مع قرب دخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وتوجه المسلمين لقضاء هذه الأيام المباركة بجوار بيت الله الحرام، إلا أنه لم يدر بخلد الكثير منهم أن كسوة الكعبة المشرفة تحاك وتطرز بأيدي شباب سعوديين في منتصف العشرينات من عمرهم، إذ استطاع (30) شابًا سعوديًا من خريجي المعهد الصناعي الثانوي بمكةالمكرمة كسر احتكار تطريز وحياكة وصبغة كسوة الكعبة على كبار السن والوافدين. وأتقنوا العمل على أكبر ماكينة خياطة في العالم بعد اجتيازهم برنامجًا تدريبيًا لمدة عامٍ واحد يشتمل على المراحل السبع المخصصة لإنتاج كسوة الكعبة، عقد بالشراكة بين الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. وعلى الرغم من أن مكائن الخياطة الآلية التي تستخدم لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المصنعة من الحرير الطبيعي والذي يتم استيراده من إيطاليا على هيئة خيوط دقيقة تحتاج لدقةٍ بالعمل وتركيزٍ وصبرٍ، هي صفاتٌ من النادر تحلي الشباب بها إلا أنَّ هؤلاء الشباب نجحوا بمهاراتهم وحرفيتهم في إثبات العكس، مما حفّز المصنع لأن يضع ضمن خططه المستقبلية توظيف (100) شاب سعودي على مدار خمس سنوات في مجال الحياكة والتطريز. يروي الشاب محمد فطاني تجربته بالعمل بمصنع الكسوة المشرفة قائلاً: "بالبداية اخترت الالتحاق بالبرنامج التدريبي في المعهد الصناعي في مكة بدافع الثواب، فهي مهنة تكسبني بإذن الله الأجرين في الدنيا والآخرة، ولكن بعد مشاهدتي للمكائن الحديثة التي لا تستخدم إلا في حياكة قطعة الحرير الأسود والخيوط المطلية بالذهب والفضة تحول الأمر إلى تحدٍ من داخلي وشغف لاجتياز البرنامج، وإتقان العمل، فكانت الأربع أشهر التي نحتاج إليها للانتهاء من تطريز قطعة بحجم (2) متر مربع تمر دون أن أشعر بوقتٍ أو ملل". ويصف عمله بالمصنع بالممتع، من الناحية المهنية والحرفية، بالإضافة للجانب الروحاني في الوقت ذاته، حيث إنه يرتكز على حشو الآيات القرآنية التي تزين خارج الكسوة بالقطن الطبيعي، ليعطيها الامتلاء اللازم، ثم تطريزها بخيوط السلّم المطلية بالذهب والفضة، لتكون بالفن والجمال الذي نراه عندما نزور الحرم المكي. ويؤكد حسام اللقماني، أحد الشباب العاملين في حياكة وتطريز كسوة الكعبة أنه لم يكن يتوقع عندما التحق بالبرنامج التدريبي أنه سينجح في المهنة التي عُرف عنها أنها لكبار السن، ولكن مشاهدته بطريقة عملية لمراحل تصنيع الكسوة من الصباغة والنسيج الآلي واليدوي وقسم المختبر والطباعة والتطريز ثم المرحلة النهائية بتجميع الكسوة ولدّت لديه الرغبة باكتساب المهارات والمنافسة في هذا العمل الشريف وبالفعل تمكن من اجتياز البرنامج والعمل في المصنع. ويستطرد قائلاً: "إن العمل في تصنيع الكسوة يشكل تحديًا في كل وقت ويجعلك تشعر بالتفوق على النفس في كل مرحلة من مراحل العمل، فإن تطريز كسوة الكعبة بخيوطٍ من الذهب والفضة وأنت الذي لم تجرب الإمساك بإبرة وخيط في حياتك هي تجربة ثرية بكل ما في الكلمة من معنى". من ناحيته، أوضح رئيس مكتب التدريب التقني والمهني في مكةالمكرمة فيصل كدسة، أن المهارات التي اكتسبها المتدّربون في أساسيات الخياطة والتطريز وإجراءات الصيانة وتكنولوجيا الرسم والقص لكسوة الكعبة المشرفة، وقدرتهم على إثبات كفاءتهم، كانت سببًا في تحفيز المصنع لعقد برامج تدريبية قادمة تستهدف توظيف (100) سعودي في هذا المجال خلال خمس سنوات. يذكر أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، كانت قد وقعت مذكرة تفاهم، مع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، لتدريب وتأهيل الكوادر الشابة الوطنية بأعلى المعايير العالمية في المجالات التي يتطلبها العمل، كتطريز وحياكة كسوة الكعبة، وصيانة مرفقات المسجد الحرام والنبوي.