تناقلت وكالات الانباء خبرا طريفا، ومؤلما في الوقت نفسه عن المدمنين على تعاطي المخدرات في ماليزيا. مفاد الخبر ان اولئك المدمنين، وبسبب تشدد الدولة وصرامتها في تطبيق القوانين المكافحة للمخدرات، قد اتجهوا الى استنشاق، اعزكم الله، روث الابقار الطازج كبديل عن المخدرات. ذلك ان روث الابقار يفرز بعض الغازات كالكبريت، والتي تحقق النشوة للمدمن لدى استنشاقها مثل المخدرات تماما. وفي برنامج سيرة وانفتحت الذي تبثه قناة المستقبل اللبنانية، وكانت احدى حلقات هذا البرنامج عن ادمان المخدرات بانواعها. اتصل على البرنامج شاب جامعي في اوائل العشرينات من عمره، وينفق شهريا ما مقداره سبعمائة دولار على المادة التي تورط على ادمانها. ولما كان المبلغ كبيرا وليس من امكانات هذا الشاب ولا اسرته توفيره. سأله المذيع (زافين) عن كيفية توفير هذا المبلغ ولان الطرف الآخر كان تحت تأثير المخدر فقد حكى بصراحة مخزية ومذلة: فينا نحكي بصراحة. ايه.. فينا. بيع حالي!! والامر لا يحتاج الى تعليق بل الى تلمس فداحة الكارثة التي يبرز منها شاهدان اوقعت بهما المصادفة في الطريق. وعند كل واحد منا، ربما، حكايات اخرى تشعل الرأس شيبا وتمسك اللسان عن اكمال الكلام لفرط الهول في الاحداث الجسيمة التي تتكون من تطلبات مزاج خاسر، عفنته المخدرات، ونثرته في درك الاوحال. وعبثا تنقب عن الانسان والمشاعر الانسانية، عن السيل الدفاق والبهجة الغامرة تنبض بها عروق الحياة الحقيقية. كل هذا ذهب ادراج الرياح مع دخان سيجارة ملغومة يتصاعد. ومع بودرة يتطاير معها المخ نثارا. مع حقنة تختلط بالدم، فتلوث حياة صاحبها، وتدفعه الى الهاوية. نعمة العقل. نعمة الصحة. نعمة العلاقة الانسانية. نعمة الحرية. نعمة الاستقرار الوظيفي والعائلي والاجتماعي. نعم كثرة تزول تباعا.. تنفرط من اليد.. ولا يأبه لها المدمن اذ تنفرط وتضيع وتغادره، فقد اسلم امره لامر الجرعة تقلبه كيفما تشاء ضد انسانيته وضد اهله وضد مجتمعه. هناك من يستيقظ مبكرا. يعرف ان الطريق ذو اتجاه واحد: الهاوية. وهناك من يركب رأسه.. يقوده سلوك انتحاري غامض الى ان يستنفد عمره باكرا، في حبس طويل او في موت مؤجل. المشهد مرعب وقاتم. لكن شيئا لا يعصى على ارادة فردية تصنع المعجزات. فقط ان تكون هذه الارادة في موقع التفعيل والصحوة، وفي موقع الثقة انها قادرة.