عندما درسنا بعض أصول التجهيل النظامي فيما يسمى مادة الأدب والنصوص خُيّل لنا أن لا شاعرا إلا جرير، ذلك أن نخبة المؤلفين المعاصرين الذين مروا بعصور الأدب العربي كلها وشعراء العربية كلهم ، وتصفحوا المذاهب النقدية لم يرق لهم إلا أوهنها ( المعياري - الانطباعي ) الذي يفتقر للأصول والقواعد والإلمام بالحركة الأدبية ، فراحوا ينتسخون الآراء الانطباعية القاصرة والتي تقوم على الوحدانية وتهميش الآخر ، بوعي أو بدونه ، ورغم اختصاصهم بالأدب والنقد وقضاياهما إلا أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء جعل المناهج المتسلسلة - لتغطي عصور الأدب العربي تعطي للنشء صورة موضوعية ومتصالحة مع الواقع الأدبي الذي لايمكن بأسوأ تدهوراته أن يطلق الأحكام ، فوضعت المناهج وضمنت آراء قديمة تصدق على عصر وتجف في آخر دون تحديث مقارن ، لماذا ؟! لأن الأسهل أن تقول : فلان أشعر الناس ! خصوصا إن لم تجد من يطالبك بالإثبات ! فكان عندهم أشعر الشعراء جرير لأنه قال أمدح بيت قالته العرب : ==1== ألستم خير من ركب المطايا==0== ==0==وأندى العالمين بطون راح ==2== وتناسوا قول الشاعر في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم : ==1== خلقت مبرأ من كل عيب==0== ==0==كأنك قد خلقت كما تشاء ==2== ولم يكن لديهم أغزل من جرير عندما قال : ==1== إن العيون التي في طرفها حور==0== ==0==قتلننا ثم لم يحيين قتلانا ==2== ضاربين الصفح عن قول عنترة العبسي : ==1== وعشقت تقبيل السيوف لأنها==0== ==0==لمعت كبارق ثغرك المتبسم ==2== ولديهم أن جريرا قال أفخر بيت قالته العرب : ==1== أحلامنا تزن الجبال رزانة==0== ==0==ويفوق جاهلنا فعال الجهّل ==2== ولكي تبدو المسائل مقننة قيل بل الفرزدق الذي رتق الفتق فقال : ==1== أحلامنا تزن الجبال رزانة==0== ==0==وتخالنا جنا إذا ما نجهل ==2== وكأنه لم يؤرخ الأدب لعمرو بن كلثوم قوله : ==1== بأنا نورد الرايات بيضا==0== ==0==ونصدرهن حمرا قد روينا ونشرب إن وردنا الماء صفوا==0== ==0==ويشرب غيرنا كدرا وطينا ==2== وكأن التاريخ الأدبي صم عن قول أبي الطيب : ==1== أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي==0== ==0==وأسمعت كلماتي من به صمم فالخيل والليل والبيداء تعرفني==0== ==0==والسيف والرمح والقرطاس والقلم ==2== واستكمالا لحلقات المسلسلة لقّنت الأجيال أن جريرا قال أهجى بيت قالته العرب : ==1== فغض الطرف إنك من نمير==0== ==0==فلا كعبا بلغت ولا كلابا ==2== وماذا يكون هذا البيت عند كاريكاتير ابن الرومي : ==1== يقتّر عيسى على نفسه==0== ==0==فليس بباقٍ ولا خالد ولو يستطيع لتقتيره==0== ==0==تنفس من منخر واحد ==2== وكي يتربع جرير على القمة فقد درسنا يوما أنه قال أرثى بيت قالته العرب : ==1== لولا الحياء لهاجني استعبار==0== ==0==ولزرت قبرك والحبيب يزار ==2== ولم يتساءلوا :- وما المانع من الاستعبار فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى ودمعت عيناه ، وما المانع من زيارة القبر وجرير رجل ، مم الحياء ؟ ولم يروا أن نكرة من العرب قال يرثي امرأة في قصيدة يكفي تفوق أحد أبياتها على بيت جرير للتدليل على عقم المعيار والانطباع : ==1== بعيشك هل سلوتِ ؟ فإن قلبي==0== ==0==وإن جانبت أرضك غير سالي ولو كان النساء كمن فقدنا==0== ==0==لفضّلت النساء على الرجال ==2== ليس بيني وبين جرير ثأر أو عداوة بل على العكس أكن كل التقدير لشاعريته وإن لم يشعر بذلك أو يعنيه ، لكني أشعر بالمرارة والألم إزاء ثراء الأدب العربي وكنوزه التي يهمّشها ( الفش فاشيون) على مر العصور قاصدين أو جاهلين ! إن كانت قمة الأدب لا تتسع إلا لجرير ، فأين يقف باقي العمالقة ؟ وإذا كانت تلك الأبيات المنتقاة لجرير من أحد نقاد عصره الانطباعيين هي أفضل ما في العربية فما المصير المقترح لروائع الشعر العربي في كل عصوره ؟ وأخيرا إذا كان فريق من المتخصصين الضالعين في المسألة الأدبية يروجون لمثل هذه المبادئ فهل يلام الجهلة من الشلليين (الفش فاشيين ) ؟! بالطبع لا نلومهم فالأسهل أن يطلقوا الأحكام ويطالبون - إمعانا في الجهل - بمعاملة أحكامهم معاملة القرآن المنزل ،ليس اللوم، لكن دورا ما ينتظرنا ، فهل نضطلع به . قهر يزيد