الصداقة لفظ جميل، تتداعى عند سماعه قيم الوفاء والمناصرة والذكريات حلوها ومرها، ولوقع اللفظ حلاوة اذا كان مابين الأصدقاء متصلا بالمودة، متواصلا بالاهتمام والحدب على الآخر، أما اذا أنبت ما بين الصديقين لوشاية مغرضة، أو سوء فهم استعصى نقاؤه، أو ظرف انتقال فرق مابين الصديقين، وساهم بعد المكان مع الانشغال وتغير الاهتمامات في انحسار موج التواصل، في تلك الأحوال يصبح للفظ الصداقة مرارة تعلق بالحلقوم، وغصة تولد ريبة من الاقدام على بناء صداقات جديدة. ان مخزون التجارب عند كل منا يزدحم بصداقات تبقى مع الأيام، وتتألق ببريق يكلح الذهب ازاءه، وتأخذ من السنين تاريخ العمر، وصداقات تترامى في رحلة العمر عابرة دونما ملمح، منها ما يغيب ويتلاشى ومنها ما تبدو له صور باهتة كأطياف حلم تنسى تفاصيله ويبقى بعض رموزه تعطي مفردات متناثرة لا تقوى على أن تسبك في جمل فتضيع دلالاتها، وتتحول تاريخا لا يقرأ. الأصدقاء أنواع وليس كل من نعرف أن تربطنا به صلة صديق فالصداقة أعلى مراتب العلاقات وأسماها، واطلاق لقب صديق على أنماط أخرى هو من قبيل التجوز لا الحقيقة فمما نشمله في لفظ الصديق: زميل العمل، وشخص نلتقيه في مناسبات جامعة، والجار، وصديق أخي، ورفيق سفر عابر، ومشارك للغرفة أثناء التنويم في المستشفى، ورفيق دراسة... الخ من العلاقات التي تربطنا بالناس في يومنا. ولا يمنع أن تنمو بعض هذه العلاقات وتتطور لترقى الى مرتبة الصداقة ومنها ما يمثل حينها مفهوم الصداقة الحقة. لذا فرقت اللغة في المراتب فهناك الصديق والخليل والصاحب والرفيق والزميل والقريب والنسيب والأخ والنديم والمعرفة. الصداقة احتواء للآخر، وسبر محاسنه، وتقبل نواقصه، والحرص على مصالحه، والصدق معه، والترفق به، ومعرفة أحواله، وسد حاجته عند عوزه، ولا تقف المادة بينهما فقديما كان من حق الصديق أن يمد يده الى جيب صديقه فيأخذ حاجته فلا يسأله الآخر كم أخذت ولم؟ وروي أن أبا اسحق الكسائي بكى عندما طلب منه صديق مبلغا لتسديد دين، فبعد أن لبى حاجة صديقه قال لمن سأله عن بكائه: "بكاي أني لم أبحث عن حاله، وألجأته إلى ذي السؤال". تتزين بعض العلاقات بثوب الصداقة وهي لا تدرك حقيقة مفهومها، وفئة من الناس تلتزم بالصداقة لغرض وغاية تنتهي عندها الصداقة بتحقيق الغرض أو العجز عنه، وفئة تخلع ثوب الصداقة كما الثوب الخلق إذا لم يوافقها الآخر في كل ما تطلبه حقا أو باطلا فإذا خاصم عليك أن تخاصم من يخاصمه، واذا كره فليس من حقك أن ترى محاسن من يكره فأنت امعة تلغي عقلك وتوازنك من أجل هذا الصديق الأحمق. وبعضهم يستأثر بصديقه لدرجة التملك فإذا ما رأى أن لصديقه وصلا بغيره أنكر ذلك وأشعلت الغيرة وحب التملك نيرانا تأكل الود وتقضي عليه، وبعضهم حاسد حاقد يصادقك ويقترب منك ليطعنك عن معرفة وبصرية، فتراه نماما مغتابا، يتصيد الأخطاء، يكشف العورات، يستكثر عليك نعمة حب الآخرين فيوغر القلوب تلميحا وتصريحا يستنزف جهدك، ويستغل مالك لا عن حاجة لكن يستكثر ما لديك وإن كان عنده أكثر. فأين الصديق الذي نركن اليه اليوم؟ وهل ما نريده من صديق اليوم ما كان يطلبه جيل الأمس؟ وهل نقدر على إيفاء حق الصداقة كما قدروا؟ ألا إن إخوان الصفاء قليل فهل لي إلى ذاك القليل سبيل قس الناس تعرف غثهم من سمينهم فكل عليه شاهد ودليل