نشُر أمس الأول تصريح لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قال فيه لتجمع تركي مؤيد للتعديلات الدستورية التي سيجريها الرئيس التركي أردوغان: إنهم مسؤولون عن ملياري مسلم حول العالم وليس فقط ثمانين مليون مواطن تركي . هذا التصريح باعتبار أنه قيل في تركيا وبين الأتراك انكشف به جانب محوري من السياسات التركية في المنطقة وآلاف التصريحات التي أرادت قول ذلك ولم تقُله، هو أن كل التأويلات التي تحدثت عن طموح تركي في المنطقة العربية لم يكن ترفًا استنتاجيًا أو تحليليًا . تركيا دولة ذات طابع "براغماتي" فريد يسمح لها برفع الشعارات وركوب العربات واستخدام جميع أنواع الأوراق المطروحة على الطاولة فيما يتعلق بالنزاعات في الشرق الأوسط . وأسست بهذه "البراغماتية" شبه واقع جديد يهدد دول المنطقة الفاعلة المنهمكة بمحاربة التمدد الإيراني، إما القبول بخطر إيراني واقع قد تصل عقباته إلى زوال دول عن خارطة الجغرافيا أو تركيا الجديدة تتمدد بنصف أو ربع مجدها العثماني المتأصل. لايمكن إحسان النوايا مع التدخل العسكري التركي في العراقوسوريا خصوصاً أنه جاء بدون قرار دولي و بعيداً عن مظلة التحالف الدولي -لمحاربة داعش في سورياوالعراق- وبدون التنسيق مع أي شرعية هناك وليس ضد التوسع الإيراني الذي يَبني على أساسه حلفاء تركيا في الخليج استراتيجياتهم الأمنية و العسكرية .. ليس في العراقوسوريا فحسب، مصر قبل ذلك بدايةً بتأييد إسقاط الرئيس الأسبق حسني مبارك ثم دعم جماعة الإخوان في الحكم ومن بعد شن حرب سياسية و اقتصادية على حكومة الرئيس السيسي، لأن الإخوان المدعومين من عاصمتهم المركزية "أنقرة" كانوا سيسهلون هذا الطموح باعتبار أنهم ينتهجون التجربة التركية في الحكم والسياسات الخارجية . قفز الرئيس أردوغان بين كل التحالفات في الملف السوري وتأسيسه كيانات عسكرية تابعة لتركيا ليس من باب نصرة الشعب السوري حتى وإن كانت الشعارات كذلك، إنما لمنع قيام أي كيان كردي جديد بجوار تركيا على الأراضي السورية ولذلك حادت حربه في شمال سوريا من داعش وقوات الأسد إلى محاربة التنظيمات الكردية السورية حتى المعارضة منها لنظام الأسد . المنطقة العربية تمر بحالة توتّر مغرية للقوى الإقليمية غير العربية بمد نفوذها وتأثيرها إلى مناطق الصراع الاستراتيجية وتمثِّل إيران الخطر الإقليمي الأكبر لأنها جاءت باستراتيجية توسّع جديدة على المنطقة والعالم كله وكسبت مكانة قوية في التفاوض مع العالم على برنامجها النووي والتأثير في قرار المنطقة، وهذا إغراء لأي طموح إقليمي لدى تركيا التي تتشابه مع الحالة الإيرانية في العزلة الإقليمية والخصومة مع الغرب لكن ومع ذلك فمن غير المعقول أن نقبل بفرض واقع جديد إما بالقبول بنفوذ إيراني واسع ومدمِّر في المنطقة أو غض الطرف عن بديل تركي يمد قدمه من بعيد داخل المنطقة العربية مع ابتسامه خادعة.