شتان بين الروح التي صاغت مسودة قانون المطبوعات وبين الروح التي ظللت القانون الصادر مؤخرا، فالمسودة وضعها من هو معصور عصرا في الطباعة والنشر (كتبا وصحفا ومجلات) جاءوا من زمن التكبيل وزمن الأمن المزعزع الخائف فأرادوا أن يتنفسوا الهواء من بعد ما لاحت بوادر الانفراج ولمسوها لمس اليد، وضعوها من بعد ما اطلقت لهم لجنة تفعيل الميثاق العنان للأمل والحلم الجميل، انما اتي القانون ليحط بهم من اعلى عليين، فواضع القانون صاغه بناء على طلب من ترصد للكلمة ترصدا بانت فيه ملامح عدم الثقة وافتراض سوء النية المسبق، وتعامل مع العاملين في مجالها تعامل الذي ينتهج اسلوب (العين الحمرة) مع كل فسحة من الحرية اعطيت لهم! وكأن من وضعه غاظه ان ينال العاملون في المجال الاعلامي بعضا من الحقوق المنتهكة سابقا فانتقم لنفسه ايما انتقام! بهذا القانون وباختصار في الفصل السادس والسابع منه ضمن المشرع سيفا مسلطا على رقاب الكلمة وضعه مقابل الغاء مبدأ الرقابة المسبقة، فقال لنا لن أوظف شخصا يراجع الكلمة لكنني سأرفع سقف العقوبات الى الحد الذي ستدفع وحدها الى بناء رقيب ذاتي داخل عقلك يردعك من تلقاء نفسك، والا عقاب أي كلمة ممكن ان تفسر على انها (جريمة) سيكون اما الحبس أو الافلاس! فلن يجازف أي رئيس تحرير وفقا لهذا القانون بنشر أي كلمة (ممكن) ان تفسر على انها تكدير (للسلم العام) واتحدى من يعطيني حدا أو سقفا أو حتى تفسيرا متفقا عليه لمعنى (السلم العام)، ولن يجازف كذلك بنشر كلمة قد تفسر انها ضد (المصلحة العامة) او (النظام العام) تلك المصطلحات المطاطية التي يمكن أن تكون اداة في يد النائب العام الجالس في مكتبه والذي أعطاه القانون حق تحريك الدعاوى من تلقاء نفسه في المادة 80 ليمكنه ان اراد فتح تحقيق في أي وقت يشاؤه ويقدره حتى لو لم تكن هناك شكوى مرفوعة! أما العقوبات التي وضعت لتلك (الجرائم) التي وصل عددها الى ثماني عشرة تعني ببساطة الحبس وافلاس الجريدة وتسريح العاملين فيها! يعني (موت وخراب ديار!) ففي المادة رقم 75 يجوز للمحكمة ان تعطل اصدار الجريدة لمدة تصل الى ستة أشهر لو أن رئيس التحرير او المحرر ارتكب جريمة نشر فيها ما يتضمن (عيبا في حق ممثل دولة أجنبية معتمدة)!!! واذا كررها في خلال سنة فإن الغاء ترخيص الجريدة وارد! هذا بعد تغريمه أوحبسه وفقا (لجريمته). عقوبات الحبس يا جماعة في (جرائم) النشر انتهى زمنها وأصبح وجودها عار على أي قانون للمطبوعات فلم تعد الكلمة (جريمة) انما قانوننا اوصلها الى الحبس لمدة خمس سنوات دون حتى أن يعطي (المتهم) الصحفي او رئيس التحرير حق التقاضي بالدرجة الثالثة (التمييز)! ففي أي قانون يجوز هذا؟ أما ما يخص المطبوعات الاخرى فقد ابقى القانون على الرقابة المسبقة ليقرر لي مدير ادارة المطبوعات ما يجب أن يقرأه شعب البحرين بأكمله وما لا يجب، وان يقرر هو كفرد أو حتى كلجنة ما هو في الصالح العام وما هو غير مكدر للأمن العام، وفي هذا تخلف وعودة للوراء لوظيفة أصبح وجودها مضحكا بعد وجود (امازون) على سبيل المثال! من خلال تلك الأمثلة المعدودة لقانون يحمل 96 بندا يمكنكم ان تتلمسوا حجم الوصاية والرقابة والتسلط على الكلمة وعلى حرية التعبير، ولكم ان تحكموا ما اذا كان هذا القانون ينتمي لعهد الميثاق والى مبادئه السامية التي رفعت من شأن الانسان البحريني الذي هو أهل للثقة. قانون المطبوعات أحد أهم المفاصل الرئيسية في أي ممارسة ديموقراطية، ودلالات المساحة الممنوحة فيه لحرية التعبير والضمانات الممنوحة فيه للمواطنين بشكل عام وللاعلاميين والصحافيين بشكل خاص واحدة من أهم المؤشرات التي تحدد موقف الدولة من التعددية ومن الرأي الآخر، وتحدد موقف السلطة من الممارسة الديموقراطية بشتى صورها.