أخي الكريم قارئ المقال أنت بين أمرين لا ثالث لهما، إما أن تتفضل بقراءة المقال كاملاً أو أن لا تقرأه. يتضمن المقال متغيرين رئيسيين مهمين وهما، الشباب ذلك المتغير التابع الذي يتأثر بعوامل ومتغيرات مختلفة تحدث من حوله، والإرهاب المتغير المستقل والذي يؤثر على الشباب ويحولهم من أدوات بناء ونماء وعطاء لهم ولمجتمعهم إلى أدوات تدمير وتفجير لذواتهم ولأسرهم ووطنهم، ولأهمية الموضوع وخطورته سوف أتناوله بشكل علمي موضوعي منطقي بعيداً عن الذاتية بمقدمة علمية يعتمد عليها تفسير وتحليل العلاقة بين الشباب والإرهاب. – يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) {التين: 4}، وقال تعالى: ((وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) {النحل: 78}، وبالتأمل في تلك الآيات نستنتج أن الله خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا في أفضل تكوين وأحسن هيئة، خلق الله الإنسان وأمده بالأدوات والوسائل التي تمكنه بالتكيف مع الحياة وتكوين المعارف والمهارات والقيم والاتجاهات، إذن يخرج الإنسان إلى هذه الحياة وعقله (فكره) صفحة بيضاء، ثم يبدأ بالتفاعل وفق خطوات ومراحل حياتية مختلفة يكتسب من خلال التربية والتعليم والتفاعل مع المجتمع العادات والتقاليد والمعارف والمهارات والاتجاهات والتي تكون شخصيته وتصقلها، بحيث يكون لكل إنسان شخصيته المستقلة. – روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)، يحمل الحديث العديد من المعاني من أهمها أن الإنسان يولد على الفطرة السليمة بمعنى أن لديه قابلية لأن يكون مسلماً خيراً متى ما وجد القدوة الحسنة والتربية السليمة الصحيحة النبوية والتي تكسبه المعلومات والقيم والمعتقدات اللازمة لتحقيق الغاية من الخلق، ويمكن أن يكون الإنسان بعيداً عن الفطرة السليمة ويعتنق معتقداً أو ديناً آخر، حسب ما يقوم به الأب والأم من ممارسات وتربية وتعليم تسهم في صقل شخصيته، فعلى سبيل المثال لو أخذنا طفلاً عربياً لكي يعيش في اليابان مع أسرة يابانية، ماذا نتوقع أن يصبح بعد عشرين سنة، والعكس صحيح، إذن نستنتج أن الإنسان في بداية حياته وتكوينه يتأثر بشكل كبير بأبويه. – تقوم نظرية التعلم الاجتماعي لجوليان روتر على أن الناس يتعلمون سلوكيات جديدة عن طريق التعزيز أو العقاب الصريحين، أو عن طريق التعلم بملاحظة المجتمع من حولهم، فحين يرى الناس نتائج إيجابية ومرغوبة للسلوك الذي يلاحظونه من قبل غيرهم تزداد احتمالية تقليدهم ومحاكاتهم وتبنيهم للسلوك، فمكونات نظرية التعلم الاجتماعي هي: الملاحظة، التقليد، السلوك، ثم توسع العالم باندورا في فكرة جوليان روتر وأفكار من سبقوه، فنظريته تشمل التعلم السلوكي والإدراكي، حيث يفترض التعلم السلوكي أن بيئة الشخص المحيطة تدفعه للتصرف بطريقة معينة، أما نظرية التعلم الإدراكي فتقول بأن العوامل النفسية مهمة في التأثير على سلوك المرء، فنظرية التعلم الاجتماعي تجمع بين العوامل البيئية والعوامل النفسية حيث يتطلب تعلم وتقليد سلوك معين ثلاثة أمور: التذكر، الإنتاج، الدافع، ويعتبر التعلم الاجتماعي من أقوى المؤثرات في شخصية المرء في اكتسابه للقيم والتزامه بها، فعلى سبيل المثال حينما يسافر إنسان من بلد إلى بلد آخر مختلف في الثقافة والتقاليد نجده يلتزم بعادات وقيم ذلك المجتمع سواء كانت إيجابية أو سلبية، وخصوصاً حينما يُقيم