حول الأثر الذي تركه 11 سبتمبر على المشهد الثقافي والأدبي السعودي، كتب محرر “الوئام” عبدالله وافيه، في تحقيق مع المثقفين السعوديين أن هذا الحدث المزلزل، أسهم في تغييرات أصبحت ظاهرة وطفرة غير مسبوقة، تشغل المهتمين بجرأتها ومواضيعها المثيرة. وقال إن هذا الحدث يطارد العرب، ويلقى بظلال ثقيلة ليس فقط على الرواية، إنما على المجتمع السعودي نفسه، وفتح عيونه على قضاياها الأساسية والحساسة، لتبدأ مرحلة التساؤلات والبحث عن حلول، لن تأتي في سهولة، بدأ تأمل المجتمع لذاته الاجتماعية والتاريخية، وتصعيد نقدها وفك كل حجب المواربة والاختفاء التي كانت تتلبسها. ونقل عن محمد الحرز قوله “إنه بعد مرور عقد من الزمن على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا زلنا في صيرورة الحدث، وآثاره لم تتضح معالمه بعد. لكن حين نقصر سؤالنا على علاقة الحدث بالمشهد الثقافي، وخصوصاً بالطفرة الروائية في السعودية، فإن العلاقة لا تنهض باعتبارها علاقة نتيجة بسبب، وإنما الأحداث نفسها سرعت من وتيرة المشهد الروائي، فحولته من حالة الكتابة في حدودها الذاتية إلى حالة خطاب يتغذى على الحدث من العمق. والمقصود بهذا الكلام هو أن الكتابة الروائية ما قبل الحدث لم يتسرب إلى نظرتها للمجتمع، وكذلك رؤيتها لشخوصها الروائية والمضامين والمواضيع التي تشتغل عليها المفهوم الإشكالي عن «الآخر المختلف». بل إن مجمل المقاربات التي حددت مسار تاريخ الرواية كانت محكومة بوعي ينظر إلى الجنس الروائي، في علاقته بقضايا الفرد والمجتمع انطلاقاً من تصورات شديدة العمومية والذاتية من قبيل ثنائية «القديم والجديد» أو «التخلف والتطور». وأما صالح زيّاد فقال “أحدثت حادثة 11 سبتمبر زلزالاً أيقظ الوعي العربي والإسلامي، ودفعه دفعاً إلى تأمل ذاته الاجتماعية والتاريخية وتصعيد نقدها وفك كل حجب المواربة والاختفاء التي كانت تتلبسها. ولهذا كان فيضان إصدارات الرواية في المملكة خصوصاً، هو الوجه الموازي لاتساع الواقع الثقافي لدينا لدور الصحافة النقدي، وبروز وجوه نقدية جريئة بحدة لم تكن مألوفة من خلال أدوات الصحافة المعروفة المقالة والتحقيق والحوار والخبر والكاريكاتير. وهو وجه للتجاوب بين المنتجات الثقافية والفكرية فقد كان حضور الرواية وتكاثر إصداراتها مميزاً بدخول المرأة فاعلاً ثقافياً وإبداعياً، بطريقة مختلفة سواء في نوعية تعاطيها مع نوع أدبي كان شحيحاً وهو الرواية أو في أعداد النساء الكاتبات اللاتي ملأن المشهد بتوهجهن. ودشنت الحادثة نقاشاً جدياً من زوايا جديدة في المجتمعات العربية والمجتمع السعودي بخاصة، حول الدين والدولة، والعلمانية والليبرالية، وأخذ الإسلام السياسي يخضع لمساءلات جادة، وأسالت الحادثة وعقابيلها وأحداث الإرهاب المتصلة بها مداداً غزيراً في هذه المعاني، من خلال مقالات وكتب وجهود صحفية متنوعة”. فيما قال خالد الرفاعي “لا يختلف اثنان في أن المشهد الثقافي ظل للواقع، يتأثر بأحداثه ووقائعه، ويستوعب هذه الأحداث ويعبّر عنها وفق السياق الذي يختاره المثقّف لنفسه؛ ولا يقف تأثره عند حدود الاستيعاب فحسب، وإنما يتجاوزه إلى إجراء تحوّل ما في الخطاب ومضمونه؛ وهذا ما عبرت عنه يمنى العيد ب«التحوّل في التحوّل». الحادي عشر من سبتمبر لم يكن حدثاً عادياً، ولم يكن محدداً بمساحة مكانية (أميركا)، أو زمنية (الحاضر)، فهو أشبه ما يكون بالريح المرسلة التي لا تغادر شيئاً مرت عليه إلا جعلته كالرميم. لقد كان الحدث مذهلاً، فتكسّرت على شفاه النخبة أسئلة من ورائها أسئلة، احتجنا للإجابة عنها إلى جيش كبير من الشعراء والروائيين والإعلاميين...، وما نزال نتلقى حتى يومنا هذا من يجيب عن هذه الأسئلة بشكل أو بآخر. ومهما قلنا عن القنوات التي تأثرت بهذا الحدث فإن الرواية تعد القناة الأكثر تأثراً، بخاصة في المجتمعات المحافظة التي لا تقوى على الإجابة عن الأسئلة المصيرية بالأشكال الأدبية الشفّافة، أو الكتابات الوظيفية الواضحة...؛ كونها تتسع من حيث عناصر الخطاب لتعدّد الأمكنة، وتمدّد الأزمنة، والثنائيات الضدية في الذوات والأشياء والمعاني، هذا إضافة إلى كونها تعطي المبدع مساحة للتخفي حول هذه المكوّنات المختلفة”. وقالت سالمة الموشي “هناك تأثير وأثر تركته أحداث ما بعد سبتمبر ليس على مستوى «الرواية» بل على كل المستويات، فمثلاً وظفت أحداث سبتمبر في الرواية في الغرب بطريقة تختلف عما هي عليه في الشرق، إذ ظهرت روايات تتناول الحدث وتستشرف المستقبل إنما برؤية غربية تعكس مفاهيمهم وقيمهم ونظرتهم إلى الشرق والعرب، كونه مصدر الشر والإرهاب كما ظهر في كتاب «آل بن لادن» للكاتب ستيف كول وكذلك كتاب «نشأة بن لادن» للصحافى جين ساسون في الوقت الذي أخفقت فيه الرواية العربية في الظهور بمظهر الرواية المضادة أو الرواية السياسية، التي تعكس حقيقة ما يحدث، إذ شكل الفارق هنا أن الرواية في الغرب التي ظهرت بعد سبتمبر تنطلق من ثيمة «من يعري ويكشف حقيقة فيما الرواية العربية أخذت موقف الدفاع عن الذات العربية ليس أكثر”. وختم بحديث سناء القحطاني التي قالت “بعد الحادي عشر من سبتمبر، تحركت آليات الإعلام الغربي واتجهت بحواسها إلى المشهد الثقافي المتأجج هناك والأقلام الغربية الغاضبة. وظهر إنتاج أدبي غزير هاجم في معظمه العرب والمسلمين، ولاقت أصداؤه رضا العالم أجمع وتأييده، وخصوصاً ما ظهر في أدب الطفل في أميركا مع الذكرى الأولى والذي أثار حفيظة المسلمين هناك ،وحيثما كانت توجهات تلك الأقلام الثقافية والفكرية، فإنها أضافت وبتميز بريقاً أخاذاً، خصوصاً للعمل الروائي الذي ساد المشهد الثقافي في ذلك الوقت، وأصبح التدفق هائل في كمه وكيفه أيضاً”.