الإرهاب هو العدو التاريخي للإنسان والنوم.. وهو من أسوأ أنواع الظلم الذي نهت عنه كل الأديان والعقائد ورموز الفكر الإنساني.. والدعوة إلى محاربة الإرهاب دعوة حق وتستجيب لها كل الشعوب وتؤيدها.. ولكن حينما تصبح ممارسة الحرب على الإرهاب تصرفاً شخصياً ووسيلة لتصفية حسابات مع أديان أو حضارات أو شعوب فإن هذه الحرب تفرغ من مضمونها ورسالتها السامية.. ومع الأسف فإن حرب الإعلام الأمريكي على الإرهاب تعدت المهمة إلى أن تكون حرباً على الشعوب والثقافات والأديان.. ورغم أن المجتمعات الإسلامية أبانت عبر قادتها السياسيين وعلمائها ورموزها الفكرية، خطورة التقصد في الإعلام الأمريكي.. ولا يزال هذا الإعلام مستمراً في التحريض على إشعال حرب الحضارات.. ولا يوجد أي هدف يخدم الشعب الأمريكي من هذا التحريض أو من قيام حرب الحضارات.. سوى هدف واحد هو ان مثل هذا التحريض يخدم المصالح الإسرائيلية فقط.. بينما سوف تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية والشعب الأمريكي من أكبر الخاسرين.. فمن غير الحصافة أن تواجه قوة حتى وإن كانت قوة عظمى ثقافات الشعوب أو أن تحاول تطويعها.. وكل القوى العظمى استمرت قوية متألقة حينما تحاورت وتصالحت مع ثقافات الشعوب.. ولكن حينما قامت بممارسات مضادة لضمير الشعوب وثقافاتها كان ذلك الخطوة الأولى لزوالها وخروجها من المسرح العالمي.. والولاياتالمتحدةالأمريكية ليست استثناء من التاريخ.. فهي ستستمر قوة عظمى حينما يتصرف إعلاميوها وسياسيوها ومفكروها بلباقة وينتهجون العدالة.. ولكن حينما ينقادون إلى العواطف ومجموعات الضغط ويهبطون بأطروحاتهم وتصرفاتهم إلى ممارسة تصفية الحسابات السياسية أو الدينية أو العرقية فإنهم يقامرون بمستقبل بلادهم.. وأكبر الأخطاء التي ترتكبها القوى العظمى هي أن تنقاد إلى حسابات الحلفاء الصغار، ومحاولة إرضائهم على حساب دورها الأكبر في التعامل مع قضايا الشعوب.. وتوظيف إسرائيل للقوة الأمريكية لخدمة نهجها العدواني وسلوكياتها المتطرفة هو أكبر الأخطاء والخطايا التي تضع مصداقية القوة العظمى على المحك.. خاصة مع وجودها قوى صاعدة تحاول استثمار أخطاء القوة العظمة لتكسر عنفوانها وتحل محلها.. وبدايات القرن الحالي تؤكد هذه الرؤية.. فالقوى العظمى في ذلك الوقت ارتكبت أخطاء في علاقاتها مع الشعوب فتراجعت إلى ما خلف الأفق وصعدت الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة عظمى.. ولم تصبح أمريكا قوة عظمى بسبب إمكاناتها فقط إنما أصبحت قوة بسبب أخطاء القوى العظمى.. ولم يختف الاتحاد السوفيتي بسبب القوة الأمريكية وإنما اختفى بسبب أخطاء النخبة الحاكمة في الكرملين التي كانت تفتعل الحروب وتشن حرباً دون هوادة على ثقافات الشعوب من خلال تبني الكرملين للشيوعية كخيار وحيد للحياة ومحاولات فرض هذه الرؤية الأحادية بالقوة على الشعوب. إذا الحرب الأمريكية على الإرهاب هي محاولة لفرض الرؤية الأحادية الأمريكية على الشعوب فإن ذلك يجعل واشنطن تلعب دوراً مماثلاً لما كانت تفعله موسكو التي لم تدرك أخطاءها سوى بعد أن أصبحت في الصفوف الخلفية..