جاء قرار علي الغفيص وزير العمل والتنمية الاجتماعية بقصر العمل بمراكز التسوق في المملكة على المواطنين السعوديين الذين يشكلون حاليًا خمس قوة العمل في قطاع التجزئة، في وقته المناسب. ويتيح القرار الذي انتظره المواطن السعودي سنوات، الملايين من فرص العمل أمام الشباب السعودي من الجنسين، كما يحقق القرار الصائب أحد أهم أهداف برنامج التحول الوطني 2020، ورؤية المملكة 2030، التي جعلت "السعودة" أو توطين الوظائف من أهم تحدياتها. ويعمل بقطاع المولات والمراكز التجارية نحو 1.5 مليون عامل، بينهم 300 ألف سعودي فقط، ومن المنتظر أن يقفز هذا الرقم إلى أكثر من مليون سعودي خلال الأشهر القليلة المقبلة بعد تطبيق القرار الجديد. ويتفاءل السعوديون بهذا القرار الذي سينتشل نحو مليون شاب وشابة سعودية من أنياب غول البطالة، وخاصة حملة المؤهلات العليا الذين يمثلون نحو 70 % من سوق العمل. وتكمن أهمية القرار في أنه، يعلن للعالم أن السعودية جادة بالفعل في تحقيق برنامجها التنموي الطموح، الذي يضع المواطن السعودي في مقدمة أولوياته، للنهوض به وتوفيروظيفة مناسبة له، تمكنه من عيشة كريمة، تليق بالمكانة الدولية المرموقة لبلاده وقيادته. وإذا كان عدد العمالة الوافدة 9 ملايين وافد تقريبًا، يمثلون 31 % أو ثلث عدد سكان المملكة البالغ 27.5 مليون نسمة، فإن السنوات القليلة المقبلة، ستشهد تقليصًا كبيرًا لوظائف غير السعوديين بفعل تطبيق المزيد من برامج التوطين في العديد من الوظائف الحيوية بالحكومة والقطاع الخاص. ورغم أهمية القرار إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في تنفيذه وتطبيقه. فكم من قرارات صدرت من قبل ولم يلتزم بها القطاع الخاص، بسبب بعض الثغرات، ولاستمرار ثقافة العيب التي ما زالت تنظر إلى بعض الوظائف نظرة دونية تمثل تحديًا كبيرًا تواجهه الحكومة عند شروعها في توطين الكثير من الوظائف، وإحلال العمالة السعودية محل العمالة الوافدة، ولتقليص معدل البطالة بين الشباب وخفض مؤشره الذي تجاوز حاجز ال13% (نحو 700 ألف عاطل) من إجمالي قوة العمل (5.5 مليون عامل). ويجمع الخبراء والمختصون على أن هذه الخطوة الجريئة، ستشكل العمود الفقري لبرنامج توطين الوظائف، وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة التي تستحوذ على 42% من فرص العمل بالسوق السعودي، بالقطاعين الحكومي والخاص. ولا ينقصها سوى تحويلها إلى واقع ملموس، عبر جدول زمني للتنفيذ، تلتزم به جميع الشركات العاملة في مجال المولات والمراكز التجارية سواء كانت سعودية أو عالمية. مع تحفيز القطاع الخاص السعودي وتشجيعه على توظيف السعوديين، بتقديم بعض الإعفاءات الضريبة والجمركية وغيرها من المحفزات الاقتصادية، مقابل قيام الشركات بتدريب وتأهيل الشاب السعودي للعمل في هذا المجال الذي يعمل به قطاع كبير من العمالة الوافدة التي تمكنت من تحويل نحو 700 مليار ريال سعودي إلى بلدانها خلال السنوات السبع 26 مليار دولار سنويًا. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن عدد الوظائف في القطاعين العام والخاص بلغ 10 ملايين و393 ألفاً و163 وظيفة، نصيب المواطنين منها 4.251.732 وظيفة، مقابل 5.884.670 وظيفة، للعماة الوافدة، فإن قرار سعودة المولات سيسهم في خفض هذه الأرقام لصالح الشباب السعودي، الذي توليه القيادة السعودية جل اهتمامها، وقد وضح ذلك جليًا في العدييد من المشاريع التي أطلقها المجلس الاقتصادي مؤخرًا، وفي مقدمتها المدينة الرياضية والترفيهية العالمية التي ستتيح الملايين من فرص العمل الجديدة للسعوديين. إن نجاح مثل هذه القرارات الجريئة يبقى مرهونًا بمدى الجدية والالتزام من جميع الأطراف المعنية بتنفيذها وتحمل نتائجها وتوابعها الأولية، وإن لم تتوفر الإرادة الحقيقية لجعل هذا القرار موضع التطبيق الفعلي، سيكون مصيره مثل قرارات أخرى كثيرة صدرت، وبقيت حبيسة الأدراج مجرد حبر على ورق، لا تضيف جديدا لشباب تفترسه البطالة، فى مجتمع ما زال يستقدم الملايين من العمالة بحجة رخص الثمن وقلة التكلفة، وهي الشماعة التي ينبغي إزالتها، وتمكين شبابنا من العمل ومنافسة العمالة الأخرى، ومن ثم توفير مليارات الريالات، ووقاية المجتمع من أخطار البطالة.