التجريب مصطلح ارتبط بالمسرح في العصر الحديث، ثم انتقل الى الفنون الأخرى، حتى شمل الابداع كله، فأصبحنا نسمع عن التجريب في الشعر والقصة وغيرها. وهو مصطلح حديث وان كان مفهومه قديما قدم الفن، ظهر مع ظهور الابداع الذي كان غالبا يقوم على المغايرة وان جاء بمصطلحات مختلفة. وفي كل مرحلة يظهر عدد من المجربين الذين يسعون الى تطوير الاعمال الابداعية، فيقف النقاد منهم موقفين، موقف مؤيد وموقف رافض. والمنتسبون الى التجريب كثرة، والمحسنون قلة، ذلك ان التجريب له شروطه، التي لا يتمكن منها اي شخص، بل فئة خاصة توافرت لديها أدوات خاصة. فمن الذي يستطيع التجريب؟ وما حدود التجريب؟ بدءا لابد من ان يكون المجرب متمكنا من أدوات فنه، مدركا لتقاليده واعرافه، حتى ينطلق في تجريبه من هذا الاساس القوي، ويكون التجريب اضافة حقيقية لفنه. وهذا لا يتأتى الا بطول ممارسة، ونبوغ في اللون الابداعي الذي يمارسه، لان التجريب ليس ستارا تخفي خلفه بعض النماذج جهلها، وليس مركبا وطيئا، تختصر فيه نماذج اخرى المسافات، وتوفر فيه الجهود، فتخفف من القوانين وتتحلل من القيود. التجريب تجديد منظم، لا انحراف فوضوي كما تصور بعض الكتاب، واذا لم ينطلق من هذا المنطلق، وتم التجديد بدون وعي، تحول الى تخريب، واصبح العمل الفني ممسوخا لا ينتمي الى أي فن. ثم ان للتجريب حدودا، ينبغي ألا يتجاوزها المجرب، فهناك اعراف وتقاليد يجب ألا تنسف تماما، وإلا خرج العمل عن حدوده وانتسب الى فن آخر، او استحدث لونا مختلفا. ان كبار المبدعين حينما يقومون بالتجريب ينطلقون من وعي تام به، ويتفتحون على آفاق رحبة، مستندين الى تجربة عميقة تساعدهم في هذا التحليق، ومعتمدين على جناحي الوعي والابداع، بخلاف كثير من الشباب الذين لم تتضح ملامح تجاربهم بعد، فهم حين يقومون بالتجريب فانما يقدمون العربة على الحصان، مما يؤدي الى فشل العمليات التجريبية في الغالب.