تأتي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية ومصر في ضوء اهتمام المملكة بالقضايا الدولية والوضع الحساس في المنطقة. وبالنسبة لمصر خاصة جاءت في إطار العمل المشترك والمصير الواحد لبلدين يشكلان الثقل السياسي الأبرز في المنطقة والثبات والمصداقية والاعتدال في المواقف السياسية من قضايا المنطقة والبعد عن الاطماع الجغرافية والإحساس بالمسؤولية تجاه الأمة والمنطقة والدفاع عن المكتسبات التاريخية للبلدين . والسياسة السعودية الخارجية في هذه المرحلة تتسم عن غيرها بثلاثة محاور هي محور الثوابت ومحور مواكبة المتغيرات الدولية ومحور الحزم فالمتابع للنهج السياسي السعودي منذ نشأة الدولة يلحظ تركيزها على الثوابت المتمثّلة في أنها قبلة المسلمين وفيها الحرمين الشريفين ويقع عليها مسؤوليات التضامن والتعاون مع العالم أجمع بما يحفظ حقوق الأمة الإسلامية ويحقق مصالحها في شتى أنحاء المعمورة وكذلك احترامها للمواثيق والتعهدات والاتفاقيات الدولية ودعم المنظمات الدولية السياسية والحقوقية والاقتصادية والتعليمية وغيرها. وإقامة علاقاتها على مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والعليا للأمة وعدم التدخل في شؤون الآخرين وإغاثة الملهوف وفق الأعراف الإسلامية ، والبعد عن الصخب في ممارسة أدوارها العالمية بهدوء وحكمة وصبر ما أطلق عليها سمة (السياسة ذات النفس الطويل ) ليس ذلك في حسب في بعد الثوابت وإنما ايمانها الراسخ بالسلام العالمي والاستقرار الدولي والأقليمي بما يحقق التنمية والرخاء لجميع الدول. وفي محور مواكبة المتغيرات الدولية التي تفرض نفسها على ساحة العلاقات الدولية تتفاعل السياسة الخارجية السعودية مع تلك المتغيرات بايجابية عالية وبمبادرات داعمة وبالذات في القضايا المحورية كقضية الإرهاب التي عانت منها الدولة كثيراً حتى أصبحت خبراتها وتجاربها في مكافحة الإرهاب مضربا للمثل ومرجعاً للاستفادة من تلك التجارب. وفِي قضايا حوار الحضارات والطاقة والبيئة والمناخ والأزمات المالية العالمية كان للملكة السبق في دعم الجهود الدولية في معالجة تلك القضايا بما يخدم التوجهات العالمية نحوها . والمحور الأخير وهو محور الحزم جاء متزامناً مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دفة الحكم في البلاد والتطورات الإقليمية على وجه الخصوص والتي تمثلت في آثار ثورات الربيع العربي والتطرف المذهبي والتوسع والتغول الإيراني والحلم العثماني وعوامل أخرى كثيرة فرضت على صانع القرار السياسي الخارجي التحول في إدارة الأزمات من سياسة التجاوز والتسامح وغض الطرف إلى سياسة العزم والحزم ووضع الأمور في نصابها ووقف العبث الأقليمي لبعض القوى المهووسة بالتوسع. وحققت هذه السياسة نجاحات كبيرة وغير مسبوقة في حفظ حدود المملكة ومكتسباتها وحفظ التوازنات الإقليمية بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة ، وعزز هذه السياسة وأبرزها التحولات الجذرية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، قائد رؤية 2030 ومهندسها بما تضمنته الرؤية من أهداف على المستوى المحلي والدولي . وعموماً هذه الزيارة ليست زيارة تقليدية بل زيارة استراتيجية لشخصية عالمية استثنائية ونادرة اثبتت كفاءتها في فترة وجيزة وأحدثت تحولات جذرية غير مسبوقة في الداخل والخارج وعلى صورة كبيرة من الشفافية والافصاح والمصداقية ما يجعل العالم أجمع يترقب نتائجها السياسية والاقتصادية والتي حتماً سيكون لها آثار إيجابية كبيرة على مستقبل وطننا والمنطقة بوجه عام .