في تلك البلاد، وتنتج الصدمات الثقافية للناس باختلاف الموروث الثقافي والقيّمي للمجتمعات. – من التجارب الشهيرة في تكوين السلوك والاتجاهات لدى الأفراد، ما قام به أحد العلماء البريطانيين المهتمين بنظريات سلوك القائد، حينما طلب عشرة أطفال، وقال حددوا ماذا تريدون أن يكون تخصص كل طفل في المستقبل (طبيب، مهندس.. إلخ)، وبالفعل وفر الدعم المادي والمعنوي والإمكانات والتعليم والتعلم المناسب ليؤثر على سلوك كل طفل منهم ويكسبه المعارف والمهارات اللازمة لكل تخصص، وتخرج كل طفل في التخصص الذي تم تحديده مسبقاً. وقد أثبتت العديد من التجارب والأدلة أنه حينما يتم توفير البيئة المعنوية والمادية المناسبة والصحية والجيدة للإنسان يبدع ويبتكر ويتميز، وهذا ما يتم ملاحظته من فروق جوهرية بين الدول والمجتمعات، إذن الإنسان لديه الاستعداد والقابلية للتعلم والتكيف والتطور المعرفي والعلمي والمهاري، وباختلاف البيئات والثقافات تختلف المخرجات والنتائج. وبعد تلك المقدمة أنتقل بكم إلى تحليل العوامل والأسباب التي جعلت بعض الشباب يتأثر بالإرهاب والأفكار الهدامة: أولاً: تبدأ حياة الشاب كطفل بين أبويه، ولمدة قد تصل إلى سبع سنوات يكتسب من خلالها الكلمات والمعلومات والقيم ويتم ذلك من خلال الملاحظة المباشرة للأبوين والتقليد والمحاكاة، وأحياناً عن طريق التعلم المباشر خصوصاً عندما يكون الأب متعلمًا أو الأم متعلمة أو كلاهما. لكن للأسف الشديد فالطرق التي يتّبعها الأبوان سواء كانت طرق مباشرة أو غير مباشرة (تقليد ومحاكاة) لتربية أطفالهم هي طرق غير صحيحة وغير سليمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر القسوة والعنف وعدم الثقة والصراخ والوعيد والتهديد التي يستخدمها الأبوان أو أحدهما في المواقف المختلفة مع أطفالهم هي طرق خاطئة وغير إسلامية وغير نبوية، فلو تأملنا سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام في تعامله مع كل من حوله نجد حياته قائمة معهم على الاحترام والتقدير والرحمة والتواضع. وأكبر مؤثر في تربية الطفل هو وجود القدوة النموذج الحي في حياته وخصوصاً قدوة الوالدين، وبغياب القدوة السليمة الصحيحة يعيش الطفل حياة التناقض بين ما يشاهده من سلوكيات وممارسات من قبل الأبوين والأسرة وبين ما يُؤمر به أو يُنهى عنه، هذه الطرق غير الصحيحة وهذا التناقض العجيب في حياة الطفل، يجعل منه شخصية مهزوزة منعدمة الثقة خائفة مترددة قائمة على العنف والسخرية والاستهزاء، إذن المشكلة تكمن في طريقة وأسلوب التعامل مع الطفل، وخصوصاً أن إرث وتركة التربية القريب غير سليم وغير جيد وبعيد عن التربية النبوية. وفي ظل تلك الممارسات والتناقض الواضح في حياة الطفل، تتكون الشخصية السلبية لدى الطفل وليست الشخصية الإيجابية، فالشخصية السلبية هي شخصية ساخطة ناقمة تنتقد باستمرار، تميل إلى العدوانية والاعتداء وتحقيق الذات بأي طريقة كانت، فتصبح العلاقة بين الأسرة وشخصية ذلك الشاب علاقة تنافر وليست علاقة حب وتجاذب، ويبدأ يبحث الشاب بتلك الشخصية السلبية عن بيئة تحتويه فلا يجد سوى البيئات السيئة والسلبية والتي تتناسب مع شخصيته وتحتويه وتقدم له الاحترام والتقدير والدعم المعنوي والمادي، ومن تلك البيئات السلبية والسيئة بيئتي المخدرات والإرهاب، فتبدأ تتكرس لديه أفكار واتجاهات تلك البيئات التي انتقل لها وبشكل