أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في العاصمة الهولندية لاهاي، أن مجلس الامن يملك نظريا امكانية تقديم شكوى الى المحكمة اذا اعتبر ان جرائم تقع في دائرة اختصاصها ارتكبت خلال الغارة الاسرائيلية الاخيرة على غزة. وقال ان المحكمة لم تتسلم حتى الان اي شكوى فيما يتعلق بالغارة الاسرائيلية. ولا تمارس المحكمة اختصاصها القضائي الا في الدول التي صادقت على معاهدة روما (1998) التي اسست المحكمة. وقد وقعت دولة الاحتلال الاسرائيلي على هذه المعاهدة لكنها لم تصادق عليها. الا انه يوجد ولاية قضائية في القضايا التي تتورط فيها دول لم تصادق على الاتفاقية اذا رفع اليها مجلس الامن هذه القضايا. ويشمل الاختصاص القضائي للمحكمة عندئذ اراضي الدول التي لم تصادق على الاتفاقية وايضا رعاياها. وفي قضية الغارة الاسرائيلية على غزة، تستطيع المحكمة ممارسة سلطتها القضائية في حال كان احد الضحايا يحمل جواز سفر دولة صادقت على اتفاقية روما فيستطيع عندها ذلك البلد ان يتقدم بشكوى. غير ان السلطة الفلسطينية التي لا تشكل دولة لا تستطيع ان ترفع شكوى مباشرة امام المحكمة. وقد دخلت اتفاقية روما حيز التنفيذ في الاول من تموز/ يوليو غير انه لم يعين بعد القضاة والمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. ويعمل فريق تحضيري حاليا في لاهاي لتلقي شكاوي محتملة. وفي رسالة وجهت الى رئاسة مجلس الامن واعلن عنها الاربعاء، وصف الفلسطينيون عملية القصف في غزة ليلة الاثنين الثلاثاء بأنها جريمة حرب تدخل في دائرة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وطالب ممثل السلطة الفلسطينية لدى الاممالمتحدة ناصر القدوة مجلس الأمن بإحالة المسؤولين عن عملية غزة الجوية الى المحكمة الجنائية الدولية قبل ساعات من مباشرة مجلس الامن الدولي مناقشة عامة حول الوضع في الشرق الاوسط. وفي رسالة الى مجلس الامن الدولي، أكد الدبلوماسي الفلسطيني ان هذا العمل يدخل في اختصاص المحكمة ولا بد من اتخاذ الاجراءات لاحالة المسؤولين عنه الى العدالة. ومن المرتقب ان يتم التطرق الى هذه المسألة اثناء النقاش العلني لمجلس الامن الدولي حول الوضع في الشرق الاوسط الذي يعقد بطلب من المملكة العربية السعودية نيابة عن المجموعة العربية والمقرر ان يبدأ فجر اليوم بتوقيت المملكة. ورفعت المجموعة العربية ايضا مشروع قرار، يطالب بانسحاب القوات الاسرائيلية من المدن الفلسطينية وعودتها الى خطوط ما قبل الانتفاضة التي بدأت في نهاية ايلول/ سبتمبر 2000. واشار دبلوماسيون الى ان الولاياتالمتحدة لن تقبل بهذا الشرط في صيغته الحالية وقد تستخدم على الارجح حق النقض (الفيتو). وفي رسالته الى مجلس الامن كتب القدوة: ان الهجوم الاسرائيلي (على غزة) هو اول جريمة حرب سافرة ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلية منذ دخول المحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ. واشار ايضا الى ان عمليات الاغتيال المحددة التي تمارسها اسرائيل تم التنديد بها باستمرار من قبل المجتمع الدولي وتشكل جريمة حرب. وهي المرة الاولى التي يطلب فيها رفع قضية امام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي منذ دخولها حيز العمل ولكنها لا تزال من دون قضاة ولا مدعين. ويبدو من الصعب الاستجابة الى الطلب الفلسطيني بحسب الاراء الاولى التي جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية لدى الخبراء القانونيين. وفي الواقع، يحق للدولة فقط رفع قضية للمحكمة الجنائية الدولية وهذا ليس هو حال السلطة الفلسطينية. ولا شك في انه يمكن لدولة اخرى ان تتقدم بالطلب ولكن يبقى ان يحدد ما اذا كانت اسرائيل داخلة في معاهدة روما التي اسست بموجبها المحكمة. فاسرائيل وقعت فعلا المعاهدة كما فعلت 139 دولة اخرى، ولكن لم تصادق عليها حتى الآن. اما الولاياتالمتحدة التي شنت هجوما حادا على المحكمة الجنائية الدولية بقي غير مجد حتى الان، فقد سحبت في ايار/مايو توقيعها الذي كانت قد وضعته في الايام الاخيرة من ولاية بيل كلينتون. وقد عثر أمس على جثث ثلاثة اطفال فلسطينيين تحت انقاض المباني التي استهدفتها الغارة الجوية الاسرائيلية، بعد أن كانوا في عداد المفقودين الذين سحقوا