عادت مشاهد الدمار والمنازل المهدمة للبروز في المدن الفلسطينية بعد أن أعطت حكومة تل أبيب الضوء الأخضر لجيشها لهدم عشرات المنازل لعائلات فلسطينية نفذ أفراد منها عمليات فدائية خلال انتفاضة الأقصى.. ونقلت عدسات المصورين مشاهد مؤثرة لأسر فلسطينية فقدت مساكنها في لمحة بصر بعدما أقدمت قوات الاحتلال على نسفها دون إشعار مسبق أو حتى السماح لقاطنيها بإخراج أغراضهم وأمتعتهم، مما ضاعف حجم الأضرار والخسائر. وتركت عملية الهدم في بلدة تل بصماتها عندما أقدمت قوات الاحتلال على نسف منزل المواطن يوسف ريحان والد الشهيدين محمد وعاصم مما حول 30 نفرا إلى العيش في العراء ولم تسلم عشرات المنازل المحيطة من الدمار الجزئي والشامل. وبدت جدة الشهيدين في حالة من الانفعال بعدما شاهدت ركام المنزل الذي حافظ على بقاء الأسرة بضعة عقود من الزمن وزاد من المها اعتقال ثلاثة من أحفادها. ولم يكن الحال بأحسن منه في بلدة طلوزة شمال نابلس حيث تسبب التفجير الكبير في نشر الخراب على مساحة واسعة من البلدة في محيط منزل المواطن مشهور حشايكة، مما تسبب بهدم خمسة منازل بشكل كلي، إضافة إلى تضرر عشرات المنازل بما فيها مسجد البلدة, وتكررت المشاهد الفظيعة في عقابا وقباطية وجنين وطولكرم وبيت جالا والخليل. ووفقا لتقرير مفصل صادر عن جمعية القانون فقد اقتحمت قوة عسكرية إسرائيلية، معززة بعدة دبابات وناقلات جند مدرعة، ترافقها جرافة عسكرية، بلدة عقابا، شرق مدينة جنين، وحاصرت منزل المواطن شهيل أحمد إسماعيل المصري (50 عاماً). وبعد أن أرغمت سكانه، البالغ عددهم واحداً وعشرين فرداً، بينهم خمسة عشر طفلاً، شرعت الجرافة في هدم المنزل المكون من طابقين على مساحة مائة وخمسين متراً مربعاً. وقبل انسحابها، اعتقلت قوات الاحتلال المواطن المصري، وثلاثة من أنجاله، وهم: محمد (25 عاماً)، إياد (29 عاماً)، وصلاح (21 عاماً) واقتادتهم إلى جهة غير معلومة. والمواطن المصري هو والد الشهيد عز الدين المصري منفذ العملية التفجيرية في مدينة القدس بتاريخ 8/9/2001. وفي حوالي الساعة الثالثة فجراً، حاصرت قوات الاحتلال منزل المواطن بهاء يقين ناصر الدين، في حي عيصي، غربي مدينة الخليل، والمكون من طابقين، ويقطنه سبعة أفراد. وبعد إخلاء سكانه بقوة السلاح، زرع جنود الاحتلال مواد متفجرة داخل المنزل، وفي حوالي الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة قاموا بتفجيره عن بعد. وكانت قوات الاحتلال قد اقتحمت المنزل المذكور في ساعات ظهر يوم السبت الموافق 3/8/2002، ظناً منها أنه يعود لعائلة الشاب المعتقل فادي "محمد جمال" سالم دويك (19 عاماً)، الذي تتهمه قوات الاحتلال بالمشاركة في العملية المسلحة التي نفذها اثنان من رجال المقاومة الفلسطينية في مستوطنة "أدورة"، غربي مدينة الخليل بتاريخ 27-4-2002 ، وعندما أظهر المواطن ناصر الدين عقد شرائه المنزل، انصرف جنود الاحتلال ليعودوا ثانية في ساعات فجر هذا اليوم، وينفذوا عملية تفجيره. وأدى تفجير المنزل إلى إلحاق أضرار متوسطة بمنزل يعود للمواطن محمد خلف دويك. الجدير بالذكر أن المواطن دويك كان قد باع منزله في وقت لاحق للمواطن ناصر الدين، الذي أقام فيه مع أسرته. ولم تسلم بلدة السيلة الحارثية من عمليات الهدم والتدمير حيث حاصرت دبابات الاحتلال منزل المواطن عيسى خليل أسعد طحاينة (70 عاماً)، والمكون من طابقين على مساحة مائة وعشرين متراً مربعاً، ويقطنه تسعة أفراد. وبعد إرغام العائلة على مغادرة منزلها، زرع الجنود مواد متفجرة داخل المنزل، ثم قاموا بتفجيره عن