لا تزال قضية الإرهاب إحدى أهم القضايا التي تشغل العالم بأسره. ونظرا لأن الإرهاب ظاهرة معقدة، تلعب فيها العديد من العوامل الداخلية والخارجية أصبحت الحاجة إلى التعاون في مكافحته ومحاربته من أهم الحاجات الجماعية للدول، لاسيما في المنطقة العربية. ولهذا فإن مواجهات الإرهاب التي تتردد بين وقت وآخر في أماكن مختلفة من العالم أصبحت اليوم أكثر ضرورة إلى تنسيق جهود جماعية للدول من أجل القضاء على هذه الآفة التي أضحت هاجسا مؤرقا لحكومات المنطقة والعالم. وفي هذا الصدد كان لفكرة إنشاء التحالف الإسلامي العسكري الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية ، من خلال إعلان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لهذا التحالف دور كبير في البحث عن تخطيط أكثر إحكاما، ومعالجة أعمق إدراكا لقضية الإرهاب بوصفها ظاهرة أصبح الجميع يتضرر من آثارها الخطيرة على المجتمعات والدول. لاشك أن لغياب التعريف الدولي الموحد للإرهاب كمصطلح متفق عليه ، ما يمكن أن يعكس شكوكا في نوايا بعض الدول التي تنأى بنفسها عن تحديد قانوني واضح للفعل الإرهابي كالولايات المتحدة مثلا لكن هذا لا يعني أبدا انتفاء معرفة ملامح عامة لأفعال الإرهابيين كقتل الأبرياء ، مسلمين كانوا أم غير مسلمين ، و الاعتداء على ممتلكات الغير وغير ذلك. ولقد لعبت المملكة العربية السعودية دورا كبيرا في مكافحة الإرهاب عبر العديد من الاستراتيجيات التي تولت قيادتها وزارة الداخلية السعودية منذ أيام وزير الداخلية السابق الأمير نايف بن عبد العزيز ، رحمه الله ، ثم ما حققته تلك الاستراتيجيات من نجاح معروف ومشهود على يد ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز . بطبيعة الحال جسدت تلك الاستراتيجيات الأمنية والفكرية ، وما صاحبها من معالجات متعددة لمخاطر الإرهاب والإرهابيين بأساليب غير تقليدية ؛ وعكست حضورا قويا استطاعت عبر حزمة من تلك البرامج الاستراتيجية استئصال وجود تنظيم الفئة الضالة القاعدة في سنوات قليلة ، عند ظهور المواجهات الأولى في العام 2003م. ومنذ أن ظهر تنظيم داعش كوريث لجماعة القاعدة ، في السنوات الخمس الأخيرة خصوصا في سوريا على هامش الصراع هناك ؛ أصبح للإرهاب كيان متمدد على رقعة جغرافية بين بلدين عربيين، الأمر الذي استدعى مواجهة مختلفة وأكثر تنظيما كالحلف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب. ورغم الحوادث المتفرقة للعمليات الإرهابية في المملكة، كعملية مكة التي جرت أحداثها يوم أمس ، حيث تم خلالها مواجهة الخلية الإرهابية باحتراف مهني دقيق من قبل قوات الأمن السعودي مما أدى إلى مقتل 4 من الإرهابيين دون أن يصاب أي من رجال الأمن أو المواطنين بأذى ولله الحمد ، إلا أن الحاجة إلى المواجهة المستمرة للتطرف وتجفيف ينابيعه ، وتحصين المواطنين من مخاطره ، لاسيما صغار السن ، تظل من أهم الواجبات الرديفة في عمليات مكافحة الإرهاب. لقد طورت المملكة العربية السعودية استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب بموازاة إعداد مستمر في قوى الأمن ، خصوصا قوات الأمن الخاصة في مكافحة الإرهاب والتي لعبت دورا مهما في هذا الصدد. ولقد بلغت قوات الأمن السعودية الخاصة بمكافحة الإرهاب مستويات عالية من الاحتراف والمهنية ، عبر مراكمة التدريبات والخبرات وتعدد المواجهات التي خاضتها ضد العناصر الإرهابية ، مما أهل هذه القوات اليوم لتكون رأس الرمح في مواجهة أي تحرك إرهابي والقضاء عليه بأسرع وقت وفي أي مكان إن عمليات مواجهة الإرهاب ستظل عمليات متجددة ومتنوعة ، وينبغي أن تضطلع بها كافة شرائح المجتمع السعودي وقواه الفاعلة إلى جانب قوى الأمن لأن المواجهة حين تكون شاملة في الحرب على الإرهاب ، تساعد كثيرا في القضاء عليه. هناك الكثير من الأوضاع المتشابكة والتداخلات التي تعكس تعقيد الظاهرة الإرهابية نتيجة للعديد من العوامل الخارجية والداخلية ، مما يجعل من الصعب القضاء عليها قضاءً سريعا وكاملا ، لكن الاستعداد الدائم لمواجهتها أمنيا وفكريا وعسكريا هو أفضل السبل التي ستؤدي في النهاية إلى تمكين المجتمع والدولة من القضاء عليها داخليا ، وخارجيا بالتنسيق مع الدول الإسلامية وصولا إلى الخلاص من هذه الآفة على المدى البعيد.