بفعل الانفجار. وقال مصدر طبي في مستشفى الشفاء بغزة أن بعض أشلاء جثث هؤلاء الأطفال كانت قد رفعت من الأنقاض في يوم سابق، واعتقد رجال الانقاذ أن بقية أجسادهم سحقت بفعل قوة انفجار القنبلة الاسرائيلية الموجهة التي قال مصدر أنها كانت تزن 1000 كيلوجرام. وشارك 500 فلسطيني في مراسم تشييع الاطفال الثلاثة وهم أبناء عائلة مطر وهم داليا (5 اعوام) ومحمد (4 اعوام) وايمن (18 شهرا). وفيما بدا أنها محاولة ابتزاز وقحة لإسكات السلطة الفلسطينية عن جريمة غزة، أعلن وزير الخارجية الاسرائيلي شيمون بيريز أمس ان اسرائيل افرجت عن 200 مليون شيكل (43 مليون دولار) أي عشر العائدات الفلسطينية التي جمدتها اسرائيل منذ بدء الانتفاضة في ايلول/ سبتمبر 2000 وتقدر بملياري شيكل (430 مليون دولار). وقال بيريز لشبكة تلفزيون "سي ان ان" الأمريكي أنه أعلم وزير المالية الفلسطيني سلام فياض بهذا الاجراء. وهذه المبالغ نتجت خصوصا عن قيمة الضريبة المضافة والرسوم الجمركية المفروضة على المواد المستوردة الى الضفة الغربية وقطاع غزة عبر الاراضي الاسرائيلية. وتوعدت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بتلقين اسرائيل درسا نوعيا قاسيا. وقال محمود الزهار أحد قادة حماس السياسيين: علينا الان، بعد ان ندفن شهدءانا .. ان نلقن رئيس الاركان الاسرائيلي الجديد كالسابقين من قبله، دروسا .. أمامنا مواجهة مفتوحة .. كل الساحات مفتوحة وكل الاهداف مشروعة. وكان الشيخ أحمد ياسين مرشد حماس قد أكد أن الحركة كانت مستعدة لقيام هدنة مشروطة قبل أن يأمر المجرم ارئيل شارون رئيس الوزراء الصهيوني بشن تلك الغارة البشعة التي خسرت فشيها حماس قائدها العسكري صلاح مصطفى شحادة. ويشعر المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة المكتظ بالسكان برغبة جامحة في الانتقام من اسرائيل. ويؤكدون أن شارون قصد تحويل الصراع من المساعي الدبلوماسية التي كادت تثمر عن نتيجة الى المسألة الأمنية التي يحتج بها للتمسك بالسلطة في حين أنه لا يملك أي برنامج للتفاعل مع مساعي السلام. ويقول مازن (37 عاما) وهو بائع في وسط المدينة وعضو في حركة فتح: قبل ان يشن شارون الغارة، كان الناس يأملون استئناف المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ويضيف خالد (30 عاما) وهو صاحب متجر: شارون يقصف كلما بدت فرصة للسلام فهو يحتاج لان يكون في وضع حرب لضمان بقائه في السلطة. ويتابع مازن: الدماء ستسيل مجددا ولو اننا لا نحب ذلك. الاسرائيليون لا يفهمون الا لغة العنف. ويؤكد مازن وخالد ان العمليات الاستشهادية ستستأنف رغم قيام الجيش الاسرائيلي باعادة احتلال سبع من المدن الفلسطينية الثماني الرئيسية في الضفة الغربية. ويتابع مازن: المقاومة تعرف كيف تخترق القيود كما فعلت قبلا .. الاجنحة المسلحة لكل الحركات عقدت اجتماعا يوم الثلاثاء لرفع مستوى المقاومة. ويؤكد تامر ورامز ومحمد، وهم باعة في محل للالبسة الجاهزة في العشرينيات من أعمارهم عن قرب تنفيذ عمليات: العمليات ستتواصل لان هذا ما يريده شارون .. نحن مستعدون لمواجهة الرد الاسرائيلي ولكن اسرائيل لن تجرؤ بعد ذلك ابدا على اعادة احتلال قطاع غزة. ويقول رامز: لا احد يحب اراقة الدماء ولكن شارون لا يترك لنا خيارا آخر، الامور قد تتغير لو قبل التنحي عن السلطة. ويروي عماد السوسي (38 عاما) بائع العصير انه كان يأمل ايضا استئناف المفاوضات غير ان هذا الامل تلاشى بعد الغارة الاسرائيلية: لم يقتلوا شحادة فحسب بل العديد من المدنيين الابرياء .. هذا ما يصدمنا نحن الناس البسطاء، نعرف ان غارات اخرى مماثلة ستنفذ ولهذا ستقوم مجموعاتنا المسلحة بالرد. وتقول الطالبتان سمر ونبال: حياتنا باتت تختصر بكلمات بسيطة: غارات اسرائيلية ثم رد فلسطيني، وتضيف سمر: لا يسرنا بالطبع ان نرى مدنيين اسرائيليين يموتون ولكن هذا هو واقعنا: العين بالعين والسن بالسن. ويقول الشيخ ابو نزار الشخصية الدينية البارزة في حماس والذي استشهد ابنه في عملية في احدى المستوطنات: الكفاح الفلسطيني لا يقوم على العنف ولكن على استعادة حقوقنا في ارضنا المحتلة، وردا على سؤال حول ما اذا كان من الصواب قتل ما يسمى بالمدنيين الاسرائيليين، أجاب منبها: كل الاسرائيليين جنود.