تأرجح المشهد بين الكوميديا والتراجيديا.. فكأننا كنا في مسرح ونحن نتابع مباراة القمة النهائية على كأس امير الشباب العربي الراحل فيصل بن فهد يرحمه الله وكأن لاعبي الاتفاق والاهلي ممثلون جادون في تقديم عرض يضحك جزءا من المشاهدين ويبكي جزءا اخر. فبعد ان تقدم الاتفاق بهدفين في الشوط الاول وسيادة ميدانية قلنا انه قطع اكثر من نصف المشوار نحو الكأس.. لكن في مستهل الشوط الثاني حدث مالم يكن في حسبان احد عندما تراجع الاتفاق (وتباطأ) فسجل الاهلي (المسرع) ثلاثة اهداف متتالية لينقلب الوضع رأسا على عقب فصار ا لاتفاق (المبطيء يسرع) وصار الاهلي (المسرع يبطىء) لاضاعة الوقت.. انه مشهد كوميدي وتراجيدي نضحك ونبكي في آن واحد.. وعندما احرز مدفعجي الاتفاق يسري الباشا هدف التعادل الثالث في الوقت الاصلي القاتل ثم اتبعه بالهدف الذهبي فانه احيا وامات (وهذا الهدف لن ينسى على مر تاريخ هذه المسابقة) فعاد الباشا وقلب الامور مرة ثالثة رأسا على عقب لتذهب الكأس لمن يستحقها.. فالانجاز لم يأت صدفة وانما جاء عن تفوق وجدارة والا ماذا نفسر ان يفوز هذا الفريق الصاعد على فرق اندية الهلال والنصر والشباب والقادسية ثم على الاتحاد والاهلي في جدة. لقد استطاع الاتفاقيون وباقتدار ان يعيدوا سياسة الحكمة والمنطق وحب الانتماء ويقدموا فريقا بثوب جديد وان يدحضوا كل الشائعات التي وصفت فريقهم بانه يمر بفترة حمل كاذب لن يثمر عن اي ولادة ملموسة.. لكنهم قدموا دروسا بليغة للغاية في التصميم والعزيمة وقوة الارادة وعدم اليأس.. فنسفوا كل التوقعات وخيبوا كل الظنون وقلبوا كل الموازين.. وأبوا الا ان يكحلوا العيون.. ويطيلوا الاعناق.. ويثلجوا الصدور.. ويبهروا القلوب.. ويسطروا صفحة جديدة ومضيئة في تاريخ ناديهم العريق.. وهذا ليس بغريب على ناد عريق له تاريخ مجيد وبصمات مشرقة في المحافل المحلية والخليجية والعربية.. والتجارب علمتنا ان المقدمات السلمية تؤدي الى نتائج ونهايات سليمة.. فمن يلعب يحصد.. ولكل مجتهد نصيب.. فعندما تتضافر كل مقومات النجاح فلا بد أن يكون الحصاد مثمرا.. فمجلس الشرف والادارة وضعا استراتيجية تمحورت في صون المكتسبات والتمسك بالثوابت لاستعادة الهيبة والاتجاه نحو عملية التطور ومعالجة جميع المشاكل التي تقف عقبة في وجه الارتقاء فكانت البداية باعادة الرئيس الذهبي عبدالعزيز الدوسري ورغم الفترة الوجيزة لاستلامه رئاسة المجلس الجديد تجلت بصماته الادارية في دقة حساباته وصحة نهجه في طروحاته وآرائه وتوجهاته ورؤيته الثاقبة وشفافيته في التعامل وقدرته الفائقة على فهم كل الامور مستمدا نجاحاته من مشاورة زملائه في مجلس الشرف والادارة. اما المشرف العام الاداري المحنك هلال الطويرقي فلديه قدرة عجيبة.. ونقاط ارتكاز عميقة قادرة على تفعيل العمل.. والتأثير المباشر على معنويات اللاعبين وذلك بتلمس حاجاتهم ومعاناتهم.. وشحذ هممهم بتواضعه الجم وتفانيه في حب ناديه فهو رجل ادارة من طراز نادر بل هو المنبع السري لانتصارات هذا الفريق. ونأتي الى المدرب الهولندي ريز بيركن الذي تابعته كلاعب اثناء مشاركتي في تغطية احداث نهائيات كأس العالم بالمانيا عام 1974 والارجنتين عام 1978 فكان العقل المدرب للمنتخب الهولندي الذهبي ولهذا لم استغرب عندما وجدته كمدرب يملك رؤية فنية وعقلية متفتحة وقدرة على ادخال مفاهيم جديدة وفلسفات تمحورت بتقنيات عالية ونهج خططي مدروس انعكس على الاداء المنظم للاعبين والمفعم بالروح القتالية والنزعة الهجومية والاصرار على تحقيق الفوز حتى في احلك اللحظات واخيرا لابد ان نشير الى ان هذا الانتصار هو اثمن هدية للجماهير الاتفاقية الوفية التي لم تتخل عن فريقها وهو في اشد المحن فكيف سيكون الحال عليه الآن والفريق يعتلي منصة التتويج ويتوشح بباكورة بطولات هذا الموسم.