1 ذات تيه تاه القمر في بيداء فكرها القاحل .,. فأضحى الطريق أشد حلكة من فؤادها , تلاعب بها الأديم كخصلات أعشاب بحرية رخوة مستسلمة للتيار. فوضعت كل محاسنها ما ظهر منها وما بطن في كيس مغلق الإحكام ورمت به في سلة الإعدام .. نسجت أملا مدميا عنكبوتيا بمغزل ملتو في أروقة الضجيج فجلست بجانب بعلها في مكان سكناهما منهارة , قائلة بتهدج وذبول: بعد هذه المشاكل المتواصلة بيننا , أرحل عني هذا الشهر عساني استريح قليلا .. ثم عد .. وسأستقبلك بما يرضيك. فار التنور , واشتد الغيظ دون ان يرفع يدا أو عصا , وابتسم ساخرا .. ثم ارتدى عباءة الحزن السوداء , ورحل. وما أن مر يوم او بعض يوم , بعد تمزق أشرعة قاربها وازدياده تيها في الرمال السوداء .. جاءت بحمى وبلسم عاطفتها , وعيناها تدعوانه بنداء حار كنسيم سهول استوائية .. قائلة بذل وخضوع: حبيبي ..ارجع .. ارجع أتوسل إليك ..(أشدعوه) ما صدقت انا قلت هذا الكلام إلا ورحلت بسرعة!! 1. تلون شعت في عينيه ملامحها الملونة كالعادة .. اصطادت شغاف قلبه ببياض أسنانها .. لكنها هذه المرة نادته في غنج ودلال وابتذال الى بيتها .. فتحت له الباب .. وما أن تلاقى الوجهان حتى أيقظت هيمانه بصفعة دوت في المكان الساكن ... قائلة له: لا ترم بنظرك مرة أخرى على شباك بيتي. قفل راجعا واضعا يده على وجنته الخجلة .. بعد أن بصق على عتبة بابها المرتد , وهو يقول: هذه الأشكال كالحرباء كل حين لها لون وكل يوم في شأن!! 1. حدس * حدس بعد انتهى من صلاته واقفا ..أخرج مسبحة من جيبه أبقاها في يده يتأملها ..قال أحدنا: سيسبح الله ويحمده ويشكره ..فهو مؤمن كما نراه قال آخر: بل سيختار بها.. فهو في شدة الحيرة من أمر ما كما يبدو! قال آخر: لا ..بل سيقدمها هدية لأحد ما , فهو يشعر بتضحيات الآخرين! قال آخر: لا بل سيتصدق بها , فهو يعلم بحاجة المحتاج! قال آخر: لا بل سيأكلها فهو جائع , ألا ترون ملامحه المتقلصة! قال آخر: لا .. كيف يأكلها بل سيرمي بها في سلة القمامة, ألا ترون أنها قد تآكلت من القدم ! لكن الرجل لم يفعل لا هذا , ولا ذاك , بل أعاد مسبحته في جيبه , ورحل خارج المسجد!! 1. وأخيرا احترقت التجاعيد: الشارع مكتظ بأعين متطفلة وأفواه وعقول مندهشة ..خوف .. هلع .. اضطراب .. عبوس .. اندهاش ..جمود في الأمكنة المتنائية .. وتحذيرات جمة. هناك ثمة بيت تتسلى عليه ألسنة لاهبة حمراء .. تطل من النوافذ .. من الأبواب .. من الثقوب ,, تسخر من الواقفين هناك .. تهدد .. ترعد .. تلون الجدران بالأسود.. تنثر رماد الأشياء.. شق الصفوف .. باغته المشهد .,. شهق ,, ازداد سيل لعابة .. ارتعدت فرائصه.. امتدت تجاعيده تلونت ملامحه .. فتح مسالك زفيره .. وشهيقه فغدت في رواح ومجيء .. فكك ذرات الهواء بذبذبات صاخبة: لا ...أولادي ... بيتي.. ترك ثوبه مقطعا في يد الواقفين ترك عيونهم غرابة وتتبعا ..صال وجال مع اللهيب .. خدعه بشكل غريب .. انغمس في أحشاء البيت .. تتبع الأصوات المخنوقة .. والأجساد البريئة المأسورة .. نجحت صولاته في ميدان نزاله .. سلم الجمهور المترقب .. أبناءه واحدا بعد آخر.. شن حملات أخرى هنا أسعف قطعا من أثاث فاخرة ناداه مزيدا من الحياة .. هناك , أراد ان ينتشل مالا وذهبا فلم ير لهما وجودا .. حينئذ سأل المصلوبة في عمد منهار والتي يتجلجل صدى صوتها في أذنيه في كل صولاته ويتغافل عنها عن ذلك فأجابته مبحوحة الصوت: اللص قد سرقه وقيدني هنا , وأحرق البيت , ثم ولى هاربا .. أرجوك أنقذني ..انقذني.. حملق قليلا فيها .. فحمل قطعة من أثاث قيمة بقلب حجر .. وسلم ذاته بمفردها اتساع الشارع بعيدا عن اللهيب بجانب الأعين المتناثر تركا قرينة العشرين عاما تحترق .. فقد كان منذ زمن يريد لو يمسح تجاعيدها الفاسدة من الحياة بأي طريقة ..وها قد سنحت الفرصة!!