اللهو ليس عبثا كله ، العبث هو الأمر الفارغ واللهو يدخل ضمن ضروريات الإنسان الفطرية العشر إذ يقوم بوظيفة الترفيه ، ولا يتنافى ذلك مع الجدية ، فالجدية هي الإحاطة وليست الصرامة. فمتى كان الإنسان جادا في حياته لزم أن يشبع حاجاته الفطرية العشر اشباعا موزونا وإلا اختل توازنه واضطربت حياته. فمن كان جادا مثلا في تحصيل العلم عليه أن يرفه عن نفسه أحيانا لتجديد نشاطه وإقباله على التحصيل ،لأن القلوب إذا ملت كلت وإذا كلت عميت. واللهو دواء مضاد للملل ، والملل أكثر تعذيبا للنفس من الألم ، والملل هو الذي يفسد كثيرا من العلاقات النبيلة بين الناس كالحب في الزوجية التي هي لبنة الحياة ، والملل آفة قد تعتري هذه العلاقة على نحو قول الشاعر: يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيا إذا فارقتها فيعود ! كما تعتري الإنسان آفة الهم والوحشة ، فوحشة النفس وما يصحبها من هم من أكبر أسباب تفشي شرب الكحول والمخدرات. ووحشة النفس هذه من أسباب الشقاء في الحياة ويؤنسها الإيمان ، والحب والترفيه. إن فلسفة اللهو شيء في الفطر وقد صورها ابن الفارض في تائيته المشهورة فقال: ولا تك باللاهي عن اللهو جملة فهزل الملاهي جد نفس مجدة أي أن الإنسان المجد ذو النفس المجدة ينبغي أن يفرد مكانا للهو لأن هذا من الجدية. أما الإنسان الذي يتناول الأمور بصرامة ولا يعنى بالتوازن فهو يابس ، واليابس يكسر أمام تقلبات الحياة. ان اللهو يزيد من شفافية النفس الإنسانية فتكون أقدر على الحدس الذي قيل عنه: ذكي تظنه طليعة عينيه يرى في يومه ما ترى غدا! إن اللهو والترفيه مطلوب في مجال إشباع حاجات الإنسان الفطرية بتوازن يحقق الوسط الذهني ، فاللهو المندوب إليه فضيلة بين رذيلتي المجون والصرامة. إذ النفس البشرية بطبيعتها تحتاج إلى الراحة بعد التعب ، وتحتاج إلى ما تستجمّ به وتنشط إلى أداء أعمالها والإسلام شمل تلبية جميع جوانب الحياة ، واحتياجات النفس البشرية وقد ثبتت في السنة ألوان من الترفيه واللهو المباح كالمسابقة بالأقدام والخيول والمصارعة والرمي بالسهام والمداعبة والممازحة ونحو ذلك مما هو معلوم ، تحقيقا للتوازن في جوانب الحياة كلها. قال صلى الله عليه وسلم :» صدق سلمان « حين قال سلمان لأبي الدرداء :» إن لنفسك عليك حقاً ، وإن لربك عليك حقاً ، وإن لضيفك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه « رواه البخاري. وقد تحدث العلماء عن أهمية جانب الترويح المباح وفائدته في التربية ، قال الغزالي : « وينبغي أن يؤذن له - أي الصبي - بعد الانصراف من الكُتّاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب الكتب بحيث لا يتعب في اللعب ، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً ، يميت قلبه ، ويُبطل ذكاءه ، وينغّص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا «. فالترفيه واللهو متى كان مباحاً يطلب أن يراعى أن لا يشغل عن واجب أو عما هو أولى منه من المصالح الدينية والدنيوية ، وأن لا يستغرق أوقاتا طويلة تصبح عادة يفرغ لها وقت دائم ومنتظم ، وأن لا يصاحبه محرم كرهان وقمار وسباب وعداوة. ولاشك أن المبالغة في الترفيه واللهو وتنويع وسائله وتكثير برامجه وتطويل أوقاته فيها مضيعة للوقت وتبديد للطاقات والمال فضلا عن أن يشتمل على محرم ، والعقل والدين يقضيان بترشيد اللهو ليكون نافعا غير مضر بوقت الانسان وحياته.