سلبي ومؤثر جداً فيتبنى الشاب أفكارهم ويمارس سلوكياتهم ويصبح أداة لهم يحققون من خلاله أهدافهم. وحتى الشباب الذين ينجّون من تلك البيئات السلبية ويحققون أهدافهم وينتمون للمجتمع هم للأسف مازالوا يملكون نظرة سلبية للمجتمع فيها النقد غير البناء وفيها السخط، بسبب تكوين الاتجاهات السلبية أثناء مراحل الطفولة المختلفة وحتى أصبحوا شباباً. ثانياً: تتقاسم الأسرة مع المدرسة تربية وتعليم الأطفال والشباب حتى عمر الثامنة عشرة وهو العمر الذي يكون تشكل فيه جزء كبير من شخصية الشاب، فالتعليم شريك أساسي واستراتيجي في التنشئة والتربية والتعليم والتعلم، والسؤال هل للتعليم دور إيجابي أو سلبي في تكوين شخصية الشاب؟ والجواب بحكم تخصصي في الإدارة التربوية وبحكم خبرتي التعليمية المتنوعة، أجد أن التعليم في المملكة العربية السعودية يمتلك إمكانات مادية وبشرية وعلمية وتربوية هائلة، ويمتلك مناهج تعليمية جيدة وسليمة غنية وثرية، وحتى المناهج الإسلامية الشرعية هي مناهج في ضوء الكتاب والسنة تعلم عليها العديد من العلماء والوزراء والمثقفين، أيضاً يواكب التعليم التطورات التقنية والتربوية العالمية ويوظفها في العملية التعليمية، فالتعليم كإمكانات مادية وبشرية يتفوق على عدد كبير من الدول ويواكب التطورات العصرية حتى مع وجود الأخطاء. أين يكمن الخلل؟ الخلل يكمن في العلاقة بين الأسرة التعليمية (معلم، مرشد، مدير، مشرفّ… إلخ) من جهة والطالب من جهة أخرى، هل العلاقة بينهما علاقة جيدة تقوم على الحب والاحترام والثقة والتقدير أو هي علاقة قائمة على الشك والاتهام وعدم الاحترام والتقدير؟ يبدو أن ما يحدث في التعليم من تعامل هو امتداد لما كان يحدث في الأسرة من تعامل، فمهما كانت المباني والتجهيزات والإمكانات والهيئة التعليمية ذات جودة عالية؛ فإنه في ظل علاقة غير قوية وغير جيدة مع الطالب فلن يتحقق التعليم المطلوب، فالطلاب لا يتعلمون إلا من معلم يحبهم ويحبونه؛ بل على العكس سيتكون لدى الطلاب اتجاهات عكسية وسلوكيات سلبية تجعلهم إما يتجهون نحو الانحلال ويمارسون التدخين والمخدرات وغيرها، أو أنهم يتجهون نحو التشدد والانغلاق والإرهاب، وكل ذلك يحدث من الشاب أحياناً كردة فعل عكسية لما يلاحظه ويلمسه من سلوكيات وممارسات داخل البيئة التعليمية. ثالثاً: من الأشياء الجميلة والرائعة في أفراد المجتمع حبهم الشديد وميلهم الفطري نحو الدين (الكتاب والسنة)، وهذا فضل من الله ونعمه أن يكون الشاب في مجتمع مسلم يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ودولة تُحكم شريعة الله وتعمل بمقتضى ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. ولو تأملنا بداية الدعوة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، نجد أن الدعوة سارت وفق مرتكزات أساسية حببت الناس في الدين وجعلتهم يعتنقون الإسلام عن حب وطمأنينة، فكانت دعوته للإسلام قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن الغلظة والقسوة والشدة، قال تعالى: ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) {النحل: 125}. وقال تعالى: ((فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) {آل عمران: 159}. لو تأملنا الآيتين السابقتين، نجد أن القرآن هو القرآن العظيم، والنبي هو النبي عليه الصلاة والسلام، فما الذي اختلف؟ الذي اختلف هو أسلوب وطريقة الدعوة إلى الله. نعم، فقد كانت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإسلام تسير وفق توجيه رباني من لدن حكيم خبير، فقد كان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن الكريم، فهذا منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة وفي التعامل وفي التدين فهو أفضل الخلق وأتقاهم لربه، ذلك المنهج القائم على الحكمة والتعامل الحسن وعلى الاحترام والتقدير. ولو أردنا أن نُقيم مُعظم الخطاب الوعظي والخطاب الدعوي الحالي في المجتمع في ضوء منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة؛ لوجدنا اختلافاً كبيراً، ذلك الاختلاف ليس في النصوص القرآنية وليس في الأحاديث النبوية، بل الاختلاف في السياق ولغة الخطاب وطريقة التعامل والدعوة؛ حيث نجد أن الخطاب الوعظي والدعوي الحالي معظمه قائم على تكريس الشعور بالذنب وتأنيب الضمير وعلى الإثم والخطيئة لدى المتلقي، حتى أصبح المتلقي يحمل اتجاهًا سلبيًا نحو ذاته ونحو المجتمع، وفي حالة توجس وخوف وريبة مما يحدث حوله، وبالتالي افتقد الخطاب الوعظي إلى التوازن بين الرجاء والخوف، ونتج عن ذلك بعض الأفراد الذين يحملون توجهات سلبية نحو المجتمع. وللأسف أصبح ذلك النوع من الخطابات يتنقل من خلال الملاحظة والمشاهدة، حتى أصبحت لغة الخطاب الوعظي عموماً واحدة وافتقدت للتوازن المطلوب. والتوجه السلبي لدى الأفراد يجعلهم دوماً ساخطين على المجتمع وعلى أفراده ومؤسساته، وبالتالي يكون انضمامهم للتوجهات السلبية الأخرى المعادية للمجتمع أسهل وأقوى، فتكون لدى الفرد منهم القابلية ليعمل أي شيء لكي ينتقم من المجتمع بسبب ذلك الشعور والاتجاه السلبي الذي يحمله، وليس بسبب الدين والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية. رابعاً: يمثل الإعلام بحد ذاته سلطة قوية ومؤثرة في التغيير والتأثير على المجتمع، كيف لا وقد أُطلق على الإعلام "السلطة الرابعة" وخصوصاً الصحافة، والسؤال هل الإعلام يقوم بأدوار إيجابية أو سلبية؟ التعليم والإعلام من أقوى الوسائل والأدوات ليس في التغيير والتأثير فقط، بل في صناعة الأمم وقيادة التقدم والتطور بها، لذلك تهتم الدول بالتعليم والإعلام وتخصص لهما الدعم المادي والبشري والميزانيات اللازمة للقيام بأدوارها في قيادة عجلة النمو والتنمية بالمجتمع. والحديث هنا عن المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية الرسمية وليس عن الإعلام الحديث أو الجديد. فالأفراد الذين نشأوا في أحضان الأسر ومؤسسات التعليم هم من يعملون في المؤسسات الإعلامية، فإذا كانوا يحملون توجهات إيجابية ستنعكس على أدائهم الإعلامي والعكس صحيح. أيضاً يلاحظ أن معظم أخبار المجتمع المحلي وتناولها في المؤسسات الإعلامية المختلفة تتسم بالسلبية والأخبار السيئة وتقديمها بشكل يكرس السلبية لدى المتلقي. ويلاحظ أن أغلب المتمكنين من وسائل الإعلام المختلفة من كُتاب وإعلاميين ذوو اتجاه أحادي، ويحملون أحياناً اتجاه سلبي وليس متزن نحو المجتمع وبعض فئاته، وقد يكون نشأ ذلك الاتجاه كردة فعل عكسية للاتجاه الآخر في المجتمع، وهذا ليس مبرراً لممارسة السلبية والإقصاء. وهذه السلبية وذلك الإقصاء الذي تتم ممارسته في وسائل الإعلام أثر بشكل كبير وسلبي على المجتمع، ولم يحقق التوازن المطلوب تحقيقه، وليس هو الأسلوب الأنجع والأفضل للتغيير. يفتقد