وزير الجارجية الامريكية كولن باول وجد نفسه بعيدا على هامش الادارة الامريكية بعد تعرضه لانقلاب مهين في سياسته الشرق اوسطية. فقبل ان يمر شهر واحد من تأكيده على ان الولاياتالمتحدة ستواصل تعاملها مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات اجبر السيد باول على نبذ عرفات والتبرؤ منه. احد الدبلوماسيين الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية السياسة الداخلية في الادارة الامريكية وصف موقف باول بانه( ديناميتي) على وشك الانفجار.وعلق دبلوماسي اخر على تحول باول المفاجئ تجاه عرفات بان مواقفه "تسير من غريبة الى اغرب". لقد اصبح باول شيمون بيريز الادارة الامريكية فقد رضي بان يكون ورقة التوت لسياسات الجناح اليميني في الادارة بامل ان يقوم بدور الكوابح عند التجاوزات الخطيرة. فهو بعد لقائه مع وزير خارجية الدنمارك بير استيج مولير الذي تولت بلاده رئاسة الاتحاد الاوروبي واضعين في الاعتبار ما جرى مؤخرا ليس هناك ضمان بان يقوله لاستيج سيكون نفس ما يقوله في عطلة نهاية الاسبوع او الاسبوع القادم او الشهر التالي. ففي لقاء مع صحيفة الحياة العربية الشهر الماضي ارجأ باول فكرة عقد مؤتمر سلام للشرق الاوسط الى الصيف القادم وقال ان الولاياتالمتحدة ستستمر تتعامل مع عرفات ثم كرر نفس الكلام للصحفيين الامريكيين الذين رافقوه في رحلته. لكن سرعان ما ناقضه السكرتير الصحفي للبيت الابيض آري فليشر الذي وصف ذلك بانه افكار باول الشخصية وليست سياسة الادارة الامريكية ثم كان الانقلاب عندما لم يشر الرئيس بوش في خطابه الى مؤتمر السلام وخصص معظم خطابه للحديث عن وجوب تخلص الفلسطينيين من عرفات. بعد عدة ايام من خطاب بوش يبدو ان وزارة خارجية باول لم تستوعب تلك الدلالات فمضى المتحدثون باسم الخارجية يصرون على ان الولاياتالمتحدة ستستمر في التعامل مع عرفات الى ان جاء باول في مؤتمر صحفي لاحق ليذعن اخيرا للهزيمة امام صقور الادارة .فعندما سئل عن دور عرفات اعترف بانه حتى لو فاز الزعيم الفلسطيني في الانتخابات المقرر اجراؤها في يناير فان الولاياتالمتحدة قد لا تتعامل معه قائلا ( ليس لدي خطط للاجتماع به ولا اريد ان اتنبأ بالمستقبل) بعد بداية جيدة بدا فيها انه كسب على الاقل بعض المعارك اصبح باول يخسر بشكل متكرر للصقور المتحلقين حول وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الامن القومي كودوليزا رايس. بعد كل واحدة من هذه الصدمات تتردد تلميحات في الصحافة الامريكية بانه قد يستقيل.لكن اللقاءات التي تجرى مع السيد باول تكررت فيها كلمة (الولاء).فهذا العسكري سابقا يشدد على الاخلاص والولاء لرؤسائه وتلقى هذه الصدمات هي المفتاح لما حققه من نجاح وظيفي. وزراء الخارجية الاوروبيون يرون في السيد باول ممثلهم في واشنطن فهو العضو الذي يتمتع بشئ من المعقولية في الادارة. فالدبلوماسيون الاوروبيون يؤكدون انه بالرغم من ان خطاب بوش عن الشرق الاوسط هزيمة لباول فان وزير الخارجية يظل له نجاحاته المتواضعة الخاصة به. وهم يشيرون الى اقتراح الحل على اساس قيام دولتين وفترة السنوات الثلاث المقترحة لتطبيقها رغم ان الشروط المطلوب تنفيذها لتحقيق ذلك صعبة. ويقول هذا الدبلوماسي( واضعين في الاعتبار حقيقة ماهو معروف عن الادارة الامريكية فان باول يقوم باحسن ما يستطيع في اصعب الظروف). في واشنطن تتردد همسات بان باول اصبح شخصا معزولا داخل الادارة الامريكية.وان تأثيره على الرئيس في ما يتعلق بامور اساسية في السياسة الخارجية اصبح ضعيفا اذا ما قورن بتأثير وزير الدفاع رامسفيلد ونائب الرئيس تشيني. وبلغ بالاشاعات ان روجت الى ان باول يريد ان يستقيل في نهاية هذا العام بعد الانتخابات النصفية.الا هناك من ينقل عنه قوله للمقربين منه (لن اسمح لهم بطردي). خارج الولاياتالمتحدة ينظر الى باول على انه صوت الاعتدال والبراغماتيه الوحيد في الادارة الامريكية. وان خروجه سيثير مخاوف العديد من العواصم. ولانه كذلك فهو يتعرض لحملة انتقاد هامس من قبل الجمهوريين المتشددين داخل الادارة وفي الكابيتول هيل(الكونجرس). غير ان استقالة رئيس هيئة اركان حرب الخليج واول وزير خارجية اسود سيكون بمثابة ضربة للبيت الابيض خاصة وان استبيانات الرأي تعطيه اكثر من الرئيس نفسه.وهناك من يرى ان هذا هو الوقت المناسب لاستقالة باول لانه اذا استقال فسيسدد ضربة قاسية للبيت الابيض.