فاجأنا الأمين العام ل«حزب الله» حسن نصر الله بمشهد جديد من مشاهده المسرحية، التي تحمل ملامح "الميلودراما الحزينة"، وجسد شخصية الرجل البريء من دماء الإرهاب، المحافظ على وحدة الصف العربى، الحارس الأمين على سورياولبنان، المدافع الأول والأوحد عن دين الإسلام، الرافض لممارسات "الدواعش" ومذابحهم ومشانقهم التي تنصب يوميًا للنساء والأطفال والرجال، وجرائمهم الوحشية والبربرية واغتصابهم للنساء. وتناسى نصر الله في خطابه الذى ألقاه مؤخرًا، أنه نفسه ذلك الرجل الذي لم يسلم من جرائمه الدموية الشعب اللبناني الشقيق، وأنه نفسه الصديق الصدوق للقيادات الخمينية المتشددة وميليشيات الحشد الشعبي، التي تعذب العراقيين وتسيل دماءهم فى الشوارع والطرقات، وأنه نفسه صديق وحليف الحوثي وعلي عبد الله صالح وغيرهما من القيادات الانقلابية، التي جعلت من اليمن ساحة للدمار والهلاك. والخطير في مشهد نصر الله، أنه يكشف براعته وإجادته للتمثيل، وقدرته على إظهارحزبه بأنه محب للسلام، يتوق إلى استقرار الشعوب، وإمعانًا في نجاح هذا المشهد دعا مقاتلي داعش إلى إلقاء السلاح وعدم الاقتتال أو كما قال للدواعش "توقفوا عن الفتنة وقتل إخوانكم". هكذا، استفاق نصر الله فجأة من غيبوبته، وطالب الأطراف المتحاربة في سورياوالعراق بأن يتوقفوا عن قتل بعضهم بعضًا لصالح أمريكا وبني صهيون، وخاطب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بلغة جديدة لا تخلو من روح الضعف والإفلاس . أخيرًا أدرك راعي الإرهاب الإيراني في المنطقة العربية مخاطر الفتنة، وبدأ يلعب على وتر المصالحات والتسويات، بعد أن ضرب الجفاف منابع التمويل، نتيجة انشغال طهران بدعم وإنقاذ الأسد. فاليوم لم يعد ما يأتيه من إيران يكفي نفقات الإرهابيين والدمويين وخريجي معسكرات الميليشيات، والذين لا يتحركون خطوة إلا بنظام "الدفع مقدمًا" وفي أسرع حال. ولم يواجه نصر الله جماعته وشعب لبنان بالحقيقة المرة، وتسببه في إراقة دماء المئات من اللبنانيين الأبرياء في حلب وغيرها من المدن السورية، دفاعًا عن نظام الأسد، ومساندة قاتل الأطفال والنساء بغاز الخردل السام، في حرب خاسرة ضحى فيها نصر الله بالمئات من جنوده، لإرضاء سيده ومولاه بشار، ولضمان تدفق الدعم القادم من طهران. والعجيب في المشهد أنه دعا العلماء والمسلمين إلى الذهاب إلى سوريا، متغافلًا عن أنه ومن دربوه على حمل السلاح وتوجيه الرصاص لصدر أخيه العربي المسلم، كانوا يومًا وما زالوا مسؤولين عن زرع الفتنة الطائفية في جسد العرب المتهالك والمنهك والضعيف، وازداد نصرالله "تبجحًا" وجعل من نفسه حكيمًا وناصحًا للمتناحرين من العرب والمسلمين (سنة وشيعة) بقوله: "أدعو كل أولئك حاملي السلاح في حلب أو الموصل ودرعا ودير الزور وكل مكان لأجل من؟ فكروا قليلًا... وستكتشفون أنه تم استغلالكم وآن حصاد بعضكم". ونصب مفجر الدماء من نفسه (حامي حمى) العرب والمدافع عن المسلمين، مطالبًا دول المنطقة العربية بتغليب الوعي والعقل من أجل فلسطينولبنانوسوريا، متجاهلًا مع سبق الإصرار والعمد ما تقوم به الميليشيات الإرهابية التابعة لإيران من مذابح في العراق واليمن. فإلى متى يناقض نصر الله نفسه، ويؤكد يومًا بعد آخر أنه يعاني من انفصام في الشخصية، ومن ازدواجية سياسية لا مثيل لها إلا في عقله وعقل الحريصين على تصدير الثورة الإسلامية الخمينية للمنطقة العربية؟ فبينما يدعو العرب والأطراف المتنازعة لعدم القتال، طالبًا التصالح مع الدواعش، ينادي بالقتال فى سوريا، وكأنه مباح في دمشق، محرم في بغداد واليمن وفي أي دولة أخرى لا يوجد فيها بشار. إن ما أعلن عنه أمين حزب الله – المصنف دوليًا بأنه من المنظمات الإرهابية – يكشف مدى التناقض في المواقف الإيرانية والأحزاب والميليشيات الموالية لها، فهي في النهاية لا يهمها سوى مصلحتها، ولا تسلك سوى طريق واحد تحقق من خلاله أهدافها وأطماعها التوسعية، حتى ولو كان ذلك على أشلاء وجثث شعوب أخرى.