بعد. واعتقلت قوات الاحتلال أربعة من أنجال المواطن طحاينة، واقتادتهم إلى جهة غير معلومة. والمعتقلون هم: صابر (30 عاماً)، غفنان (29 عاماً)، عون الله (24 عاماً)، ومحمد (23 عاماً). والمواطن طحاينة والد الشهيد عبد الكريم طحاينة منفذ العملية التفجيرية في مدينة العفولة، شمال إسرائيل، بتاريخ 5/3/2002. وفي وقت متزامن أيضاً، اقتحمت قوة عسكرية إسرائيلية معززة بالدبابات وناقلات الجند المدرعة، بلدة قباطية، جنوب شرقي مدينة جنين، وحاصرت حي الطزازة، وسط البلدة، وأرغمت كافة سكان الحي على مغادرة منازلهم تحت تهديد السلاح، واحتجازهم في شارع مجاور. واقتحم جنود الاحتلال منزل المواطن محمود بكر نصر 70 عاماً ، وزرعوا كميات كبيرة من المتفجرات في أرجائه. وفي حوالي الساعة الخامسة صباحاً، فجروا المنزل عن بعد، مما أدى إلى تدميره تدميراً كاملاً. ويتكون منزل المواطن نصر من طابقين على مساحة مائة وعشرين متراً مربعاً، ويقطنه سبعة أفراد بينهم ثلاثة أطفال. والمواطن نصر والد الشهيد محمد نصر، منفذ العملية التفجيرية في حيفا بتاريخ 11-8-2002. وفي مدينة جنين حاصرت القوات الإسرائيلية منزل المواطن المسن عراف حسن سمودي (95 عاماً) في حي جبل أبو ظهير، بمدينة جنين، المكون من طابقين، وتقطنه خمس عائلات، عدد أفرادها خمسة وعشرون فرداً. وقام جنود الاحتلال بزرع مواد متفجرة داخل المنزل قبل أن يقوموا بتفجيره عن بعد. وقبل انسحابها من المنطقة، اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة من أنجاله، وهم: علام (29 عاماً)، عصام (26 عاماً) وأكرم (22 عاماً) واقتادوهم إلى جهة غير معلومة. وغي بلدة اليامون حاصرت منزل المواطن محمد نمر يوسف أبو سيفين 50 عاماً ، مكون من طابقين على مساحة مائة وعشرين متراً مربعاً، ويقطنه ثلاثة عشر فرداً. وبعد أن أرغمت عائلة المواطن المذكور على مغادرة المنزل، قامت بزرع مواد متفجرة داخل الطابق الأرضي، وفي حوالي الساعة التاسعة صباحاً قامت بتفجيره عن بعد، وتدميره تدميراً كاملاً. والمواطن المذكور والد الشهيد نمر أبو سيفين، الذي أستشهد بتاريخ 12/9/2002 في مدينة حيفا. وكانت سلطات الاحتلال قد أقدمت يوم الجمعة الفائت على هدم قوات منزل المواطن عمر حمدان عليان (57 عاماً) في حي المنشية، وسط مخيم نور شمس وهو منزل عائلة الشهيد أحمد عليان الذي نفذ العملية التفجيرية في مستعمرة نتانيا الإسرائيلية، شمال تل أبيب، بتاريخ 3-4-2002، ومنزل عائلة الشهيد حاتم يقين شويكي منفذ الهجوم المسلح في التلة الفرنسية، في القدسالشرقية، بتاريخ 11-4-2002 ، في حي عيصى، في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة الخليل، والخاضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، والمكون من ثلاثة طوابق على مساحة مائة وستين متراً مربعاً، ويقطنه ثمانية عشر فرداً.وكانت قوات الاحتلال قد فجرت في يوم الخميس الموافق 8-1-2002 ، منزل المواطن عطا يوسف صراصرة، في حي الغوالي بمدينة بيت جالا، وهو والد الفتى حازم صراصرة (17 عاماً) الذي نفذ عملية تفجيرية في مدينة القدس بتاريخ 30-7-2002م. وأكدت جمعية القانون أن ما تقوم به قوات الاحتلال من أعمال هدم لمنازل عائلات المواطنين الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات تفجيرية داخل إسرائيل، أو شاركوا في أعمال مقاومة مسلحة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، تدخل في نطاق العقوبات الجماعية، وعاقبة أشخاص على خلفية مخالفات لم يرتكبوها، فإنها تطالب المجتمع الدولي ومؤسساته