الإعلام العربي في مواجهة الإعلام الغربي والأمريكي لعبة صعبة لا يجيدها إلا المحترفون فبعد دخول الإعلام الى الحرب الباردة ليصبح ركنا أساسيا فيها كان لا بد لنا ان نفهم أبعاد هذا الدور ولذا كان لنا هذا اللقاء مع الإعلامي والكاتب السياسي اسامة عليان عن دور الإعلام العربي في هذه المعركة الإعلامية الكبرى وعن إمكانية خوض مثل هذه التجارب التاريخية وعن مقدرات الإعلام الغربي في السير بالمنظومة الإعلامية العربية في الاتجاه السليم. الرياض س: هل ساهم الإعلام العربي وما يمتلكه من تكنولوجيا وأموال في التصدي لهذه الحملات, وإعطاء صورة حقيقية للعرب والمسلمين في العالم؟ الإعلام العربي كصناعة وكما قلنا من قبل يواجه ثلاثة أنواع من التحديات أولها فقدان مناخ الحرية والتعبير وكثرة العراقيل واجهاض المعلومة او تحريفها عبر ما يسمى بالإعلام المعلب, ثانيا عدم وجود محفزات الإبداع والإبتكار الذي يؤدي الى تطوير الإعلام ومن ثم تطوير رسالته الى الجدارة والمنافسة, وبسبب ذلك دخل الى هذه الصناعة او جلب اليها كل غث وسمين من الإعلاميين, فضاعت وتلاشت مهمتها الرسالية العظيمة وغدت أداة من أدوات التسلط, وسيفا من سيوف الردع للشعوب أو الأنظمة المتناحرة, ثالثا التحدي المادي وهو من أهم المشاكل التي سدت الطريق أمام أي إبداع او تنافس إعلامي حر وفي ظل ذلك استحوذ على هذا المجال الحيوي جهات منقذة فأصبح الإعلام إعلام استرزاق ليس إلا, ولولا ذلك الدعم الذي يتلقاه من تلك الجهات لسقط ميتا بسبب خوائه وعدم قدرته على المنافسة بل وعدم وجود أسس واستراتيجيات وأهداف يسير عليها, طبعا هذا الكلام لا ينطبق على كل الإعلام العربي بل على أغلبه, وفي مقابل ذلك هناك إعلام موضوعي يكافح من أجل حرية التعبير وتجرد المعلومة والتخصص وفسح أكبر مجال من الحرية بالرغم مما يلاقيه من صنوف التشديد والتهميش والكبح, فأكسبه ذلك مصداقية لدى الجمهور المتعطش. أداء معظم المؤسسات الإعلامية الرسمية او القريبة منها, أداء لا يخدم مصلحة الشعوب ولا يخدم التنمية العامة ولا يؤدي رسالة تتكلم فيها عن حضارة هذه الأمة وقيمها للعالم الذي يريد اليوم وأكثر من أي وقت مضى كما قلنا معرفة الكثير عن العرب والمسلمين الذين ألصق بهم الإعلام الغربي عامة والأمريكي على وجه الخصوص تهمة الإرهاب والتطرف وعدم التدخل, ومع ضخامة الأحداث المتلاحقة والمروعة التي هزت العالم وما تلاها من تداعيات خطيرة على الأمة العربية والإسلامية, وقف الإعلام العربي عاجزا عن الدفاع عن قيم هذه الأمة وحضارتها وخصوصيتها, ودحض هذه الإفتراءات التي ألصقت بها ظلما, وظل الإعلام العربي في ظل هذه الظروف تائها في اللهو والترف والغناء والرقص, غارقا ومنشغلا بالإطراء والمدح وكان دوره ضئيلا لم يرق الى المستوى الذي يتطلع إليه المواطن العربي. لقد كان من واجب الإعلام العربي وما يمتلكه من أجهزة ومعدات وأموال وإعلاميين الوقوف بقوة في وجه تلك الدعاية المغرضة والحملة التشويهية وتصحيح المفاهيم والتصورات ودرء الكثير من الشبهات وإعطاء الصورة الصحيحة لهذه الأمة وتاريخها وحضارتها التي كان لها دور رائد في تاريخ الحضارة الإنسانية. س: اذا أصبح الصحفي العربي عاجزا عن ايصال الحقيقة كاملة وأصبح مقيدا بتوجهات أصحاب المؤسسات الإعلامية, فهل يمكن ان يكون للمثقف العربي دور ما؟ في الحقيقة المثقف العربي وجد نفسه في هذه الظروف محاصرا في أداء مهمته واستمرار عطائه, فأما ان يساير تلك الدوائر المسيطرة او ان يجد نفسه عاطلا, ومن أجل ذلك استسلم الكثير من المثقفين ودخلوا تحت الأجنحة مادحين أو مناورين معها ضمانا لاستمرار انتاجهم ومصدر رزقهم, وأدى بهم هذا الدور الى تجنب القضايا المحلية, ومن هنا ابتعادهم عن الجماهير شيئا فشيئا. وقد اصبح الكثير من هؤلاء المثقفين في خدمة توجهات خاصة على المستوى الاقليمي الدولي, بالاضافة الى تزييف كثير من الحقائق التي تخص القيم والتاريخ والحضارة التي تتميز بها الامة العربية, واضحوا للاسف الشديد. أدوات ترويج لأفكار وتوجهات غريبة لاتخدم مصلحة الجماهير وتطلعاتها ولكن بالرغم من هذا الوضع فهناك الكثير من المثقفين الصادقين والغيورين ممن لا تشترى ذممهم, ولا يبيعون قيمهم وحضارتهم ويعتزون بها, لا يألون جهدا من اجل الدفاع عن امتهم, على الرغم مما يواجهونه من الضغوط والحواجز التي وضعت امامهم والابواب التي سدت في وجوههم. * هل يمكن القول ان الاعلام العربي قد ادى دورا في مواجهة الهجمة الاسرائيلية امام عجز الاجهزة الاخرى عن ذلك؟ * o بلاشك قام الاعلام العربي وعلى رأسه الفضائيات العربية باداء دور فعال في فضح ممارسات الآلة العسكرية الصهيونية التي تجاوزت كل الحدود الانسانية والاخلاقية, والتي حاولت الكثير من المؤسسات الاعلامية الغربية التغاضي عنها او مارست الصمت حيالها, وكان من الايجابيات الكبرى لهذا الدور تحرك الشارع العربي لنصرة اخوانه في فلسطين, لكن الدور يبقى ضئيلا على مستوى ايصال تلك الرسالة وذلك الصوت للعالم ومخاطبته بلغته التي يفهمها, ومن هنا كانت الدولة الاسرائيلية سباقة في هذا المجال حيث حشدت كل طاقاتها عندما علمت ان المعارك تحسم في ساحات الاعلام, فخصصت مركزا اعلاميا في القدس وجهزته تكنولوجيا ووضعت فيه موظفين تحت الخدمة ل 1700 صحفي اجنبي متواجدين هناك, ويقول ارى ميكيل رئيس ذلك المركز والمتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ان قدراتنا على القتال في الحرب وهي امر اساسي تعتمد على عدم تعرضنا للانتقاد في وسائل الاعلام ومن الحكومات. * ان الحاجة ماسة اليوم الى خطاب اعلامي جديد وثقافة اعلامية جديدة وثقافة اعلامية جديدة تخاطب العالم بلغته ومنطقة, ويجدر بنا الاشادة بما حققته بعض القنوات الفضائية والمؤسسات الاعلامية الاخرى والاشادة بهذا, واعتبار ذلك نموذجا يجب ان تحتذي به بقية القنوات التي لاتزال تفضل البقاء غارقة في اللهو والترف تخاطب نفسها, وتستهتر بجمهورها ان كان لها جمهور, لكن الجهد يجب ان ينصب اليوم الى العالم الخارجي الذي يتهمنا بالارهاب والعدوان ويتربص بهذه الامة ومقدراتها, من اجل ايجاد خطاب يدعو الى الحوار الحضاري والتعاون في اطار الاحترام المتبادل والمتكافئ لشعوب المعمورة وبذلك فقط يمكن انقاذ العالم من الاعلام الارهابي الذي يمارسه الاعلام اليهودي الغربي. * من خلال تجربتكم الاعلامية الطويلة ما الدور الذي يجب ان يلعبه الاعلام في عالم تتسارع احداثه وتتغير ظروفه بين يدي العولمة؟ يجب ان يكون للاعلام دور خدمي لمجتمع قائم على اساس الصدق والموضوعية والقيم الاخلاقية منبثقا من ثقافة وحضارة مجتمعه ليرقى بعد ذلك الى مستوى القيادة ان دور الاعلامي هو مساعدة الرأي العام ليتحول الى سلطة رقابة ومحاسبة للحاكم, لا ان يتحول هو نفسه الى سلطة اذن فالسلطة التي يصنعها الاعلام هي سلطة الرأي العام ويكون الاعلام اداتها ووسيلتها وهذا دور خطير ومسئول يجب التنبه له وباحترام هذه المهمة وادائها بصدق وامانة يعظم قدر ذلك الصحفي والاعلامي في نظر جمهوره ويعلو شأنه ومن اجل ذلك كان دور الحكام دائما مناوشة هذه الصناعة ومحاولة ترويضها وتطويعها وتعطيل ادائها المذكور انفا من اجل فرض الحقيقة الرسمية على الناس لكن هذا لا يعني ان الصحفي مبرأ من الخطأ وانه يمثل الرأي العام دائما تمثيلا لانقاش فيه فالصحفي معرض دائما للخطأ والمزايدة بل ولفرض تصوراته وافكاره وقناعاته على انها رأي عام وهنا تفقد الوسيلة الاعلامية مصداقيتها فهي دائما معرضة للتلاعب من الجهات الرسمية ومن الصحفيين انفسهم. من هنا يتضح لنا ان الصحفي الذي يطالب بالحرية عليه التمتع اولا بمبادئ اساسية هي الصدق والشجاعة والموضوعية وان يكون متمسكا بقيمه وهويته مفتخرا بتراثه وحضارته وبهذه المبادئ فقط يكون ذلك الصحفي معبرا بصدق عن الرأي العام في مراقبة السلطة لكن هل اذا توفرت هذه المبادئ في ذلك الصحفي ستكون كافية لقيامه بذلك الدور المسؤول؟ الحقيقة ان هذا الصحفي المثالي يجد في طريقه في كثير من الاحيان عقبات اخرى لدى مسئولي ورؤساء الصحف الذين يمارسون في كثير من الاحيان انواع الغطرسة والكبر والغرور عندما يشعرون انهم اصبحوا يملكون قوة نفوذ وسلطة ولهذا يجب ان يكون هناك مساءلة ومحاسبة بين فريق العمل الصحفي واهم مثال على هذه المساءلة والتعاون سؤال رئيس المعهد العالي للاعلام في كندا واين كانيز عند سؤاله لعدد من الصحفيين قائلا ماذا تريدون من الحرية الاعلامية؟ هل تريدون ممارسة سلطة ونفوذ على القراء؟ ام تريدون مساعدة القراء على امتلاك سلطة ونفوذ؟ * بالرغم من وجود الكثير من الاتفاقات الاعلامية العربية سواء على هامش القمم ام على مستوى وزراء الاعلام العرب لا يوجد لتلك المعاهدات والاتفاقات تطبيق في الواقع فهل الدعوة الى ميثاق شرف اعلامي جديد ضرورية لتفعيل الاداء الاعلامي الحضاري؟ كما هو معروف فان الاعلام يعتبر من اهم وسائل ادارة الصراعات والازمات في هذا العصر وعندما يكون قائما على المبادئ والقيم الحضارية فانه يؤدي دورا فعالا في تعزيز الحوار الحضاري وعلى المستوى الداخلي فانه من انجع واهم وسائل التنمية وادواتها لانه يخاطب كل الفئات والشرائح البشرية متعلمين كانوا ام غير متعلمين صغارا وكبارا رجالا ونساء اغنياء وفقراء وله القدرة على تشكيل الرأي والتصورات والافكار فهل بدأ الاعلام العربي سواء بعد القمة العربية الاخيرة او بعد الاتفاقات الاعلامية على مستوى الوزراء العرب وميثاق الشرف العربي او على ضوء المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان او قرار الاممالمتحدة 59 - د -1, 45/76و104 او قرار اليونيسكو 304 و604 وغيرها من المعاهدات المحلية والاقليمية والدولية التي تنادي كلها بضرورة تحرير الاعلام من القيود ليؤدي دوره ورسالته بصدق وامانة والاعلام العربي على ما اظن ليس بحاجة امام هذه الاتفاقات والمعاهدات الى ميثاق شرف اخر كما يدعو اليه بعض المثقفين بل هو في حاجة الى تفعيل تلك المعاهدات ونفض الغبار عنها وهو في حاجة الى تطوير واصلاح وهذا الاصلاح لا يمكن ان يتأتى منفصلا عن اصلاح شامل في المرافق السياسية والاقتصادية للدول العربي ان الاداء الاعلامي العربي وبالرغم مما حققه من تقدم لا يمكن اغفاله لايزال يعاني فقدان الهوية والاساس الثقافي الذي يمكنه من اداء رسالته ويخرجه من التقليد العشوائي لحضارة الغرب في غثها وسمينها. * الا ترون ان الاعلام العربي اصبح اليوم اكثر من أي وقت مضى في حاجة الى تغيير خطابه, للتصدي للحملات الاعلامية المشوهة وللمساهمة في ايجاد مناخ عالمي للحوار؟ الاحداث الاخيرة اوجدت مناخا كبيرا للاعلام الغربي خاصة الامريكي للنيل من الانسان العربي والمسلم عبر تشويه صورته كشخص متخلف وجاهل همه المقامرة بالمال واللهث وراء الفساد والارهاب المدمر وقد ساهم الاعلام العربي في تكريس هذه الصورة عبر الفراغ الذي تركه واستغله ذلك الاعلام المدعوم صهيونيا ولا يزال الاعلام العربي في خضم ذلك يخاطب نفسه أي انه انحصر في حدودها الداخلية ولم يصل الى درجة الى ان يصبح خطابه خارجيا لقد اصبح من الضروري اليوم وجود خطاب اعلامي مشترك قائم على سياسة واضحة واهداف محددة مضحيا قليلا بتقليديته ونمطيته وشعاراته الداخلية الرنانة التي غرق في فضائها معتمدا على الطرح العلمي والمنهجي الصحيح قادرا على الاقناع والتأثير وللوصول الى هذا المستوى فهو في حاجة الى الكوادر المدربة على ميكانزمات واليات هذه المهمة ومن هنا نؤكد على اهمية الاعلان الذي صدر عن ملتقى المفكرين العرب في اطار الجامعة العربي والذي توصل الى ضرورة تجنيد كل الطاقات والشرائح وتوحيدها من اجل الحوار معا على اساس التعايش والاعتراف المتبادل والتفاعل الحضاري المبني على الاحترام المتبادل والمتكافئ ويجب ان يكون للاعلام خطاب ثقافي حضاري مبني على قيم الامة وحضارتها ومتفتح على الوقع المعاش مدركا ومتفهما للتغيرات الحاصلة في عالمنا المعاصر ويمكن عبر ذلك ان يقدم هذا الاعلام نموذجا رائعا للاعلام الغربي الذي فقد كثيرا من مصداقيته بعد الاحداث الاخيرة وتحوله الى ابواق او الى ادوات تشويه وتزييف الحقائق تحت غطاء محاربة الارهاب حتى تحولت رسالته الى ارهاب اعلامي وهذا الدور يتطلب منا ان نفهم الغرب فهما عميقا. * الا يمكن القول من خلال الضعف الذي يعانيه الاعلام العربي وعجزه عن ملاحقة التطورات والاحداث الجارية والتفاعل معها بايجابية وجدارة اننا خسرنا المعركة الاعلامية؟ المعركة الاعلامية شرسة جدا وفي ساحتها تحسم اهم القضايا واذا نظرنا الى القدرات والامكانات التي يتمتع بها الاعلام العربي نجد ان العرب لديهم اليوم 150 قناة فضائية هذا بالاضافة الى مئات الصحف ووكالات الانباء ناهيك عن المدن الاعلامية في الاردن ومصر ودبي لكننا إذا نظرنا الى نتاجها نجد ان مشاركة وكالات الانباء العربية في صناعة الخبر لا تتعدى 22% امام 65% من الاخبار المستوردة اما ذلك العدد الكبير من الفضائيات العربية فانها اما رسمية مسوقة وملمعة للرأي الرسمي او خاصة هدفها تجاري بحت يعتمد على الترفيه الاستهلاكي المبتذل والمضيع للوقت والجهد الذي فاق ما تقدمه القنوات الامريكية من هذا النوع ب 65 الى 85% وفاقت الاتحاد الاوروبي ب 75% الى 95%. ومن خلال هذه الصورة يمكن القول اننا بالفعل خسرنا المعركة الاعلامية وتسبب هذا المستوى في ايجاد فراغ اعلامي كبير استغله الاعلام المدعوم صهيونيا الذي يعد العدة الى اطلاق قنوات عربية موجهة من اسرائيل وامريكا. ان فقدان المصداقية لدى الكثير من القنوات العربية وقبل ذلك فقدان الحرية ادى بها الى الاخفاق في اداء دور حضاري ورسالي ودبلوماسي يخاطب العالم بلغته ومنطقه ويصحح صورة العرب والمسلمين الموسومة ظلما بالارهاب وتقديم صور عن حضارته وقيمه واذا لم يتم تدارك الامر في عمل اعلامي مشترك فعال نادى به ولا يزال كل المثقفين والمفكرين فان الكارثة ستكون اشد على الامة العربية والاسلامية.