الكلام حول «الهوية» لن ينفد فمازال كثير من المفكرين المعاصرين منهمكين في التعرف على مفهوم الهوية.. وهل هي واحدة أم متعددة وهل هي ثابتة أم متحولة وكيف تتكون وما تأثيرها في الانسان الفكري والعملي.. ويعتبر كتاب الروائي أمين معلوف: (الهويات القاتلة) من أفضل من تكلم عن الهوية.. يقول معلوف: «الهوية لا تعطى مرة واحدة وإلى الأبد للفرد بل تتشكل من عدة انتماءات تتبدل ويختلف تراتب عناصرها.. وان الفرد يميل بطبعه فيما يخص تعريف هويته وتحديد انتمائه بأكثر عناصر هويته عرضة للخطر خطر الاهانة أو التهميش أو السخرية أو القمع». نحن نعرف المقولة التي نصها : (البعد الثقافي هو الذي يميز الوجود الانساني ويفصله عن الوجود (الطبيعي) الحيواني) وهنا يصبح السؤال ما هي هذه الهوية العدوانية، التي لم تنفصل حتى الآن عن الوجود الطبيعي وهل يصح أن نسميها ثقافية؟ ثم يقول: «بعد كل مذبحة اثنية جديدة نتساءل بحق كيف يصل الأمر بكائنات انسانية إلى حد اركاب مثل هذه الفظائع كل جماعة انسانية ستميل إلى انتاج قتلة يرتكبون اسوأ الفظاعات مقتنعين انهم على حق وانهم يستحقون السماء». كلام معلوف هذا يدفعنا إلى سؤالين: ما هو العنف وهل هو طبيعي أم ثقافي؟ وكيف تصل هوية انسانية إلى هذا المستوى من الغرائز البدائية الوحشية؟ يقول لورنتز: «يشترك الانسان مع الحيوان في الجوانب العدوانية ويتصف الحيوان بامتلاك كوابح طبيعية عصبية.. أما كوابح الانسان فهي ثقافية». وهنا نصل إلى الاجابة عن السؤال الثاني: نحن نعرف المقولة التي نصها : (البعد الثقافي هو الذي يميز الوجود الانساني ويفصله عن الوجود (الطبيعي) الحيواني) وهنا يصبح السؤال ما هي هذه الهوية العدوانية، التي لم تنفصل حتى الآن عن الوجود الطبيعي وهل يصح أن نسميها ثقافية؟ إن قاعدة «السمع والطاعة» التي تقوم عليها هذه الهوية القاتلة... لا يمكن أن تكون ثقافة متجاوزة للعالم الطبيعي.. ذلك لأن احد التعريفات للانسان يقول: (الانسان هو كائن يختار) وقاعدة السمع والطاعة تسلب من الفرد ارادة الاختيار.. انه يصبح مجرد آلة يدور حيثما يشاء محركها. من الشذوذ الفاضح ان نسمي القتل حتى بسبب وهمي انه ثقافة قاتلة.. بل هو لا ثقافة بل ارتداد العالم الطبيعي الذي يتحرك فيه المرء بدون كوابح حتى كوابح الحيوان.