غفر الله لشاعرنا بشّار بن برد. تحايل على "عماه" وأرسل أذنه البصيرة قائماً ل "أعمال العشق والهوى"، سفيراً عند معشوقاته من صبايا الزمن الغابر. قال: "يا قومِ أذْني لبعض الحيّ عاشقة/ والأذنُ تعشقُ قبل العين أحْيانا/ فقلتُ أحسنتِ أنت الشمسُ طالعة/ أضرمت في القلب والأحشاء نيرانا"! لم يكن بشارًا يدري بأن "بعض" جميلات صعيد مصر، سيضرمن النيران "في القلب والأحشاء والكبد"، لا بالعيون "التي في طرفها حورٌ" كما تخيّل بشّارًا الأعمي، بل بالحقائب المكتنزة بالمال وتمويلهنّ عمليات "تنظيم داعش الصعيد"، لقتل كلّ من سوّلت له بتنفّس الأمن والسلام. "أروى" و"أمل" سيدتان داعشيتان – الأخيرة، كُنيتها أم المثنّى – كشفت التحقيقات عن تورطّهن في تمويل العمليات الارهابية لأنشطة "داعش الصعيد"، المرتبط عبر أنبوب الموت الممتد إلى "داعش ليبيا" الذي يستقي بدوره أوامر التقتيل من الأعمي الحقيقي، رهين محابس الكهوف والجحور: "أبو بكر البغدادي". ليس في مقدور الثنائي "أروى وأمل" النكران، بعد أن اعترف بدورهنّ في تمويل حفلات الموت المجانية، (43) محبوسًا من أصل (66) ارهابيًا، ألقت السلطات المصرية القبض عليهم في أعقاب حملات التمشيط الواسعة التي شنّتها لكشف أسرار المجزرة التي تبنّتها داعش في حق 52 قبطيًا مغدورًا سقط بين جريح وقتيل بصحراء محافظة ألمنيا الأسبوع الماضي. لم يجد النائب العام المصري حيال الاعتراف الموثّق، بدًا من الأمر باحالة المتهمين إلى الجنايات، بعد كشفهم بالتفصيل المرعب، تشكيلهم خلية ارهابية والانضمام إليها، تتبع تنظيم "داعش" وتنشر نشاطها الدموي الهدّام على امتداد (6) محافظات مصرية، بعد أن أطلقوا على أنفسهم: "تنظيم ولاية الصعيد". وأقر المتهمون في التحقيقات التي سبقت الزج بهم في محابس "الجنايات" تمهيداً للمحاكمة، أقروّا بانضمامهم وآخرين لخلية تنظيمية تعتنق أفكار تنظيم داعش القائمة على تكفير الحاكم ومعاونيه من القوات النظامية، ووجوب الخروج عليهم وقتالهم بدعوى عدم تطبيقهم الشريعة الإسلامية. معترفين بأن المتهم الثاني هو من أسس التنظيم الدموي، فيما تولى قيادتها المتهم الثاني. وبالتضامن، شنوّا عملية عدائية استهدفت سيارة لنقل الأموال في محافظة "كفر الشيخ"، أقصى شمال مصر "المحروسة". وكشف المتهمون، عن سعيهم إلى اقامة معسكرات للتدريب على استخدام الأسلحة النارية وتلقى التدريبات البدنية استعدادا لتنفيذ بعض العمليات العدائية داخل مصر، فضلًا عن اتخاذهم تدابير أمنية للحيلولة دون ضبطهم، ما دعاهم إلى استخدام أسماء حركية، متّخذين من مسكن أحدهم وبعض دور العبادة، مقرات لعقد اللقاءات التنظيمية لتدارس "التأصيل الشرعي لأفكارهم التكفيرية"! وأكد المتهمون على قيامهم بالتخطيط لاستهداف مكاتب البريد وسيارات نقل الأموال ومحصّلي فواتير الكهرباء والمياه سعياً منهم إلى "توفير الأموال اللازمة لشراء الأسلحة النارية والذخائر وإقامة معسكرات للتدريب على كيفية استخدامها".