الرسمية والأهلية بالتدخل العاجل من أجل العمل على وقف حملات العقاب الجماعي التي تقترفها قوات الاحتلال ضد عائلات المواطنين الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات تفجيرية داخل الخط الأخضر، والمسلحين الذين شاركوا في أعمال مقاومة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين داخل الأراضي المحتلة، ووقف كافة جرائم قوات الاحتلال المستمرة في الأراضي المحتلة وأشارت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان إلى أن سياسة هدم المنازل الفلسطينية تعتبر سياسة قديمة حديثة انتهجتها السلطات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، وتصاعدت بشكل كبير بعد توقيع اتفاق أوسلو المبرم بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1993 وخاصة في المناطق الواقعة ضمن تصنيف المناطق (ج) ومنطقة القدس على وجه الخصوص، وتصاعدت هذه السياسة أكثر فأكثر وبشكل ملحوظ منذ بدء انتفاضة الأقصى الحالية ليصل عدد المنازل الفلسطينية المهدمة منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987 إلى أكثر من 2000 منزل حسب المعطيات المتوفرة لدى مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان. ودأبت السلطات الإسرائيلية على إعطاء حجج متعددة لتبرير أعمال الهدم هذه ، وكانت آخرها تلك الحجج الحجة التي ظهرت في الفترة الأخيرة ، حينما أقدمت السلطات الإسرائيلية على هدم منازل المواطنين الفلسطينيين بحجة مشاركة أبنائهم في مقاومة الاحتلال. وتشير المعطيات المتوفرة لدى مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت على هدم أكثر من عشرة منازل لعائلات فلسطينية خلال اليومين الماضيين بحجة أن لهم أبناء مشاركون في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتركزت عمليات الهدم هذه في مدن نابلس والخليل وجنين وبيت لحم و طولكرم. وتنص المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا، تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب"، وعلى الرغم من هذا النص الصريح أقدمت السلطات الإسرائيلية على انتهاج سياسة عقاب جماعي ممنهج ضد أهالي المقاومين الفلسطينيين، والتي شملت اعتقالهم والتضييق عليهم وأخيراً الإقدام على هدم منازلهم. إن سياسة هدم منازل عائلات المقاومين الفلسطينيين هي سياسة عقاب جماعي تحظرها كافة الأعراف والمواثيق الدولية، لا سيما المادة سالفة الذكر ولا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال ، حيث أن ذوي المقاومين لا يمكن تحميلهم المسؤولية عن تصرفات أبنائهم. إن سياسة هدم بيوت العائلات الفلسطينية بحجة أن أحد أفراد هذه العائلات مقاوماً يندرج ضمن تدمير الممتلكات الخاصة المحظورة بموجب المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية". كما أن هدم البيوت يشكل انتهاكا صارخا للحق في السكن الملائم الذي كفلته المواثيق والأعراف الدولية خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقالت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان إنها إذ ننظر بخطورة بالغة تجاه اتباع السلطات الإسرائيلية لسياسة العقاب الجماعي بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، فإنها تحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هدم هذا الكم من المنازل التي يقطنها مواطنون مدنيون لم يقوموا هم شخصياً بأي عمل يستوجب معاقبتهم بهذه الطريقة، كما طالبت الحكومة الإسرائيلية بوقف هذه السياسة فوراً حتى لا تغرق المنطقة بالمزيد من دوامات العنف.