نشر الأمريكي جورج فريدمان كتابه (المائة عام المقبلة) من خلال قراءته للتاريخ وتحليله للحاضر، وقد عرضه بالعربية مصطفى عبد الرازق. والأساس الذي بُني عليه الكتاب هو تغيير جوهر الشعار القائل: كن عمليا واطلب المستحيل. ما جعلني أكتب عن الموضوع هو الصورة بالغة الكآبة عن توقعاته للضعف الذي سيكون عليه الجانب العربي والإسلامي خلال القرن الحالي، حيث يقول عن المنطقة الإسلامية: الزلزال الذي حدث بالمنطقة جراء هجمات سبتمبر لم يحول المنطقة إلى قوة عظمى، بل أصبحت مفككة أكثر من ذي قبل. ويتوقع أن النصف الأول من القرن سيتمحور حول الصراع بين الولاياتالمتحدة وبين القوى التي تحاول تشكيل تحالف لتقويض الهيمنة الأميركية. ويقول: إن حرب الولاياتالمتحدة مع الإسلاميين قد انتهت، والمشهد المقبل يحمل صداماً مع قوى جديدة. وسيكون في القرن الحالي حروب وفقر وانتصارات وهزائم ومآسٍ وأوضاع جديدة. ويخالف المؤلف الكثير من الرؤى والتحليلات القائلة بأن الولاياتالمتحدة تواجه خطر التراجع لتصبح مجرد قوة كبرى بين مجموعة قوى. ويقرر أن العصر الأوروبي قد انتهى، وأن عصر أمريكا قد بدأ، لتكون نقطة ارتكاز الأحداث في القرن الحالي، دون أن يعني بالضرورة أن نظامها يتسم بالعدل أو الأخلاق، أو أنها وصلت إلى مرحلة نضج الحضارة. ويشير إلى اعتقاد داخل أمريكا بأنها على حافة الهاوية، لكنه يقلل منه لأن أمريكا مازالت قادرة على النمو، ولديها قوة اقتصادية وتقنية وعسكرية وتسيطر على محيطات العالم والفضاء وتتحكم بالتجارة الدولية. ويرى أن الصين إلى زوال، وستتحول إلى «نمر من ورق»، مفنداً الأطروحات التي تروج لصعود الصين والرأي القائل بأنها ستكون المنافس الرئيسي لأمريكا. ويتوقع تفكك روسيا مما يغري اليابان بفرض سيطرتها على الجزء الروسي القريب من المحيط الهادي لتأمين المواد الأولية. وستتحرك تركيا شمالاً داخل القوقاز لتبرز كواحدة من بين أكبر عشر اقتصادات على مستوى العالم، لتمتعها بواحد من أكثر المواقع حيوية. كما ستتحرك بولندا شرقاً. ويتوقع أن تقوم الحرب العالمية الثالثة في منتصف القرن، وطرفاها أمريكا ضد اليابان وتركيا اللتين ستبادران بهجوم مباغت في إطار صراع المصالح التي ستحكم العالم آنذاك في ظل انحسار القوى الأخرى. وستشن تركيا هجوما على بولندا والهند، وستشن اليابان هجوماً على الصين، لكن ليس باعتبارها قوى عظمى، إنما كحلفاء لأمريكا. ثم سيكون صلح تنسحب بموجبه تركيا واليابان لإحلال توازن في العالم. أفول القوة الأمريكية سينشأ من الصراع مع المكسيك التي سيتزايد عدد المهاجرين منها إلى أمريكا ليمثلوا فيها امتدادا لوطنهم. وستندلع مظاهرات ضد أمريكا في عدد من الولاياتالأمريكية مطالبة بضمها إلى المكسيك، وستبدأ أعمال تخريب وإرهاب ضد الحكومة الفيدرالية. ولن يستطيع الجيش الأمريكي السيطرة لأنه سيتم قطع خطوط الإمداد عنه. كل هذا ليس تنجيماً، بل تحليل، وهو، لاشك، قابل للخطأ كأي تحليل بشري. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز