم.
فأين الخلل؟ منتدى الخليج ليس حزباً بل هو منبر يتطارح فيه الحاضرون آراءهم في شتى المواضيع، وهناك اتفاق واختلاف. وتلك هي طبيعة الأشياء.
ثلاثية الحمد
@ ما تعليقك كمثقف حول ثلاثية الدكتور تركي الحمد.. وهل هي بالفعل تمثل واقع مرحلة عشتموها كطلاب في المجتمع السعودي؟
* يحزنني أن اعترف لكِ بأنني لم أقرا ثلاثية الدكتور تركي ومن هنا لا مجال لي للتعليق. وبهذه المناسبة أنا لم أقرأ في حياتي أكثر من بضع روايات. وقد كنت أتوق لليوم الذي تتاح لي الفرصة لقراءة الروايات الكلاسيكية، العالمية لكن يبدو أن هذا اليوم لن يأتي.
أمراض حرب الخليج
@ بصفتك طبيبا وجراحا تعمل في حقل الطب ما الأمراض التي تعاني منها المنطقة الشرقية؟ وهل في رأيك ظهرت أمراض لها علاقة بحرب الخليج؟
* أمراض يمكن تصنيفها إلى أمراض خِلقية، والتهابيةوسرطانية ونكوصية ورضحية (رض@جرح)، تأتي من الحوادث. وهذه جميعها متوافرة عندنا شأننا شأن البلاد الأخرى. كثير من هذه الأمراض تستدعي الجراحة كعلاج وحيد، أو علاج رديف. أما فيما يتعلق بحرب الخليج وما ترتب عليها من زيادة في الأمراض، فليس تحت أيدينا دراسات موثقة تؤيد ذلك. غير أن تلوث الجو بحريق آبار البترول في الكويت واستخدام اليورانيوم المنضب في حرب الخليج الثانية من قبل الأمريكان، مضافاً إلى ذلك تحوّل الخليج إلى بالوعة لمختلف ملوثات البيئة من مصانع أو زيوت الناقلات، أو رمي النفايات، هذه لاشك تستدعي النظر إليها بجدية والعمل على تخفيف آثارها على حاضر ومستقبل بلادنا.
إرهاب وتطرف الشباب
@ ماذا تقول للشباب الذي يورط نفسه في أعمال الإرهاب التي تحرج الوطن وتزعج المواطن وتوصم الإسلام بالتطرف والإرهاب ؟
* الإرهاب مذموم وهو فعل لا يميّز بين الجاني والبريء ولا بين الكبير والصغير. لكننا ينبغي أن نتريث.. فلا نأخذ كل ما يتحدث عنه الغرب ويصمه بالإرهاب على أنه كلام صحيح. المجاهدون الفلسطينيون تحرق بيوتهم وتيتم أسرهم وتجرف مزروعاتهم وبيوتهم، فلا يسمى ذلك إرهابا من قبل أحد. أما حين يتعرض ظفر إسرائيلي للخدش ينبري بوش وعنان ومن لف لفهم بالاحتجاج وملء الدنيا بالزعيق والنقيق -الإرهاب ظاهرة تجب دراستها بأمانة ودراسة بيئاتها ومعرفة جذور المشاكل الاجتماعية واحباطاتها وهذا جزء من مكافحة الإرهاب أما استخدام المعايير المزدوجة، فهو لن يزيد الأمر إلا تعقيداً.
نظرة قاصرة
@ كيف في رأيكم نغير النظرة الاجتماعية القاصرة لعمل المرأة في مواقع يحتاج المجتمع إلى استحداثها؟
* الطبيبة السعودية والمعلمة السعودية.. أثبتتا جدارتهما في هذه الميادين. ولا ينظر المجتمع اليوم نظرة امتعاض أو احتجاج على ذلك. لقد خلقت ممارسة المرأة لعملها بجدارة شرعية قبلها الجميع. لا يمكن أن تقصر نشاطات تغيير نظرة المجتمع لعمل المرأة على المواعظ والتثقيف العام. اعتقد أن ابلغ تأثير سيكون بتحدي قدرات المرأة بفسح المجال لها في ميادين عدة. الاتصالات، وكالات السفر والسياحة. البنوك، العمل الإعلامي، وما هذه إلا غيض من فيض مما يمكن للمرأة أن تعمل فيه.
د . حسن البريكي
مع زملاء الدراسة السعوديين في المانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.