لقد فوجئ العالم بالهجمات الإرهابية الأليمة التي أدَّت إلى تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك، وأماكن أخرى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي ذهب ضحيتها عدد كبير من المدنيين، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا إذ يُدين بشدة هذه الأعمال الإجرامية، يؤكد على ما يلي: 1 - إن الإسلام يحرِّم تحريمًا قاطعًا مثل هذه الأعمال، ويعتبر أن (مَنء قَتَلَ نَفءسًا بِغَيءرِ نَفءسٍ أَوء فَسَادٍ فِي الأَرءضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنء أَحءيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحءيَا النَّاسَ جَمِيعًا...)، وأن ما حدث في أمريكا يعتبر عملاً إجراميًّا مخالفًا لقيم الإسلام ومبادئه، ولا يمكن قبوله بحال من الأحوال. 2 - إن الذين خطَّطوا ونفَّذوا هذه العمليات الإجرامية يتحملون وحدهم مسؤولية هذه العمليات، مهما كانت انتماءاتهم العرقية والدينية، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال تحميل أي دين أو عرق مسؤولية ذلك (َولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزءرَ أُخءرَى). 3 - إن المؤسسات والأعضاء في الاتحاد -وهم يتقدمون لذوي الضحايا خاصة، والشعب الأمريكي عامة بخالص تعازيهم- ليعربون عن وقوفهم إلى جانبهم، ومد يد العون من أجل التخفيف من معاناة الجرحى والمصابين. رؤية الاتحاد حول تفجيرات أمريكا وتداعياتها (بريطانيا 21-9-2001م) إن الأحداث الإرهابية التي تمثلت في التفجيرات المروِّعة التي هزَّت نيويورك وواشنطن في الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحادي عشر من شهر سبتمبر، قد لقيت من الجميع الاستنكار والرفض، وكان الموقف الإسلامي الذي أعلنت عنه الدول والهيئات الإسلامية الرسمية والشعبية في العالم الإسلامي، وفي أوروبا وأمريكا، موقفًا واضحًا مبدئيًّا منطلقًا من مبادئ الإسلام وقيمه التي أعلت كرامة الإنسان واعتبرت حياته ودمه من الحُرمات التي يجب أن تُصان، وكم هو واضح بيان القرآن الكريم الذي جاء مذكرًا ومؤكدًا لما شرعه الله عز وجل في كل شرائعه بخصوص حرمة النفس الإنسانية، حيث يقول معقبًا على قصة القتل الأولى التي حدثت في تاريخ البشرية عندما أقدم أحد ابني آدم على قتل أخيه: "مِنء أَجءلِ ذَلِكَ كَتَبءنَا عَلَى بَنِي إِسءرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفءسًا بِغَيءرِ نَفءسٍ أَوء فَسَادٍ فِي الأَرءضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنء أَحءيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحءيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدء جَاءتءهُمء رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنءهُم بَعءدَ ذَلِكَ فِي الأَرءضِ لَمُسءرِفُونَ "(سورة المائدة: 32). ومن هنا كان الاعتداء بالقتل من المحرمات التي أجمعت على تحريمها سائر الشرائع الإلهية، ولكن كما جاء في ختام الآية فإنه رغم تأكيد جميع المرسلين على مثل هذه المبادئ، فإن هناك من الناس من يقع في الإسراف والتجاوز. إن ظاهرة الإرهاب والعنف من الظواهر الخطيرة التي تهدِّد اليوم أمن المجتمعات والأفراد، وهي ظاهرة لا تقتصر على مجتمع معين أو على المنتسبين لثقافة معينة، وإنما تشمل مع الأسف العديد من بلاد العالم، وتقف وراءها مجموعات متعددة ومختلفة في مطالبها وأهدافها وفي معتقداتها ومبادئها؛ ولذلك فإنه من الظلم أن تلصق تهمة الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين، وكأن ذلك أمر لا يرد على غيرهم. إن وجود بعض المسلمين ممن يقعون في هذا المحذور لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال الهجوم على الإسلام باعتباره السبب في ذلك، كما أن وقوع بعض المسيحيين مثلاً في أعمال إرهابية لا يبرِّر أيضًا أن تتهم الديانة المسيحية بالإرهاب. قد يحاول بعض الممارسين للإرهاب أن يُبرروا عملهم بتعليلات دينية أو بدوافع سياسية، ولكن ذلك التبرير لا يمكن أن يقبل منهم. إن مقاومة الإرهاب، والحفاظ على الأمن والاستقرار من المطالب التي يجب أن يسعى لها جميع الناس في العالم، ولكن السؤال المهم الذي يجب أن يطرح هو: ما الوسيلة الناجعة التي يجب أن تتبع في ذلك؟ ولن نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال إلا إذا نظرنا إلى الأسباب التي تؤدي بالبعض إلى استعمال العنف والإرهاب. لا شك أن هناك دوافع إجرامية لدى عدد من المتورطين في الإرهاب يجب الوقوف في وجهها ومقاومتها، وما وضعت القوانين الزاجرة إلا لمنع كل سلوك شاذ يريد الاعتداء على الآخرين، ولكن هناك من اليائسين الذين تدفعهم الثورة على الظلم، وإرادة التحرر من الكبت والهيمنة، إلى التعبير عن غضبهم بأسلوب عنيف، وأن المصلحة والحكمة تقتضي أن تنظر بموضوعية وشجاعة إلى المطالب التي يعبر عنها هؤلاء، وأن لا يصرفنا منطق الهيمنة عن الشعور بمعاناة الآخرين وإنصاف المظلومين مهما كانوا وأينما وجدوا. إن العالم الثالث وما تعيشه شعوبه من أوضاع اقتصادية صعبة ومن ظروف سياسية مضطربة يغلب عليها الاستبداد وقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وفي أحيان كثيرة يقع كل ذلك بمباركة من الدول القوية المؤثرة في العالم، كما أن الانحياز الواضح في قضايا النزاعات إلى طرف على حساب الآخر، كما هو الموقف الأمريكي في قضية فلسطين، كل هذا يشكل مصدر قلق وعدم ارتياح يؤدي بالبعض إلى أن يفقدوا صبرهم وتعقلهم، فيلجأون إلى ردود فعل عنيفة، بل إن الذين يراهنون على مقاومة الظلم بالوسائل السلمية يجدون أنفسهم في كثير من الحالات في موقف من العجز عن التعبير عن آرائهم؛ بسبب تصدى البعض لهم ومحاولة كبت أصواتهم. إن العولمة التي جعلت اليوم مصالح الناس في أنحاء الكرة الأرضية متداخلة ومترابطة، تقتضي أكثر من أي وقت مضى تحديد مجموعة من القيم والأعراف تضمن تحقيق العدل وتكريس تكافؤ الفرص، مع احترام الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب المختلفة، وحقها في الدفاع عن مصالحها وحريتها في تقرير مصيرها بعيدًا عن أي وصاية أو هيمنة، وإن تعالي أصوات الكثيرين العقلاء في العالم، والذين ينبِّهون عن الآثار السلبية لنظام العولمة الذي تمارسه الدول الغنية؛ ليؤكد حاجة العالم إلى ضوابط إنسانية في التعامل بين الشعوب من أجل حماية قيم العدل والحرية والكرامة، وهي قيم تلتقي عليها سائر الأديان السماوية والفلسفات الإنسانية. إن الوقت حان لتجاوز منطق المصلحة المادية، ومنطق الهيمنة الذي يكرس الظلم والاستبداد والقهر. وإن أوروبا بما تختص به من تجارب تاريخية، وما تحمله من عناصر التنوع والتعدد الثقافي والعرقي مرشحة، لأن تكون صاحبة دور ريادي في العالم من أجل بناء نظام عالمي جديد يقوم على العدل، والحرية، والكرامة. والبشرية اليوم في حاجة لمثل هذا النظام العادل حتى تنعم بالأمن والسلام، وسنة التاريخ البشري تؤكد لنا أن كل بناء على الظلم والاستهانة بحقوق الآخرين، وعدم مراعاة الحق والعدل، لا يمكن أن يكتب له الاستمرار والاستقرار. إن المسلمين في أوروبا وهم جزء من نسيج المجتمعات الأوروبية، يعملون على تحقيق التواصل بين الشعوب والأمم، ويدعمون أواصر التعاون والتلاقي بينها؛ ولذلك فإنهم يعتقدون أن كل ما يدعو إلى تشويه صورة الآخر، واحتقاره، وامتهان كرامته من شأنه أن يعمق أسباب القطيعة بين الناس، ويشجِّع على التصادم والنزاع، وكم للإعلام من دور مؤثر في هذا المجال، بل كم هي مسؤولية عظيمة في أن يساعد على تكريس معاني التواصل والحوار والتعارف بدل زرع الأحقاد والضغائن. كما أن للمفكرين، والباحثين، ورجال السياسة، وأصحاب القرار مسؤولية كبيرة في تجنب كل ما من شأنه أن يقيم الحواجز بين أبناء المجتمع الواحد، بل بين شعوب الأرض على اختلاف ثقافتها ومعتقداتها. إن المسلمين في أوروبا، وهم يستنكرون مرة أخرى ما حدث في أمريكا من أحداث مؤلمة، يخاطبون ضمير العالم بصوت الحكمة والعقل الذي يدعو إلى الاستفادة من هذه الكارثة التي حصلت لمراجعة الحسابات والسياسات. إن الحوادث المؤلمة في تاريخ الأمم والشعوب يمكن أن تشكل محطة للتفكير والتأمل، وهو ما نرجوه أن يتم، ولن يساعد على هذا النظر المتعقل ما نسمعه من بعض المحللين والمفكرين المحرِّضين على الانتقام، والذين يعمِّقون بخطابهم التباعد والقطيعة التي لن يستفيد منها أحد. إن منطق الرفض للآخر والتصرف من منطلق الهيمنة والوصاية لن يزيد إلا في تهيئة الأجواء المناسبة لتنمية مشاعر الكراهية المؤدية للصدام، ولنكن على يقين بأنه كلما تقدمت قيم الحق والعدل تأخر منطق الاعتداء والعنف، وانحسر الإرهاب، فلنعمل على ذلك لندعم ركائز التعايش والتوازن بين الشعوب والثقافات والحضارات. "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقءنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلءنَاكُمء شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكءرَمَكُمء عِندَ اللَّهِ أَتءقَاكُمء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (سورة الحجرات: 13)