كنت أظن أن العضل انتهى وتلاشى أو على أقل تقدير خف بالقدر الذي لا يمثل ظاهرة في مجتمعنا، لكن واقع الحال يثبت أن الأمر غير ذلك فهو موجود بشكل ملحوظ ومؤثر ذلك ما تثبته الأخبار والإحصائيات، لكن المشكلة هنا أن إحصائيات المحاكم الشرعية - فيما يتعلق بقضايا العضل - لا تعطي تصوراً واقعياً لأعداد العضل الحقيقية في المجتمع ذلك أن ما يصل للمحاكم من قضايا العضل يمثل في تقديري رأس الجبل الجليدي بسبب أن أعداداً كبيرة من الفتيات والنساء اللاتي يمنعهن وليهن من الزواج لا يتقدمن للمحاكم الشرعية لأسباب ليس أولها الخوف وليس آخرها جهلهن بالنظام وحقهن الذي يكفله الشرع. كما نجحت الحملة ضد الابتزاز أتمنى أن تتولى اللجان الخيرية والمؤسسات الاجتماعية ملف ( العضل ) وعلاجه بوضع الخطط والأساليب التي تجعل الفتيات يتواصلن معهم، ليقوموا بدور إنساني لانتشالهن من ظلم الولي ومن واقعهن البائس المرير . وضمن هذا الإطار يذكر المحامي الدكتور يوسف الجبر في عدد الجريدة الصادر في 31 أكتوبر إن مشاعر الخوف من رد فعل الأسرة تجاه قضايا دعاوى العضل بشكل خاص تقلل من أعداد الفتيات اللاتي يطالبن بحقوقهن، حيث إن استدعاءهن إلى المحاكم يمثل بعض الانقطاعات الأسرية أو يعرضهن للعنف البدني في بعض الحالات. وقد يكون السبب رغبة الفتاة في الحفاظ على تماسك أسرتها وعدم تعرض استقرارها لهزة نتيجة الدعوى القضائية. مبيناً إن هذه المطالبة حق مشروع للفتاة عندما تقع ضحية للعضل بنص الشرع والنظام. ويضيف الدكتور الجبر إن أسباب العضل تتمحور حول القناعة الفكرية الخاطئة لدى ولي أمر الفتاة بسيطرته المطلقة على جميع تصرفاتها وقراراتها ما يدفعه إلى تهميش رغباتها ومنها الرغبة في الزواج وممانعته دون مبررات واضحة، وربما يعود الأمر إلى طمعه المادي في راتبها كونها موظفة أو الانتقام من والدتها حال الانفصال بين الأبوين، ويؤكد إنه أياً كان السبب فالعضل غير مقبول شرعاً ولا نظاماً، وهو يعد من الأسباب الرئيسة لظاهرة العنوسة وله آثار سلبية في تهتك النسيج الاجتماعي وتنتج عنه مشكلات اجتماعية مؤثرة منها الانحراف وهروب الفتيات ومواقف الانتقام العائلي والعنف الأسري. وبلا شك فما ذكره المحامي الدكتور يوسف من توضيح لهذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة جدير بالتأمل والمتابعة والاهتمام. ويعجب الإنسان حين يرى أو يسمع أو يقرأ عن حالات العضل من الآباء تجاه بناتهم اللاتي جعلهن الله - عز وجل - أمانة في أعناقهم وفي الوقت الذي يمارس فيه هؤلاء الآباء - الذين نزعت الرحمة من قلوبهم - هذه الجريمة الأسرية البالغة السوء على بناتهم نجد الفتيات يصبرن رغم معاناتهن الشديدة ورغم هذا الظلم الشنيع من أقرب الناس لهن حفاظاً على تماسك الأسرة أو خوفاً من تبعات التقدم للمحكمة الشرعية وإقامة الدعوى القضائية على الولي. كم فتاة تعاني وراء جدران البيوت لا يعلم حالهن إلا الله، هذه الفتاة التي تحلم كأي فتاة أن تكون زوجة وأماً يظللها بيت سعيد وتظلل بحنانها وعطفها زوجها وأبناءها وبناتها لتصطدم بواقع مرير يبدد كل حلم، ويضيع كل أمل من أب أو أخ يمنع زواجها رغبة في المال أو الانتقام أو السيطرة الذكورية الغبية التي لا يقرها الشرع ولا يسندها النظام. صفحات المجلدات لا يمكنها وصف مشاعر الحزن والأسى التي تعيشها هؤلاء الفتيات المغلوبات على أمرهن. وقد وقعن بين نارين: نار العضل من الأولياء، ونار الخوف من عواقب التقدم بالدعوى القضائية، الأمر الذي يؤدي لمن لا تملك زمام نفسها إلى الانحراف والهروب والمشاكل الأسرية التي تنتهي بإصابتهن بالأمراض النفسية والعضوية. وكما نجحت الحملة ضد الابتزاز أتمنى أن تتولى اللجان الخيرية والمؤسسات الاجتماعية ملف ( العضل ) وعلاجه بوضع الخطط والأساليب التي تجعل الفتيات يتواصلن معهم، ليقوموا بدور إنساني لانتشالهن من ظلم الولي ومن واقعهن البائس المرير. تويتر @waleed968