ببساطة كلنا من حيث نعلم أو لا نعلم نقع يوميا تحت تأثير قانون الدهشة وبمعدلات تأثير متفاوته بحسب ما نملكه من أدوات ومهارات وخبرات، وقانون الدهشة لا يختلف من حيث الحتمية عن قانون الجاذبية أو قانون الفعل ورد الفعل أو قانون الأواني المستطرقة، هناك مقولة لا يُعرف مصدرها لكنها متداولة وتبدو منطقية مفادها (أن للقادم دهشة) وهي تشير إلى أنه عند وجود الإنسان في مكان أو موقف لم يعرفه من قبل تأخذه رعشة الدهشة لفترة قد تقصر أو تطول حسب مواصفات المكان ومقدار استيعاب الْمَدْهُوشُ ولغويا تشير كلمة الْمَدْهُوشُ هو الذاهبُ عقلُه حياء، أو خوفا، أو غضبا أو هو الذي اعترته حالة انفعال، لا يدري فيها ما يقول، أو يفعل، أو يصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل في أقواله، وأفعاله، وتعتبر تلك الفترة الزمنية التحدي الحقيق ليستوعب فيها الوجوه التي حوله ويألف فيها تفاصيل المكان الذي لم يره من قبل ليفهم رموز المعادلة المسيرة للحدث ثم بعدها تأتي مرحلة التأقلم مع الموقف الجديد بحيثياته الزمانية والمكانية والمعرفية، وعندها إما أن يصبح جزءا من المشهد أو يرفض المشهد، إما أن يشترك في الحديث ويبدأ في النقاش والتواصل والتفاعل أو قد يبدأ بالتناحر والعراك والنفور، المهم والثابت أنه في فترة التأقلم يجب أن يتصرف بحذر شديد يتحسس فيها موضع قدمه قبل أن يخطو خطوة واحدة. هذه المقدمة هي تبرير منصف لحالة الرفض لدى البعض للتطور المنطقي لفلسفة المال والتجارة، وهو الرفض البشري الغريزي لما يجهل وفقا لقاعدة الإنسان عدو ما يجهل التي ينسبها البعض للأمام علي رضي الله عنه، فقد رفض الإنسان قديما مبدأ المقايضة واختلف البشر فيما بينهم في تعريف الآلية التي تتم فيها عملية المقايضة، فراعي الغنم لم يكن مقتنعا أن يمنح خروفا مقابل كيسا من الشعير أو الحنطة والأمر نفسه لدى المزارع، ثم دخلت البشرية جدلية العدالة المالية بعد أن أصبحت السلع تباع بقطعة من ذهب أو فضة أو نحاس وهناك السؤال الأزلي من أعطى لهذه المعادن قيمتها؟ ثم السلع مقابل الأوراق النقدية بما تحمل من أسئلة ثم السلع مقابل مال لا يرى ولا يحس يأخذ من البطاقة البنكية، وهنا أتحدث عن المراحل وفقا لقانون الدهشة أي عند استعمال تلك الآليات التجارية في بداياتها ولَك أن تتخيل عمليات الإقناع والترغيب للبائع والمشتري لإتمام عملية البيع والشراء، الآن نحن نعيش عصر العملات الرقمية وهي وإن كانت تأتي في سياق التطور الطبيعي لفلسفة المال والتجارة إلا أنها قفزة معرفية أوسع من القفزات السابقة وهنا لا أقصد القفزة ببعدها الزمني فما بين التجارة بالمقايضة والتجارة باستعمال المعادن مئات السنوات لكن أقصد القفزة وفقا لقانون الدهشة، فالمتداول والمدخر والمستثمر لم يعبروا بعد مساحة الدهشة لهذه المرحلة العميقة والمترامية الأطراف والأفاق معرفيا وتكنولوجيا لهذا تتعرض العملات الرقمية لهجوم حاد من أفراد وحكومات، أفراد يجهلون الأمر وآخرون يشعرون بخطر ولادة الأثرياء الجدد والحكومات ليس لديها القدرة على المواكبة بسبب تحديات السياسة والاقتصاد والاجتماع، في النهاية ستصبح العملات الرقمية الوقع المالي الجديد خلال السنوات القليلة القادمة ولن يستطيع أحد إيقافها لكن نصيحة للرافضين أو المندهشين حاولوا أن تستوعبوا أن تعاقب الأيام وتطور المعارف والعلوم والتعاملات من السنن الإلهية ولكم في بطون أمهات الكتب الكثير من الأدلة والقرائن.