الإعلام إلى المهنية والاحترافية في أفراده، فمعظم من دخل الإعلام هم من الهواة والمهتمين، وهذا أيضاً أثر سلباً على الدور الذي ينبغي أن يقوم به الإعلام. يلاحظ أيضاً غياب المثقفين من الأكاديميين والأدباء وغيرهم – ممن يحملون وعياً وفكراً متزناً – عن الإعلام ووسائله المختلفة، وهذا الغياب مهما كانت أسبابه هو غياب سلبي أفقد المجتمع الاستفادة من فكر أولئك المثقفين ووعيهم. المجتمع يتأثر بما يتم عرضه في وسائل الإعلام المختلفة تحت أي مسمى كان، ويلاحظ أن ما يتم عرضه من مسلسلات ونحوها بغرض أنها تناقش قضايا مجتمعية سلبية، هي للأسف تكرس الممارسات الخاطئة والسلبية لدى المجتمع، وأسهمت في تشكيل اتجاه سلبي لدى الأفراد مع العوامل الأخرى. الصراعات (المختلفة) التي تحدث في وسائل الإعلام وليس النقد الهادف (الرأي والرأي الآخر) ساهمت بتعزيز وتكريس السلبية وتنمي الشعور بالعدائية نحو الآخر. خامساً: أما المجتمع، فيمكن تفسير ما يحدث فيه وفق نظريات التعلم الاجتماعي أو غيرها من النظريات الاجتماعية، فالانفعالات والمشاعر والممارسات تنتقل بالعدوى فإن كانت المشاعر والانفعالات متزنة وإيجابية ساد الاتجاه الإيجابي والسلوك الجيد في المجتمع، وإن كانت المشاعر والانفعالات سلبية ساد الاتجاه السلبي والسلوك السيئ في المجتمع، والعدوى تكون في القرى والهجر أسرع وأقوى منها في المدن. سادساً: أما ما يخص المؤسسات الحكومية والخاصة في المجتمع، فهي جزء من المجتمع وثقافتها تنتمي إلى ثقافة المجتمع، فالأفكار والممارسات السائدة في المجتمع سواء كانت إيجابية أو سلبية هي الأفكار والممارسات التي تتم في المؤسسات، إلا إذا كان قائد المؤسسة يحمل توجهاً إيجابياً فإنه بالتأكيد سيؤثر على توجه الأفراد بالمؤسسة وتصبح التوجهات للأفراد في المؤسسة إيجابية، مما يعني تطوير الأداء وزيادة الإنتاجية؛ فمن المهم جداً عند اختيار قيادات المؤسسات الحكومية اختيار القائد الذي يحمل توجهاً إيجابياً، ويمتلك المعارف والمهارات الإدارية اللازمة لأداء العمل. ختاماً: تتميز المجتمعات الإيجابية بالنشاط والحيوية والالتزام والعمل والإنتاجية والابتكار والإبداع والتميز وغيرها من السمات والقيم التي تحقق السعادة والنجاح، وعلى العكس من ذلك المجتمعات السلبية. ويمكن أن يكون المجتمع وأفراده إيجابيين عندما يكون الحب والاحترام والتقدير والثقة والصدق والأمانة هي سمات وسلوك أفراده، ويمكن أن يكون المجتمع وأفراده سلبيين عندما يكون الكره والبغض والعنف والقسوة والإقصاء والعداوة هي سمات وسلوك أفراده. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن الكريم، وقد زكّاه المولى عز وجل قال تعالى: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) {القلم: 4}. ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: (كان خلقه القرآن). صحيح مسلم. فالدين الإسلامي عبارة عن (عبادات ومعاملات) بينهما ترابط وتكامل، فأي خلل في أحدهما هو خلل في التدين وليس في الدين. وقد قال الشاعر أحمد شوقي: وإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا ويتضح من بيت الشعر أن وجود الأمة وتأثيرها يكون من خلال وجود الأخلاق التي يمتلكها أفرادها. أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي المشارك جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية