يكاد يكون مشروع القناة الفضائية طوقا لنجاة العالم الاسلامي في نظر كثير من المثقفين والاعلاميين العرب، حتى اصبحت محورا رئيسا في المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي تتناول واقعنا المعاصر، وخصوصا فيما يتعلق بالهجمة الشرسة التي تقودها الصهيونية على الامتين العربية والاسلامية. القناة المرتقبة تحولت الى حلم عربي ثقافي، علقت عليه رفعة الامة وتحسين صورتها عند الغرب، وقلب الموازين رأسا على عقب. انها القناة السحرية التي يضرب بها العالم الغربي كله، فيتحول الى عالم ودود، محب للعالم العربي والاسلامي، عدو للكيان الصهيوني، يصمه بالارهاب، ويصفنا بالسماحة، ويتدخل بكل قواه لحل قضايانا. ان كثيرا من التساؤلات تبرز في هذا المقام: ألم يأخذ هذا المقترح اكثر مما يستحق؟! أليس هناك رؤى اكثر تنوعا وعمقا وشمولية؟! وماذا ستضيف القناة الفضائية؟! وماذا لو فشلت؟! ليست القضية كما يبدو قلة قنوات الاتصال بيننا وبين الغرب، وانما القضية اكبر من ذلك، انها قضية عدم اكتراث او رفض من الاخر لما نقدم، وهذا امر طبيعي نتيجة التفوق الثقافي (بالمفهوم العام)، ولو اردنا ان نصل الى الآخر فعلينا ان نكون بقوته، ولاتقتصر علينا فضائية جيدة متمكنة، وعند ذلك سيبحث عنا، ويتعرف علنيا دون ان نشغل انفسنا بذلك، تماما كما حدث في الماضي، حينما جاؤوا الينا عبر صحارانا بالرغم من مشقة البحث، وكما يحدث الآن عندما نبحث عنهم ونسعى للتعرف عليهم. واذا اردنا ان نتفوق فلا يكفي ان نتفوق اعلاميا، لان الاعلام وان كان بغاية الاهمية، يظل جزءا من الثقافة، ولا يمكن ان نبني عضوا قويا في جسد واهن. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ملاحظتين: الاولى ان انشاء قناة فضائية لن يضيف شيئا كثيرا كما يظهر، بل ان القنوات التي تبث الان من معظم الدول العربية وبلغات مختلفة، تقدمنا بشكل افضل، واكثر تنوعا وصدقا. والثانية ان هناك فرقا بين اعلامنا والاعلام الصهيوني، ففي الماضي كان يخاطب العالم ولا نخاطبه، وفي الحاضر (والمستقبل المنظور كما يبدو) يخاطب العالم الغربي من الداخل، بوسائل اعلام غربية ووجوه غربية، واساليب غربية، انما بافكار صهيونية. بينما نحن نسعى الى ان نخاطبهم من الخارج، ولاشك في ان الرأي العام الغربي سيتقبل القريب ويرفض الغريب، فالامريكي سيقبل من الامريكي الذي ائتلف معه في امور كثيرة وان اختلف معه فكرا، ولكنه لن يقبل من الغرباء، الذين يختلف معهم في كل شيء، وسيعد ما يقومون به غزوا ثقافيا اسلاميا. ان منا غربيين، يمكنهم القيام ببناء مشروع من الداخل، عله يستطيع بعد زمن ليس بالقصير ان يحقق شيئا فعلى الرغم من امكانياتهم المحدودة (التي تحتاج دعما)، الا انهم يظلون اقوى في الخطاب الاعلامي، بصفتهم منهم، ولو كانوا خاطبوهم بافكارنا. الا اننا كما سلف نحتاج قبل هذا وذاك الى قيام مشروع يتسم بالشمولية لا الجزئية في معالجة الوضع الراهن.